أنهت لجنة الداخلية واللامركزية والتجهيزات الأساسية بمجلس النواب مناقشة مشروع القانون المتعلق بالميثاق الجماعي على مستوى المواد، حيث من المقرر أن تتقدم الفرق والمجموعات النيابية بالتعديلات التي ترى إدخالها على المشروع بهدف تحسينه بعدما أبدت الحكومة في شخص السيد وزير الداخلية رغبتها في التجاوب مع الاقتراحات التي تقدم بها أعضاء اللجنة أثناء المناقشة مادامت تستهدف إغناء المشروع. ويأتي هذا المشروع انسجاما مع توجهات البرنامج الحكومي عندما التزمت الحكومة بمواصلة الاصلاحات وفتح الأوراش الرامية إلى ترسيخ نظام اللامركزية بالبلاد، بما في ذلك تحيين الميثاق الجماعي لمعالجة الاشكاليات التي أفرزتها الممارسة، وذلك بهدف تعزيز سياسة القرب والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين وتكريس قواعد الديمقراطية المحلية وتثبيت دعائمها وترسيخ سياسة اللاتمركز الإداري في تدبير الشأن المحلي وبناء إدارة القرب التي أصبحت خيارا استراتيجيا لارجعة فيه. وإذا كان هذا المشروع يشكل خطوة إيجابية في مسار تحديث الجماعات البلدية والقروية رغم أن التعديلات التي جاء بها تبقى دون متطلبات تقوية العمل الجماعي، فإن إعادة النظر في العلاقة التي تجمع بين السلطات المحلية والمؤسسات المنتخبة تبقى مسألة أساسية لتعزيز الديمقراطية المحلية من خلال تفعيل المفهوم الجديد للسلطة الذي أعلن عنه جلالة الملك في خطابه بالدار البيضاء في 1999 الذي وجهه إلى المسؤولين عن الجهات والولايات والعمالات والأقاليم من رجال الإدارة وممثلي المواطنين عندما أكد جلالته على مسؤولية السلطة في مختلف مجالاتها هي أن تقوم على حفظ الحريات وصيانة الحقوق وأداء الواجبات وإتاحة الظروف اللازمة لذلك على النحو الذي تقتضيه دولة الحق والقانون. هذا التوجه الجديد الذي يجب أن يطبع عمل السلطات المحلية شخصا وسلوكا وممارسة يشكل دعامة أساسية للانتقال الديمقراطي وما تلته من إشارات قوية لدعم المسار الديمقراطي بالبلاد بما في ذلك الديمقراطية المحلية مادامت الجماعة المحلية تعتبر الخلية الأولى للديممراطية من قبيل إحداث الهيئة الوطنية للإنصاف والمصالحة، مدونة الأسرة، تعديل قانون الجنسية، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ديوان المظالم، المجلس الأعلى للمغاربة المقيمين بالخارج، المجلس الأعلى للتعليم، الهيأة العليا للسمعي البصري، تجريم التعذيب، قانون الأحزاب السياسية، احترام تاريخ الاستحقاقات الانتخابية، تأكيد مبدأ المنهجية الديمقراطية وغيرها من المكتسبات التي أعطت للانتقال الديمقراطي دعما قويا. ولكن يبدو أن بعض رجال السلطة لم يستوعبوا هذا التوجه الجديد الذي من المفروض أن يشكل دعامة قوية للانتقال الديمقراطي الذي تعتبر فيه المؤسسات التمثيلية الركائز الأساسية، بمافيها الجماعات المحلية الموكول اليها تدبير الشأن المحلي انطلاقا من القوانين الجاري بها العمل ابتداء من أحكام الدستور إلى القانون المنظم للجهات مرورا بالميثاق الجماعي والقانون المتعلق بمجالس العمالات والأقاليم والقانون المتعلق باختصاصات العمال وغيرها من التشريعات المرتبطة بالعمل الجماعي التي يجب أن تظل الإطار القانوني المعتمد في تنظيم العلاقة بين سلطة الوصاية والمجالس الجماعية والخضوع لمقتضياتها واحترام قواعدها، ذلك أنه رغم مرور 36 سنة على أول تجربة جماعية حقيقية عرفتها البلاد في 1996، نجد أن هذه العلاقة لازالت مطبوعة ببعض الممارسات السلبية التي تبقى بعيدة عن خدمة العمل الجماعي، بما في ذلك الشطط في استعمال سلطة الوصاية، عدم تنفيذ مقررات المجالس الجماعية في غياب القوة العمومية المفروض أن تتوفر عليها الجماعات المحلية على غرار بعض الدول التي تتوفر جماعاتها المحلية على الشرطة البلدية، بالإضافة إلى هيمنة سلطة الوصاية على العمل الجماعي، خاصة بالنسبة للمجالس القروية، بما في ذلك تجاوز اختصاصات رئيس الجماعة والتدخل السافر في شؤون الجماعة وكذا عدم احترام مقررات المجلس الجماعي، خاصة فيما يتعلق بالرخص التي يمنحها رئيس الجماعة في الميادين التي تدخل في اختصاصاته دون الحديث عن إشكالية الدوريات التي تصدرها وزارة الداخلية من حين لآخر والتي تفرغ اختصاصات الجماعات المحلية من محتواها وغيرها من الممارسات والاجراءات التي تمس في الصميم تطوير العمل الجماعي وتقويته. ومن هذا المنطلق، يبقى تفعيل المفهوم الجديد للسلطة إجراء ضروريا لتجاوز المشاكل والصعوبات التي كثيرا ما تطبع العلاقة بين السلطات المكلفة بالوصاية ومجالس الجماعات المحلية والقروية والتي تشكل عرقلة حقيقية لتطوير العمل الجماعي ودعم المؤسسات المنتخبة وانعكاس ذلك سلبا على المسيرة الديمقراطية المحلية، خاصة عندما يصل الأمر أحيانا إلى مرحلة التوتر وانعدام التعاون والثقة المتبادلة وما يترتب عن ذلك من نتائج وخيمة على تدبير الشأن المحلي بما يضمن خلق ثقافة جديدة للتعامل بين الطرفين على أساس التعاون والتكامل والتخلي عن الممارسات السلبية القائمة على الهاجس الأمني وعقليات عهد ماقبل المفهوم الجديد للسلطة، ذلك أنه مهما تكن أهمية القوانين المنظمة للعمل الجماعي شكلا ومضمونا، فإنها تبقى دون جدوى إذا لم تكن العلاقة بين المجالس الجماعية وسلطة الوصاية قائمة على قواعد الاحترام المتبادل بما يضمن تقوية العمل الجماعي، وبالتالي تعزيز الديمقراطية المحلية.