محطة 11 يناير1944 من المحطات الرئيسية في تاريخ المغرب المعاصر لأن الوثيقة التي قدمها حزب الاستقلال للمغفور له محمد الخامس رحمه الله للمطالبة بالاستقلال تضمنت شقين هامين: 1- تحقيق استقلال المغرب على كامل ترابه. 2- بناء ديمقراطي أساسه ملكية دستورية ديمقراطية اجتماعية. وإذا كان حزب الاستقلال قد ظل وفيا لتخليده لهذه الذكرى لاستخلاص العبر و الدروس،فإن إقرارها كعيد وطني داخل بلادنا جاء ليعيد الاعتبار لقيمة حدث تاريخي ليس من الماضي،باعتبار الحمولة الفكرية لوثيقة المطالبة بالاستقلال التي تستشرف الآفاق المستقبلية لبناء المجتمع الديمقراطي في إطار سيادة دولة الحق و القانون،هذا الاعتبار الضروري في تقديرينا يجب ألا يكون مبتورا باعتماد محاولة تغييب اسم حزب الاستقلال،وبناء تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في وسائل الإعلام للمجهول قصدا،وفي ذلك افتراء على التاريخ وانحراف عن قيم الأمانة الفكرية و العلمية والتاريخية. وإذا قدر لنا اليوم أن نتساءل ماذا تحقق من وثيقة المطالبة بالاستقلال على أرض الواقع،سنجد أن بلادنا حصلت على الاستقلال السياسي سنة 1956،ولا زالت العديد من أجزائها محتلة ولم تستعدها وفق منطق تصفية الاستعمار كما تتبناه الأممالمتحدة،وهي أجزاء أساسية ظل الزعيم علال الفاسي رحمه الله ينبه إليها بتأكيده الدائم أننا حصلنا على استقلال ناقص،ولعل كتابه القيم»كي لا ننسى»يجمع مواقف واضحة لا لبس فيها بخصوص استكمال وحدة التراب الوطني شمالا باستعادة مدينتي سبتة ومليلية و الجزر التابعة لهما،وجنوبا باستعادة صحرائنا الشرقية كاملة. وهذه القراءة الأولى لبند التحرير للتراب الوطني،تجعلنا مطالبين بتمنيع صفوفنا لمواجهة ما يستهدفنا حاليا في قضية صحرائنا المغربية المسترجعة،خاصة بعد التأكيد من خلال ما أكتشف من أسلحة في أمغالا أن بلادنا أصبحت هدفا من أهداف التنظيم الإرهابي المعروف»بقاعدة المغرب العربي» و الذي يتحرك بتنسيق مع مرتزقة البوليساريو الذين تبث تورطهم في هذا المخطط الإرهابي، وتمنيع صفوفنا يقودنا مباشرة نحو الهدف الثاني من وثيقة المطالبة بالاستقلال، وهو تحقيق البناء الديمقراطي المؤسس لدولة الحق و القانون،وللأسف فإن هذا الهدف تم إجهاضه في المهد في مرحلة ما بعد الاستقلال من خلال كارثة «الفديك» التي أدت من خلال تجربتها بلادنا ثمنا باهضا من إهدار للوقت، و الطاقات، والفرص،وفرضت على بلادنا تعطيلا خطيرا للمؤسسات الدستورية من خلال حالة الاستثناء،وجعلت صورة بلادنا الخارجية صورة مهزوزة،بل أصبح استقرار البلاد مهددا من خلال محاولتين فاشلتين لقلب نظام الحكم، بعد سلسلة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية ، التي شكلت مقدمات للتهييج و الاحتقان،وقد ظل طيلة هذه المراحل حزب الاستقلال مرتبطا بقناعاته المبدئية المبنية على الدفاع على توابث البلاد كما حددتها وثيقة الاستقلال،لتحقيق ديمقراطية نزيهة وحقيقية،و اليوم نسائل ذواتنا ماذا تحقق من الهدف الثاني،ولا يختلف اثنان على أن بلادنا خطت خطوات مهمة في مسارها الديمقراطي منذ انطلاق ما اصطلح عليه بالتناوب التوافقي، إلى مرحلة تبني المنهجية الديمقراطية،ونعتقد جازمين أن هذا المسار ضروري لمستقبل البلاد التي عليها أن تحافظ فيه على مكسب تطوير النزاهة الانتخابية، وتخليق العمل السياسي،وهي المؤشرات التي يظهر بناءا على ما يحدث على أرض الواقع منذ2009 مغيبة وتنذر بتراجعات خطيرة في البناء الديمقراطي،بل تحمل مؤشرات مرحلة الفديك كاملة،مما يجعلنا أمام حقيقة ثابتة،وهي ضرورة إعادة النظر في تعاملنا مع تاريخنا،فنحن لا نحتاج للتاريخ ليكون أطلالا نبكي عليها،أو احتياطا من الأحداث نغرف منها وندخل عليها روتوشات صغيرة سطحية تم نحاول جعلها واقعا لا يرتفع،وإنما التاريخ يجب أن يكون مرآة كتلك التي توجد بالسيارة،حيث نسير دائما نحو المستقبل،وحينما نريد التجاوز لا بد من إطلالة في مرآتنا ليكون التجاوز صحيحا وغير معيب،ولكي لا نعرض وطننا لحوادث سير هو في غنى عنها،ونؤمن أن روح وثيقة المطالبة بالاستقلال تحتوي على كل مغازي بناء دولة الحق والقانون ، بديمقراطية نزيهة ومسؤولة، بعيدة عن فبركة الأحزاب، أو استهداف أحزاب بعينها،أو استصغار ذكاء المغاربة. رحم الله شهداء الاستقلال، وشهداء الوحدة الترابية ، وشهداء الواجب وكل الشهداء الذين سقطوا من أجل أن يبقى وطننا حرا فيه مواطنون أحرار.