بتعاون مع كلية الآداب و العلوم الإنسانية بفاس، و مع برنامج الأممالمتحدة للتنمية في إطار مشروع "التمثل الثقافي والفني للمرأة في الحوض الأورومتوسطي"، وبشراكة مع برنامج آرت كولد المغرب ومدينة فلورانسا الإيطالية، و بمبادرة نبيلة من رئاسة جامعة سيدي بن عبد الله بالعاصمة العلمية في شخص رئيسها الأستاذ السرغيني فارسي، استضافت كلية الطب و الصيدلة بفاس طيلة يوم الثلاثاء الماضي نشاطا ثقافيا و فنيا شيقا، شمل في جزئه الأول ندوة حول "السينما بصيغة المؤنث" قام بتسييرها الناقد الفني و الأدبي الأستاذ عبد الرحمان طنكول العميد السابق لكلية الآداب و العلوم الإنسانية بنفس المدينة ،والذي تم تكريمه، قبيل انطلاق هذه الندوة، بمناسبة تعيينه رئيسا جديدا لجامعة ابن طفيل بالقنيطرة واعترافا بعطاءاته على مدى ثلاثة عقود في رحاب جامعة سيدي محمد بن عبد الله، وكذا مساهماته في إغناء الساحة الأدبية المحلية والوطنية. أقيمت هذه الندوة بمشاركة المخرجة ليلى التريكي والمخرج محمد الشريف الطريبق والنقاد السينمائيين محمد باكريم وعبد الإله الجوهري وكاتب هذه السطور، وحضرها رئيس الجامعة وعمداء الكليات وجمهور غفير من الطلبة و الأساتذة وبعض الفنانين منبينهم؛ عز العرب الكغاط و محمد فرح العوان و عزيز الحاكم. تناولت مداخلات هذه الندوة مواضيع مختلفة ومتكاملة شملت اللمسات الإبداعية في فيلم "الراكد" للمخرجة ياسمين قصاري، وحضور المرأة في مختلف المهن السينمائية على الصعيد العالمي و العربي و المغربي، و صورة المرأة في بعض الأفلام المغربية، و كيفية تعامل المخرجة ليلى التريكي مع السينما و المرأة، و كيفية تعامل المخرج محمد الشريف الطريبق في أفلامه مع المرأة، وقد تلت هذه المداخلات مناقشة من طرف الحاضرين تطرقت إلى مختلف القضايا المرتبطة بالسينما المغربية و المرأة. الجزء الثاني من هذا النشاط الموفق تم تخصيصه خلال فترة ما بعد الزوال لعرض و مناقشة فيلمين قصيرين "دم الحبر" و "تستمر الحياة" للمخرجة ليلى التريكي وفيلم "بالكون أطلانتيكو" للمخرج محمد الشريف الطريبق. تم اختيار موضوع هذا النشاط الثقافي والفني انطلاقا من طرح بعض التساؤلات من طرف المنظمين حول كيف يمكن فهم هذه العلاقة بين السينما والمؤنث في المغرب؟ ما هي عناصر استقطاب السينما للمؤنث بكل صيغه، سواء كانت مواضيع للمقاربة الفيلمية أو كان متخيلا نسويا يساهم في صناعة السينما؟ وهل يمكن اعتبار موجة "نساء السينما" في المغرب ظاهرة تستحق الاعتراف بخصوصية ما فكرية أو جمالية، أم هي ظاهرة عادية لا تخفي أية خصوصية معينة؟ الناقد المسرحي و نائب رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله الأستاذ سعيد الناجي عضو اللجنة التنظيمية، سهر على تنسيق و تتبع و تطبيق كل مواد البرنامج، وصاغ أرضية تمهيدية لهذا النشاط طرح فيها عدة أفكار تدعو إلى التفكير ولها علاقة بالموضوع المتناول، حيث أشار إلى أنه ربما يسهل التفكير باللغة الفرنسية في العلاقة بين السينما و المرأة من خلال الكلمتين " CINEMA ET FEMINITE"، عكس ما هو عليه الأمر باللغة العربية، لأن موضوع "السينما و المرأة" لا يفي بالغرض و يورطنا في نوع من النظرة السوسيولوجية، كما أن عبارة "السينما و الأنوثة" فيها ورطة أكبر نظرا لما تحمله كلمة "أنوثة" من إيحاءات بعيدة عن مجال الفن، و لذلك تم اختيار شعار "السينما بصيغة المؤنث". ربما توجد صيغة المؤنث في السينما المغربية منذ بدايتها، ومنذ بروزها شكلا من أشكال التبادل الفني في المغرب الحديث. فكلمة "le Cinéma" مصطلح مذكر يتحول بطريقة غريبة في اللغة العربية إلى المؤنث "السينما"، أي أن السينما في المغرب مؤنثة بحكم اللغة، وبحكم تمثلها في المتخيل الشعبي والعالم. كما تمت الإشارة في هذه الأرضية إلى أن كل تفكير في المجتمع يمر بالضرورة عبر التفكير في المرأة، خاصة في بلد مثل المغرب، حيث السينما فن جديد، وحيث التجربة السياسية والديمقراطية حديثة، وحيث النمو الديمغرافي حديث هو الآخر. إن المغرب بحكم موقعه الجيوستراتيجي الذي يوجد بين قارتين وبين ثقافات أوروبية وعربية وإفريقية، ستعرف فيه بعض الأوضاع اهتماما أكبر، من بينها وضع المرأة ورهانات تحررها ومساواتها مع الرجل، وهي وضعية متقدمة كثيرا بالنسبة لما يقع في العالم العربي ،وهو ما يجعلنا نلاحظ أن المرأة شكلت موضوعا مفضلا لعدد من السينمائيين. خضع "المؤنث" (le Féminin)، حتى لا نقول المرأة، إلى مقاربات متنوعة في السينما المغربية، ودون أن نحاول رصد الظاهرة تاريخيا، يمكن الإشارة إلى أن السينما المغربية حاولت تمثل "المؤنث" في كل أبعاده، من هوية المؤنث وعلاقته بالمقدس والرغبة، إلى البعد الحقوقي للمرأة وإلى التفكير في المؤنث في امتداده السوسيوثقافي وتحولاته. لقد فكرت السينما المغربية في طبيعة حضور المرأة في مجتمع ينتقل من الانغلاق إلى الانفتاح، من البادية إلى المدينة، من النظام الكلياني إلى النظام الديمقراطي، ومن ثقافة الكلمة إلى ثقافة الصورة. وخلصت هذه الأرضية إلى أن التحول الذي يعرفه المشهد السينمائي في المغرب يتمثل في ظهور حساسية سينمائية نسائية جديدة، ببروز مخرجات وكاتبات سيناريو منحت للسينما المغربية وجها آخر، يذهب حينا نحو الجرأة في مقاربة مواضيع سوسيوثقافية، ويحاول استقراء التراث الشعبي المغربي.