لا يتعلق الأمر بكذبة أبريل، بل بجزء من صورة المشهد السياسي المغربي الذي بدا في الفترة الأخيرة كحقل للتجارب وإعادة التجارب الفاشلة السابقة بصيغ وشخوص جديدة، للبعث كتيار قومي عروبي تاريخ طويل بخطاب جمع بين الوطنية والممانعة وقمع الشعوب والمعارضين ومحو أي إمكانية للاختلاف والتعددية، على الأقل هذا ما كان الجناح العراقي للبعث يجسده ، في حين تفتقت عبقرية الرفاق في سوريا على خلق الجبهة القومية وللذين لا يعرفون ما هي الجبهة القومية ، فإنها مجموعة «أحزاب» تدور في فلك البعث السوري وتقوم بدور المناولة السياسية وإبراز التعددية الحزبية في القطر الشقيق..البعث استطاع أن يجد له أنصارا في عدد كبير من الدول العربية واستطاع أن يصل إلى موريتانيا، المغرب كان دائما حالة خاصة ... رآكم تعددية حزبية حقيقية حتى في ظل الإستعمارين الإسباني والفرنسي، وسارعت كل القوى السياسية إلى مناهضة فكرة الحزب الوحيد التي كانت موضة سائدة في بلدان العالم الثالث وكانت تشكل في ذلك الوقت نموذجا للحكم وعقيدة لدى عدد كبير من التيارات السياسية من الوطنيين والشيوعيين واليمينيين والشعبويين، واستمرت التعددية الحزبية في المغرب طيلة سنوات القمع المفرط للدولة والمحاولة البئيسة التي قادها رضى أكديرة من خلال جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية المعروفة اختصارا ب «الفديك» وجمع فيها أشباه الأحزاب، وكان من النتائج « المبهرة « لهذه الجبهة هي حل البرلمان سنة 1965 وإعلان حالة الاستثناء، والنتيجة تعرفونها...سنوات من القمع وغياب المؤسسات وقتل الديمقراطية وتأخر في المسلسل التنموي وما رافقها من العاهات الاجتماعية التي لازالت بلادنا تدفع ثمنها إلى اليوم وتدهورت مريع لصورة بلادنا في الخارج وآلاف من المعتقلين والمنفيين ومجهولي المصير ...كانت تجربة التناوب التوافقي تعبيرا من طرفين أساسيين هما القصر والحركة الوطنية، على أن استمرار ذلك الوضع سوف يقضي نهائيا على المستقبل، وكان لابد من توافق الشجعان، أي لابد من تقديم تنازلات بعضها مؤلم وقد لا يكون سهل التصريف اتجاه المناضلين والمتعاطفين والمتتبعين، ولكن لأن السياسي يخير دائما بين السيء والأسوأ، فقد كانت الاختيارات التي قبلتها الكتلة الديمقراطية تظهرا جُملة على أنها اختيارات سيئة، على كل التاريخ سوف يدين من يدين وينصف من ينصف ..اليوم هناك من لم يكن له وزن لا في تلك المرحلة ولا اليوم، يرد أن يفرض نفسه بديلا للجميع، ومكانا لصنع المستقبل باستحضار تجربة «الفديك» وأخواتها، درس التاريخ يقول أن « الفديك « فشل والتجارب التي صنعت من بعد كذلك فشلت، الغريب أن بعض الجهات كلمات أرادت أن تصنع كائنات دونكيشوتية لتمثل الدولة [...] تأتي بها من عائلة «اليسار» [مع الاحترام لليساريين الحقيقيين] و لا حاجة لذكر الأسماء فهي معروفة على كل حال. حزب الأصالة والمعاصرة منذ أن قطر به السقف ذات انتخابات وذات فريق برلماني يجمع شتات بعض الأحزاب مجهولة المصدر ، وهو يقدم نموذجا لكائن حزبي خارج الزمن المغربي حاضره وماضيه، وخارج ما تراكم من تعاقدات ببلادنا كانت سببا مباشرا في الاستقرار الذي ينعم به والنتائج التي يحققها على المستوى الدولي في مختلف المجالات، الذين كانوا بالأمس ضد الملكية والإسلام يتحالفون اليوم مع من نشئوا في وزارة الداخلية على عهد غير المأسوف عليه إدريس البصري الذي لم يكن يُخفي حقده على حزب الاستقلال سيرا على نهج أوفقير، البصري و أوفقير لم يستطيعا أن يقوضا وجود حزب الاستقلال ومسار التغيير والديمقراطية ببلادنا، فهل سيستطيع أشباه القادة وأشباه المناضلين أن يفعلوا ذلك؟ للذين يريدون استنساخ تجربة البعث في المغرب، نهمس في أذانهم أن التاريخ يعيد نفسه في صورتين الأولى في صورة ملهاة والثانية في صورة مأساة ...لكم الاختيار. [email protected]