... أتركونا من ديربي الوداد والرجاء ، فقد فعلت الجامعة خيرا عندما أجلته إلى يوم غد الثلاثاء .... واتركونا نعيش هذا المساء أجواء «إل كلاسيكو دي لوس كلاسيكوس»، بالجارة الإيبيرية ، الذي حل بعد أيام عديدة من القيل والقال والنقاش حول هوية الفائز الذي ستفرزه مواجهة هذا العام ، في ظل ما يختزنه فريقا البارصا والريال من نجوم تساوي الملايير ، وفي ظل رغبة كل منهما في كسر شوكة الآخر... كلاسيكو هذه السنة يأتي في يوم خارج العطلة الأسبوعية كنتيجة طبيعية لارتباطات الريال و البارصا الاوروبية السابقة للموعد الأصلي للكلاسيكو ، وكذلك لتزامنه مع موعد انتخابات اقليم كتالونيا .. ويمتلك برشلونة ذكريات جيدة وأخرى سيئة مع مباريات الكلاسيكو التي لُعبت يوم الاثنين ، وهما مباراتان الأولى كانت في عام 1964 و الثانية في عام 1972 ، حيث خسر البارصا الأولى بنتيجة 2-1 ، فيما تعرض الريال لظلم تحكيمى في الثانية وفاز البارصا بهدف جاء من لمسة يد... ولا شك في أن العالم مقسوم بعشقه بين البلوغرانا والمرينغي.. وإذا طُرح السؤال عمن تشجع ؟؟ فان الإجابة تأتي واضحة وبتعصب : برشلونة أو ريال مدريد... وهذا هو حال الكلاسيكو الذي يتابعه الملايين مرتين سنويا ، وقد يصبح ثلاثة هذا الموسم ان واصل الغريمان طريقهما بنجاح إلى نهائي كأس اسبانيا ، وربما قد تمتد المعركة إلى دوري أبطال أوروبا. فلماذا كل هذا الترقب لموعد الكلاسيكو ؟؟.. الاهتمام ليس فقط لوجود أفضل نجوم العالم في الفريقين ، على غرار الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو ، ولكن لأن الكلاسيكو يحمل في طياته تاريخا لا يمكن ان يمر مرور الكرام.. تاريخا مليئا بالظلم والاستبداد.. و الكراهية والعداء. ففي برشلونة يفرحون أكثر لخسارة ريال مدريد.. والعكس صحيح...فلماذا كل هذا ؟؟ يرجع السبب لزمن ليس بالقريب ، ففي منتصف الثلاثينيات عندما تولى حكم اسبانيا الديكتاتوري فرانكو ، الذي أذاق أهالي كاتالونيا شتى أنواع العذاب والآلام ، وأعلن الحرب على هذا الإقليم ، وايضا على عاصمة كاتالونيا برشلونة ، بقوله ان كاتالونيا كانت مستوطنة للمجرمين والاشرار ، وبالطبع فقد قال ذلك لان معظم معارضي حكمه كانوا من كاتالونيا ، والقليل الآخر كانوا من اقليم الباسك الذي حارب اسبانيا منذ قديم الزمان ، وكان من أسباب فتح المسلمين لبلاد الأندلس ، وتحولت مدينة برشلونة والإقليم بأكمله إلى مجرمين بنظر هذا النظام الدموي ، وقامت حكومة الديكتاتور باعدام اشهر شعراء كاتالونيا وهو لوكا الفاريس ، وحاول فرانكو ان يسرق الهوية الكاتلونية من الكاتلونيين بمنع اللغة الكاتالونية ومنع العلم الكاتلوني الذي نراه الآن كشارة عميد فريق برشلونة كارلوس بويول ، كما منع الأنشودة الوطنية لكاتالونيا ليحاول ان يقضي على الهوية الكاتالونية. وبينما كان أبناء كاتالونيا وناديهم يعيشون عذابا كبيرا ويشعرون بآلام إزاء محاولة خطف هويتهم الكاتالونية ، كان نادي ريال مدريد يعيش أجواء لا مثيل لها ، حيث قام الملك الفونسو الثالث عشر بمنحهم شعار الملكية عام 1929 ، وعندما تولى فرانكو الحكم قام بمعاملة هذا النادي بأرقى الأساليب وقام بإعطائه كل ما يرغب فيه بصفته النادي الملكي ، وبذلك كان انتصار الفريق الكاتالوني على نادي ريال مدريد بمثابة ليلة لا تنسى. ويعتبر نادي كاتالونيا ملهما ومحفزا للمشجعين للمطالبة بالانفصال عن اسبانيا ، ولكن رغم كل الصعوبات التي واجهت أبناء كاتالونيا إلا أنهم شيدوا أشهر معالم كاتالونيا ملعب «كامب نو» فخر كاتالونيا ، فقد بنوه في فترة حكم فرانكو نفسه ، ورغم مرور السنين إلا ان النادي الكاتالوني لم ينس ما حدث ، وأصبح فريق فرانكو عدوهم اللدود دائما وأبدا . ففي 13 يونيو 1943 عندما كان برشلونة يتقدم بهدف وحيد على ريال مدريد اقتحمت الشرطة الاسبانية او «جيش فرانكو» غرفة الملابس بين الشوطين وهددت لاعبي برشلونة بقتل وسجن أسرهم إذا لم يتركوا ريال مدريد يفوز بالمباراة ، وانتهت المباراة بنتيجة 11 - 1 لصالح ريال مدريد ، وهذا أمر تناقلته المصادر الموثوقة ، كما ذُكر في موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» أكثر من مرة ، وقد قام الاتحاد الاسباني بشطب النتيجة من سجلاته كونها وصمة عار الأجدر بها ان تمحى. وأقدم الديكتاتور فرانكو على قتل رئيس نادي برشلونة جوسيب سونيول ، ليسطر بذلك فصلاً من فصول ظلم فرانكو للنادي الكتالوني. وبعد قتل الرئيس سونيول بدأ فصل جديد ، حيث كان هناك شخص يدعى انريكي بينيرو.. معاونا لفرانكو.. فعُين رئيساً لبرشلونة عام 1940 حتى عام 1942 ، فمنع النشيد الكاتالوني ، وأزال اللونين الأحمر والأصفر من الشعار.ثم قدم استقالته بعد ذلك ، فقبل الاتحاد الاسباني قراره ولكن الحكومة رفضت ذلك.. فعاد إلى الرئاسة عام 1942 حتى عام1943. وقدم استقالته بعد مباراة العار 11 - 1. وإذ لا يتذكر اي من مشجعي الفريقين الحاليين دي ستيفانو وقصته ، فمن المؤكد ان الكل يتذكر النجم البرتغالي السابق لويس فيغو ، الذي أشعل نار الفتنة بين جماهير الناديين في العصر الحديث وزاد من حدة العداوة بينهما. ففي صيف عام 2000 ، صدم الفتى المدلل للجمهور الكتالوني الكل بمن فيهم جماهير ريال مدريد ، عندما انتقل إلى النادي الملكي مستغلا الشرط الجزائي الموجود في عقده مقابل 56 مليون دولار ، ليتحول من معشوق الجماهير الحمراء والزرقاء إلى عدو كاتالونيا الأول بين ليلة وضحاها. وبعد ان غاب فيغو عن الكلاسيكو لعامين متتاليين ، احتشدت جماهير برشلونة بملعب كامب نو في نوفمبر 2003 لكي تعبر عن مشاعرها تجاه «حبيبها الخائن» ، الذي انهالت عليه المقذوفات طوال المباراة من عملات معدنية إلى أحذية ، حتى وصل الأمر إلى إلقاء رأس خنزير ميت ، إضافة إلى حرق صوره داخل المدرجات ، مختلطا بصافرات استهجان تصم الأذن كلما لمس الكرة. وبعيدا عن كل هذا، فعندما تكون المواجهة بين الفريقين في كامب نو معقل برشلونة ، يصبح للقاء وجوها اخرى لأن أجواء كاتالونيا تختلف كثيرا عن العاصمة مدريد عندما يحين موعد الكلاسيكو ، فدماء ابناء برشلونة الساخنة تسبب الكثير من المتاعب للضيوف ، هناك تلقى رئيس نادي ريال مدريد الحالي فلورنتينيو بيريز لطمة على وجهه عام 1997 فأقسم الا يعود إلى هذا المكان مرة اخرى... هذا قليل من كثير في تاريخ مواجهات الغريمين البارصا والريال كان لا بد منه في خضم ما زخرت به الساحة الاعلامية الاسبانية والعالمية من لغط حول هذه المباراة الكبيرة . وعلى الجانب التنافسي يدخل ريال مدريد الكلاسيكو أمام برشلونة وهو في صدارة ترتيب الدوري الإسباني بعدما أسقط ضيفه أتليتك بلباو بخمسة أهداف مقابل هدف على ملعب سانتياغو برنابيو،معتليا بذلك صدارة الليغا برصيد 32 نقطة بفارق نقطة عن برشلونة ، وبات الميرنغي أول فريق في تاريخ الدوري الإسباني يجمع 32 نقطة من 12 مرحلة في البطولة، متفوقا على الرقم القياسي الذي كان بحوزة برشلونة برصيد 30 نقطة. وبالتالي أصبح جوزيه مورينيو المدير الفني لريال مدريد صاحب أفضل انطلاقة مع الميرنغي بعدما فاز بعشر مباريات وتعادل مرتين خارج القواعد... ويرى الكثيرون أن الموقعة المباشرة بين الفريقين تعد شوطاً أول لحسم اللقب، قبل خوض الشوط الثاني إياباً في مدريد، وذلك انطلاقاً من أن المنافسة على لقب «الليغا» ستكون من دون شك ثنائية بين العملاقين... ولا شك فان تطوّر ريال مدريد لا يتوقف على الناحية الهجومية، إذ إن الانضباط الدفاعي وصل إلى أعلى مستوى له، والأهم أن مدافعي الريال غالباً ما يؤثرون في نتائج المباريات، وتحديداً البرازيلي مارسيلو الذي بدأ النقّاد يشبهونه بمواطنه روبرتو كارلوس، وقلب الدفاع البرتغالي ريكاردو كارفالو، إحدى أنجح الصفقات حتى الآن. وبالحديث عن التعاقدات الناجحة لمورينيو، تبرز الكيفية الرهيبة التي تطبع أداء المجموعة حالياً، رغم دخول عناصر جديدة عليها في مراكز حساسة، أي الألمانيان سامي خضيرة ومسعود أوزيل، والأخير أصبح الزميل المفضل للمهاجمين؛ لأنه غالباً ما يفتح الطريق أمامهم للوصول إلى الشباك. إذن المسألة تتعلق اليوم بأقدام لاعبين معيّنين يمكنهم ترجيح كفة فريقٍ على آخر وغياب أحدهم عن التشكيلة سيضعف حظوظ فريقه، وهذا ما بدا جليّاً في مبارياتٍ محددة، إذ لم يعد بإمكان ريال مدريد أن يلعب من دون كارفايو أو خضيرة أو أوزيل. كذلك، تتقلّص قوة برشلونة إلى النصف في حال غياب النجم الأول الأرجنتيني ليونيل ميسي، إذ رغم وجود شافي هرنانديز وأندريس إينييستا ودافيد فيا، يبقى «الولد المعجزة» بيضة طائر السمان في تشكيلة المدرب جوسيب غوارديولا. وبالحديث عن غوارديولا، فإن الأخير بدأ يشعر بأنه سيكون أمام امتحانٍ ذهني استثنائي عندما سيجلس مورينيو في الجهة المقابلة، فهذا البرتغالي الفذّ يضع كل مدربٍ منافسٍ أمام تحدٍّ من نوعٍ آخر، وخصوصاً منذ وصوله إلى ريال مدريد، حيث بدا كأنه يحرك لاعبيه على شاكلة ممارسته لعبة ال«بلاي ستايشن»، وذلك من ناحية ضبطهم داخل المستطيل الأخضر، وتحويلهم إلى مجموعة تكاد تكون تأديتها مثل الرجال الآليين من حيث تنفيذ «الأوامر» المعطاة اليهم. وعلى كل حال فالكلام كثير عن هذا الكلاسيكو الكبير ، نترك أحلاه لأقدام اللاعبين الذين سنتابعهم هذا المساء ، متمنين أن نعيش معهم كرة رفيعة وأهدافا جميلة على غرار باقي مواجهات هذين الفريقين الكبيرين.