أكد حسن المصدق الأستاذ الجامعي بباريس أن الأجنبي في أوروبا أصبح بعامة في دوامة الأزمة الحالية، فهو المستهدف الأول في عملية غسيل الدماغ للرأي العام. ,اضف في حوار أجرته «العلم» معه أن مقولة « صدام الحضارات» التي تم الترويج لها بشدة وبقوة تجد مروجين لها، وهم كثر يستغلون وقوع بعض الأحداث والتوترات كي يجدون تفاسير دينية وثقافية لها، بحيث تتداول العديد من الصحف والمجلات الغربية أسئلة من قبيل لماذا يخاف الفرنسيون من الإسلام؟ تفاصيل أخرى في نص هذا الحوار: هناك هجمة واضحة ضد المسلمين في ألمانيا وفي فرنسا كذلك، وهذا يعني أن هذه الدول قلقة من وجود الإسلام بها. هل ينسجم هذا في رأيك مع الديمقراطية؟ أفهم من سؤالك أن وضعية المهاجرين ومن ورائها المسألة الدينية في أوروبا تطرح جدلا سياسيا كبيرا في الوقت الحاضر، لكن قبل أن نستفيض في معالجة وضع المهاجرين وحقوق الأقليات الدينية في أوروبا، يجب التذكير أنه بالرغم من صعود دعاة التعصب وصدام الحضارات واليمين المتطرف إلى الواجهة، يبقى أن حرية الدين وحيادية الدولة وحرية التنظيم واستقلالية وحرية الطوائف ودور المؤسسات الدينية على اختلافها تحفظها كل القوانين الأوروبية بموجب المادة التاسعة من الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان. بالإضافة، أن دساتير الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي نصت كلها (البند التاسع عشر في الدستور الإيطالي، والمادة الرابعة في الدستور الألماني (23 مارس 1949) والمادة 21 من الدستور البلجيكي والبند 44 من دستور ايرلندا والمادة الرابعة من دستور البرتغال تنص كلها على حرية المواطن الدينية، وبالتالي حق أي مواطن في الدعوة إلى دينه بكل حرية بمختلف الوسائل كانت فردية أو جماعية...). كما أن ميثاق الاتحاد الأوروبي إذا كان لا ينص على أي اختصاص له في مجال المعتقدات، فهو ينص في المادة 52-1 من اتفاقية روما (29 أكتوبر 2004) على احترامه حرية المعتقد بموجب القوانين الوطنية المنظمة لحرية الأديان. لذا أعتقد إن هذا التوضيح ضروري، أما بالنسبة إلى سؤالك، يمكن أن نطرح بأن المخاوف والاتهامات التي تكال للدين الإسلامي جارية على قدم وساق. وتجدر الإشارة إلى أنه بعد أحداث 11 شتنبر 2001 واشتداد آثار الأزمة الاقتصادية منذ 2008 يبحث العديد من رجال السياسة والإعلام على كبش فداء يعلقون عليه شماعة فشلهم وصرف الأنظار عن ما يجري ويدور. وبالتالي أصبح الأجنبي بعامة في دوامة الأزمة الحالية، فهو المستهدف الأول في عملية غسيل الدماغ للرأي العام. هذا دون أن ننسى بأن مقولة « صدام الحضارات» التي تم الترويج لها بشدة وبقوة تجد مروجين لها، وهم كثر يستغلون وقوع بعض الأحداث والتوترات كي يجدون تفاسير دينية وثقافية لها، بحيث تتداول العديد من الصحف والمجلات الغربية أسئلة من قبيل لماذا يخاف الفرنسيون من الإسلام؟ إجمالا، لا يمكن اليوم أن نتساءل لماذا يتم استهداف المسلمين بوصفهم أقليات دينية في دول ديمقراطية، من المفترض أن ينعموا فيها بكامل الحقوق والوجبات على غرار جميع المواطنين الآخرين؟ إذ منذ أن أصبحت قضية الهجرة وحقوق المهاجرين محط رهان سياسي بين اليمين واليسار في أوروبا، من الطبيعي أن نشهد هذا اللغط والشد والجذب حول الهجرة والمهاجرين. وبالتالي إذا كانت العديد من الجاليات الإسلامية تشعر بأنها مستهدفة في هويتها ودينها بسبب الصور النمطية والآراء الشائعة حولها، وأحيانا كثيرة بسبب التركيز المبالغ فيه على أحداث ووقائع هي غير مسؤولة عنها لا من بعيد ولا من قريب. فهي مطالبة أكثر من غيرها بالعمل بجدية لتصحيح الصورة والنفاذ إلى الرأي العام ومخاطبته مباشرة. لذا أعتقد بأنه لا بد من معالجة موضوعية تتجاوز هذه الدفوعات من هذا الطرف أو ذاك للنفاذ إلى عمق القضايا. ومن ثم يمكن تسليط الضوء على طبيعة المشاكل المطروحة وحصرها ومعالجتها معالجة طبيعية في إطار تحديد مشاكل بعينها دون التركيز على عموميات. فالغرب ليس طرفا هلاميا ووحدة متجانسة، حيث نجد العديد من الجماعات والتيارات السياسية والمتطرفة تكن عداء سافرا للمسلمين بعامة والأجانب بخاصة. لكنه في نفس الوقت هناك تيارات فكرية وسياسية وجمعيات تدافع بكل ما أوتيت من قوة على الأجانب وتبحث بكل الوسائل القانونية والإعلامية على مساعدتهم في الاندماج في مجتمعات الإقامة واحترام خصوصياتهم. أوضاع المغاربة في فرنسا تفرض نقاش الهوية والاندماج والعديد من القضايا الأخرى، بماذا تتميز الأوضاع المغاربة هناك ؟ نسبيا، تتمتع الجالية المغربية بسمعة طيبة في العموم، لكن الجاليات الأجنبية في ظل الظروف الحالية تئن أكثر من غيرها من تصاعد معدلات البطالة والتهميش والتمييز من جهة، كما تجد نفسها في الوقت الحالي محط اهتمام إعلامي بفضل الجدل الذي تمت إثارته حول الحجاب في المدارس والبرقع في الساحة العمومية من جهة أخرى... ولا يخفى أن هناك الكثير من الوقائع المثيرة للجدل التي استغلها البعض لتقديم صورة مشوهة عن الجالية المسلمة بصفة عامة، كما أن أبناء المهاجرين من الجيل الثاني والثالث الذين لفظتهم المدرسة وسوق الشغل أصبحوا عرضة أكثر من غيرهم للانغلاق والانكفاء والتطرف والتعصب. فهم لا يملكون إلا الرفض لمجتمعاتهم الغربية بسبب التهميش والإقصاء للذين طالهم، كما إنهم لا يعرفون كثيرا عن ما يجري حقيقة في أوطان آبائهم الأصلية ولا يحملون إلا قشورا صدئة عن حقيقة الدين الإسلامي. مما يسهل استدراجهم فكريا ونفسيا في حركات متعصبة. ناهيك إذ أضفت إلى كل ذلك، الاستغلال السياسي المقيت لما يجري على الساحة العربية من قيام بعض الحركات الإسلامية المتطرفة بأعمال إرهابية أو مصادرة حق المواطن في حرية التعبير والرأي من طرف بعض الأنظمة، فيجب أن لا نستغرب لهذه الصورة القاتمة والحملة الشعواء الذي يقودها في الغالب اليمين المتطرف، بحيث إن الصورة النمطية الشائعة عن العالم العربي والإسلامي في مخيلة المواطن الغربي أصبحت كناية عن بلدان يعمها الجهل والاستبداد والفقر، مما يشوه حقيقة العالم العربي والإسلامي بوصفه عالم في طور التقدم ويبذل كغيره جهودا حثيثة للخروج من أزماته، شأنه في ذلك شأن الدول الأخرى السائرة في طريق النمو. طرحتم أخيرا قضية الدبلوماسية الدينية والثقافية في ملتقى فاس وفي المقابل هناك حرب ضد الإسلام في الكثير من الدول الأوربية، كيف تنظر إلى هذه المفارقة؟ يجب أن نعلم إن الدبلوماسية التقليدية ضرورية في حفظ مصالح الدول السياسية والاقتصادية والحيوية. وهي بهذا المعنى لها أولوية على الدبلوماسية الدينية والثقافية التي أعتبرها دبلوماسية افتراضية وفي طور جنيني لا أقل ولا أكثر، لكن هناك بعض الجمعيات والمنتديات والمراكز والشخصيات الثقافية والدينية التي يمكن أن تساهم في تعزيز دور الدبلوماسية التقليدية، والخوض بدورها في الحوار وتقريب الشعوب من بعضها البعض، سواء من خلال تصحيح الصور النمطية والآراء الشائعة والجاهزة حول هذا الدين أو تلك الثقافة، بحيث مع تطور تكنولوجيا المعلومات والتواصل، بدأت أصواتها تعلو وتفوق أحيانا ما تقوم به السفارات نفسها، لكنها في حقيقة الأمر لا يمكن إلا أن تكون مكملة لها وقيمة مضافة لها. إجمالا، إن التشهير الذي يتعرض له الإسلام في العالم الغربي، لا يلغي إمكانية التعايش الثقافي، فهي موجودة وممكنة في أوروبا بفضل الديمقراطية، ومن ثم لا مجال لحروب دينية لأن العلمانية فصلت بين الدين والدولة في هذا الباب. هذا بالرغم من أن دعاة اليمين المتطرف يحاولون استغلال مشاكل الهجرة وبعض الوقائع السلبية التي يقف وراءها أجانب استغلالا سياسيا، حتى أصبح اليوم من يزايد بأن الهوية الفرنسية مهددة في عقر دارها! لكن يمكن القول إنه بالرغم من تصاعد الإسلاموفوبيا والجدل الدائر حول الهوية الفرنسية، فإنه بفضل التراكم التاريخي الذي حصل في ميدان الهجرة، إذ تعتبر فرنسا بلد هجرة بامتياز منذ أكثر من قرنين وقبل غيرها من الدول الأوروبية، يجعل الشعب الفرنسي يفهم مشاكلها نظرا لأنه عايشها منذ زمن طويل. وبالتالي لن تنطلي عليه حيل دعاة اليمين المتطرف. هذا في الوقت الذي يجب أن نذكر فيه بأن نشأة الدولة الأمة الفرنسية في حد ذاتها استند على مقومات الدولة بمفهومها الحديث الذي يقوم على حقوق وواجبات وليس بالمفهوم الإثني والديني والثقافي سابقا، فالدولة قامت على مبدأ المواطنة الذي أقرته الثورة الفرنسية لجميع القاطنين على التراب الفرنسي. ومن ثم إذا سعت الدولة الفرنسية دائما تحويل الأجانب إلى مواطنين عبر إدماجهم في نسيجها واستيعابهم ثقافيا ولغويا، فاليوم اتضح بأن هذا الاندماج بهذا الشكل تجاوزه التاريخ، فهو لا يتم بدون آثار سلبية على أبناء المهاجرين الذين ينتمون إلى ثقافات أخرى. إجمالا، ما أريد أن أقوله يمكن للمغاربة أن يحموا هويتهم ويدافعوا عن ثقافتهم بموجب قوانين وطنية ودولية، أبرزها ميثاق اليونسكو الذي يعد أول نص قانوني دولي يؤكد على التعددية الثقافية واحترام الخصوصيات الثقافية، بحيث أصبحنا نتكلم على حقوق ثقافية للمواطنين كما نتكلم عن حقوق الفرد الاقتصادية والسياسية، منها الحق في التربية والحق في المعلومات واستعمال لغاتهم الأصلية والحق في حرية المعتقد والقيام بأي نشاط ثقافي وفق اختيارهم وخيارهم، بخاصة الأفراد الذين ينتمون إلى أقليات. ومن ثم الحق في هوية وكرامة إنسانية الذي لا يمكن أن يلغى جزافا. المغرب الآن لم يعد بلدا مصدرا للهجرة فحسب، بل بلد إقامة خاصة بالنسبة للمهاجرين من دول جنوب الصحراء، لكن بعض الدول الأوربية لا ترى إلى الأمور كما يجب، هل هذا في رأيك لا يؤثر على العلاقة بين المغرب هذه الدول؟ يمكن أن أتفق معك على كون المغرب بلدا مصدرا للهجرة أو بلد عبور لمختلف الهجرات، فهو بموقعه الجيوسياسي حلقة وصل تاريخية بين أوروبا ودول ساحل الصحراء الإفريقية. لذا يمكن للمغرب أن يستند على هذا الدور ويعزز من أهميته الاقتصادية والأمنية والجيوسياسية. والواقع أن الاتحاد الأوروبي يدرك أهمية هذا الدور، لكن الدبلوماسية المغربية مطالبة بالتركيز عليه وإبراز أهميته الإستراتيجية حتى يحفظ المغرب مصالحه أكثر فأكثر على المدى القصير والمتوسط. كما أن المهاجرين المغاربة أو ذوي الجنسية المزدوجة قيمة مضافة في الوطن وخارجه، يستحسن استثمارها بوجه صحيح وتمتيعها بحقوقها الدستورية كاملة. د.حسن المصدق -أستاذ باحث، المنسق العام للبحوث والدراسات بمركز دراسات الشرق المعاصر. جامعة السوربون (وحدة علم الاجتماع والدراسات الجيوسياسية). صدر له العديد من البحوث بالعربية: - النظرية النقدية التواصلية، يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت. المركز الثقافي العربي، بيروت 2005. « - أبعاد الصراع الفرنسي الأمريكي حول المغرب العربي والشرق الأوسط وإفريقيا (الرباط 2006 وعن دار قرطبة الجزائر، الطبعة الثانية،2007). - «خلفيات الصراع الإيراني الأمريكي في الشرق الأوسط والخليج العربي» مركز دراسات الشرق المعاصر، جامعة السوربون. 2010 - ترجم « مستقبل العمل» لجاك أتالي الدار العربية للعلوم، بيروت. لبنان. الطبعة الأولى2008، والثانية 2009 والثالثة 2010. - « نظام التعليم العالي والبحث العلمي في تونس» دار العرب العالمية للصحافة والنشر، لندن، 2008 - « انثربولوجيا الأسرة العربية: الثوابت والمتحولات في عصر العولمة» القيم الحضارية والإنسانية المشتركة بين الواقع والمتغير. دار لارمتان، باريس.2008 - ويوجد له قيد الطبع: جدل الاستنساخ بين الفلسفة والسياسة والمجتمع. - «تكنولوجيا المعلومات والتواصل في الموجة الرأسمالية الثالثة» المؤسسة العربية للدراسات والنشر سنة 2011. - التواصل، الأخلاق والقانون (دار هاشيت، باريس 2011(.