تعيش أمريكا هذا الأسبوع على وقع نتائج التجديد النصفي لأعضاء في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، هذه الانتخابات عرفت تقدما للجمهوريين توج بسيطرتهم على مجلس النواب بينما حافظ الديمقراطيون على تفوقهم في الكونغرس، لكن الديمقراطيين والرئيس أوباما شخصيا تعرضوا لخسارة معنوية كبيرة بفقدانهم مقعد إلينوي في الكونغرس الذي كان يشغله باراك أوباما قبل انتخابه رئيسا للولايات المتحدة عام 2008 لفائدة الجمهوري مارك كيرك، تميزت هذه الانتخابات بظهور تيار سياسي على يمين الجمهوريين يعرف ب «حزب حفلة الشاي» .. استوحى الحزب اسمه من احتجاج شعبي نفذه أميركيون عام 1773 على ضرائب فرضها البرلمان البريطاني على الشاي المستورد إلى المستعمرات الأميركية، وقاموا خلاله بالاستيلاء على ثلاث سفن بريطانية في ميناء بوسطن، ورموا صناديق الشاي في المياه، ليشعلوا بذلك شرارة الثورة الأميركية أو حرب الاستقلال ضد الاستعمار البريطاني ..يبدوا أن أقصى اليمين الأمريكي دخل لعبة سرقة رموز الشعب الأمريكي ، فظهور هذه الحركة سنة 2009 عقب الإجراءات التي اتخذتها إدارة أوباما لإنقاذ الاقتصاد عقب الأزمة المالية العالمية التي خلفتها إدارة الرئيس الجمهوري جورج بوش والتي تضمنت زيادات في الضرائب وحزمة من الحوافز والدعم المالي المشروط للمؤسسات البنكية والمالية والصناعية التي عانت ولا تزال من توابع الأزمة، إسقاط زيادات الضريبة الحالية على التجربة التاريخية للاستعمار البريطاني هو نوع من الممارسات التي تميز عادة الديمقراطيات الناشئة في البلدان التي تصارع من أجل الحق في ركوب قطار التنمية ..الانتخابات الأمريكية الأخيرة قدمت عددا كبيرا من الدروس من أهمها أن نهج التسويق السياسي الناجح الذي خاضه أوباما في حملته الرئاسية الطويلة سواء عبر المواقع الاجتماعية على الانترنت أو عبر شبكة المؤسسات الإعلامية وشبكات «التينك تونك» المنتشرة على طول وعرض أمريكا ..لم يستطع مفعولها أن يصمد أمام موجة الغضب الشعبية نتيجة بطئ الإصلاحات وتأخر نتائجها على الصعيد الاجتماعي ، فالناخب الأمريكي لا يخضع لعوامل عاطفية دائما بل يملك ثقافة براغماتية شديدة الوضوح ..فالأغلبية التي قادة أوباما للرئاسة تعرف جيدا أن إدارة أوباما غير مسؤولة عن الأزمة، لكنها بدون شك مسؤولة عن حلها، صحيح أن جزء كبير من الناخبين لازال يحافظ على رهانه على إدارة أوباما وأن نتائج التجديد النصفي بإسقاطات التاريخ خاصة ما وقع في التجديد النصفي على عهد الرئيس بيل كلينتون، دفعت عددا من المحللين إلى القول بأن هزيمة الديمقراطيين في مجلس النواب، طريق أوباما إلى الحصول على ولاية ثانية بعد سنتين. الانتخابات الأمريكية حملت أسوأ جديد في المشهد السياسي الأمريكي وذلك بتصاعد موجة الإسلاموفوبيا أي جعل تخويف الناخبين من كل ما يمثل للاسلام بصلة وجعله ورقة انتخابية ، فرغم كل الأحكام المسبقة التي يملكها المسلمون عن أمريكا فإنه لم يسبق أن احتل العداء للإسلام والمسلمين خلفية إيديولوجية وسياسية في الصراع الانتخابي الداخلي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فخطاب حزب «حفلة الشاي» بالإضافة غلى نزعته اليمينية ورؤيته المحافظة للاقتصاد من خلال الوفاء المعلن لأبشع صور اقتصاد السوق ، تبنى أطروحة باميلا غيلر رئيسة منظمة «أوقفوا أسلمة أميركا» التي قادت حملة شرسة لرفض بناء مسجد قرطبة قرب موقع برجي التجارة في منهاتن بنيويورك، هذا الاتجاه يهدد بشكل جدي النزعة الليبرالية التي هيمنت على السياسات الأمريكية خاصة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتي استفاد منها المسلمون في أمريكا لعقود طويلة ..الخوف هو مما يعكسه تراجع النزعات الديمقراطية والاجتماعية في الساحة الأمريكية خاصة حركة «رالف نادر» التي شكلت في حينها نوعا من التمدد على يسار الحزب الديمقراطي .. ما يسجل اليوم هوعدم إكتفاء الأمريكيين بالنزعة المحافظة للحزب الجمهوري وتبنيهم المتزايد لأطروحات اليمين المتطرف في حزب «الشاي» ينذر، مع غموض مستقبل الإصلاحات الاقتصادية وبطئ تعافي الاقتصاد العالمي، بمزيد من الخطر على مصالح العالم الإسلامي والمسلمين في أمريكا ،ولعل لجوء بعض الأمريكيين من أصول إسلامية في هوليود إلى خلق حزب «القهوة» لمحاصرة العداء للمسلمين ومواجهة خطاب حزب «الشاي» لدليل على استشعار المخاطر التي تحملها السنوات المقبلة، فهل سيكتفي الحمار الأمريكي [رمز الحزب الديمقراطي] بالحزن على ضياع إلينوي وخسارة مجلس النواب ، في الوقت الذي يدك الفيل [رمز الحزب الجمهوري] ما تبقى من نزعة ليبرالية ويشرب نخب انتصاره من ال «براد» [رمز حزب الشاي]، مؤسسا لطوفان اليمين المتطرف في أمريكا؟. [email protected]