سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن قال: ” لو فكرت يوما في تدوين مذكراتي لقمت بعرض حصيلة أخطائي و قد أجمع المحللون على أنه ترك للملك محمد السادس مغربا مثقلا بالمعضلات، إذ ورث لوحة قاتمة للوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ومغربا يرهق فيه الفقر غالبية السكان في وقت لازالت فيه جروح الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان مفتوحة. وُصم عهد الملك الراحل الحسن الثاني بالماضي “الأسود” وب “سنوات الجمر والرصاص” وانتشار القمع والانفراد بالحكم والتزوير والنهب وسوء تدبير الشأن العام. ففي عهده سجن الآلاف وصودرت أحلام جيل بكامله وانحرفت سيرورة التنمية لغير صالح البلاد والعباد. كما طُبع عهده بتكريس الظلم الاجتماعي في حق العديد من أبناء الشعب ومواجهة الشباب المعطلين بالهراوات في واضحة النهار وأمام الملأ ولا من حرك ساكنا. إنه عهد تفننت فيه الأجهزة الأمنية والمخابراتية في مراقبة كل شاردة وواردة وإحصاء أنفاس المغاربة. فهناك إجراءات ظلت عسيرة على الفهم مثل عدم السماح لعائلة المهدي بن بركة بالعودة إلى المغرب واحتجاز أسرة الجنيرال أوفقير (الأم والأطفال) في ظروف لا إنسانية وتجريد أبرهام السرفاتي من جنسيته المغربية وغيرها من الإجراءات. و يكاد الجميع يقر بحدوث انتهاكات جسيمة، بل هناك من ذهب إلى القول بارتكاب مجازر في ظل “إمارة المؤمنين”. وعموما ، إذا كان الكثيرون يقرون بأن الملك الراحل الحسن الثاني جنب المغرب من حكم الحزب الواحد، فإن البعض يقر أن عهده ظل مطبوعا بفضاءات سوداء لازال المغاربة يؤدون ثمنها إلى حد الآن. و مهما يكن من أمر، إن تطرق ملف هذا العدد لبعض ما يمكن اعتباره أخطاء لا يعني نفي وجود الايجابيات، لأن المرء لا يمكنه أن يتنكر، بأي وجه من الوجوه، لجملة من المحطات التاريخية في العهد الحسني لازال المغاربة يفتخرون بها إلى حد الآن. و ملف هذا العدد هو مجرد محاولة لعرض بعض القضايا اعتبرها الكثيرون بمثابة أخطاء كانت لها تأثيرات واضحة على المسار الذي عرفته البلاد. وهذه المحاولة ليست، بأي حال من الأحوال، تقييما وإنما قراءة لأحداث ومواقف وإجراءات أُتُخذت قد يعارضها البعض ويتفق معها البعض الآخر حاول الكثيرون تقديم عهد الملك الراحل الحسن الثاني كمرحلة تاريخية عرف فيها المغرب الاستبداد والانفراد بصنع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وهيمنة شخص الملك على مختلف قطاعات الحياة وإتباع نهج “العصا والجزرة” للتصدي للانفجارات الاجتماعية التي بلغت أوجها في عهده. إلا أن البعض يعتبر أن عهد الملك الراحل الحسن الثاني لم يكن “سوداويا” بتلك النظرة التي دأب الكثيرون على الترويج لها، إذ عرف، محطات مشرقة تجاوز إشراقها الحدود الوطنية والقارية لتنتج انعكاسات دولية حميدة، وهذا رأي المغاربة وغير المغاربة. واكتفاء ملف هذا العدد على إشكالية “الأخطاء الكبرى للحسن الثاني” يؤكد هذه الحقيقة ولا ينكرها. إن التطرق لحصيلة عهد دام أكثر من ثلاثة عقود والاقتصار على بعض الجوانب السلبية من شأنه أن يؤدي إلى نوع من سوء فهم البعض، لاسيما إن لم يتم ربطها بالظرف التاريخي والوضعية على الصعيد الوطني والعالمي. فلا يوجد حاكم عربي دبّر أمور بلاده، بدءا من الخمسينيات إلى السبعينيات، لا يتضمن مشواره أخطاء وانعكاسات وخيمة جدا لقرارات اتخذها. لذا وجب التعامل مع ما يدعوه البعض بالأخطاء الكبرى، في إطارها التاريخي، الزمني والمكاني، باعتبار أن ما قد يبدو خطأ جسيما للبعض، يرى فيه البعض الآخر أنه كان أنسب قرار لمواجهة وضعية عاشها المغرب في ظرف تاريخي معين. وبذلك يظل التاريخ هو الكفيل بالحكم، في نهاية المطاف، على العهد الحسني إن الظرف العالمي على امتداد جزء كبير من العهد الحسني تميز بسيادة الاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان وسحق الصفة الإنسانية على الصعيد العالمي عموما وعلى الصعيد العربي على وجه الخصوص. والأمثلة كثيرة للبرهنة على هذا الواقع، وتكفي الإشارة لبعضها لتوضيح الصورة. فهناك عراق صدام حسين وسوريا حافظ الأسد والبعث واسبانيا فرانكو بميلشياتها وبرتغال سالازار وديكتاتوريته التي عمّرت طويلا وهناك نظام شاوسيسكو برومانيا ونظام تيتو والنظام العسكري بالجزائر والقدافي بليبيا الذي كان يحشر أنفه في المياه العكرة أينما وُجدت في العالم. كما أنه هناك صين ماوتسيتونغ والاتحاد السوفييتي في عهد ستالين، هذا دون نسيان تداعيات وانعكاسات ألمانيا هيتلر وايطاليا موسوليني. إنها مرحلة تاريخية طُبعت بقمع الديموقراطية في جميع القارات وبتناسل الانقلابات العسكرية وبتحويل الحركات التحررية إلى أنظمة ديكتاتورية واستبدادية كما وقع في الجزائر في عهد الهواري بومدين، السودان في عهد النميري، انغولا في عهد دوس سانتوس، طانزانيا في عهد نيريري، في مصر في عهد جمال عبد الناصر ومن خلفوه، في الشيلي في عهد بينوشي، في الأرجنتين في عهد بيرون وفي البرازيل في عهد فارغاس واللائحة طويلة. كما أنه على الصعيد العربي سادت شعارات القومية العربية التي استهدفت بالدرجة الأولى تنحية الأنظمة الملكية من العالم العربي وهذا عنصر يبدو أن الكثيرين من المحللين يتناسون أهميته بشكل أو بآخر. في هذه الأجواء، عالميا وعربيا، حكم الملك الراحل الحسن الثاني بعد أن استخلص العبر من كل تلك التجارب ليختار بمفرده ما اختاره كمسار للمغرب.و إذا كانت تازمامارت وأكدز وقلعة مكونة ودرب مولاي الشريف ومختلف المعتقلات السرية من حصيلة العهد الحسني، فهناك كذلك جملة من المواقف والانجازات التي جعلت الملك الراحل من الشخصيات العظيمة التي طبعت عصرها محليا وقاريا وعالميا. وبهذا الخصوص، لا يخفى على أحد الوعي المبكر بأهمية إشكالية الماء والذي شكل خلفية بلورة سياسة السدود الكبرى منذ الستينيات وكذلك الامتياز في تدبير الاكراهات الناجمة عن الموقع الاستراتيجي والجيوسياسي للمغرب، وما هذه إلا أمثلة من بين أخرى. لكن، في ظل هذه الأجواء، كرّس الملك الراحل الحسن الثاني التنافر بين القصر والقوى السياسية الحية وهندس له ونتج عنه انفراده بالحكم وتقعيد كل السياسات المعتمدة وفي جميع الميادين، على الهاجس الأمني، الشيء الذي ولّد القمع كلازمة رافقت العهد الحسني للتصدي لكل الانفجارات الاجتماعية من جراء تمادي تردي الأوضاع وبذلك انخرط المغرب في فترة من العنف والعنف المضاد كما تم التفريط في جملة من المواعيد التاريخية وضاعت أكثر من فرصة لانطلاق مسلسل التنمية وتحسين الأوضاع المعيشية لأوسع فئات الشعب هكذا تراكمت المعضلات واتسعت دوائرها إلى أن وصلت البلاد إلى مشارف السكتة القلبية أكثر من مرة. وكانت النتيجة بروز مغربين اثنين: مغرب “القلة القليلة” التي ظلت تتحكم في مصادر الثروة ومغرب “باقي المغاربة” الذين ظلوا يعانون تدهور أحوالهم واغتيال آمالهم سنة تلو الأخرى إلى أن فقدوا الأمل في الغد القريب. ويظل العنوان البارز، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، تلك الممارسات التي أُقتُرفت تحت إمرة ثلة من الأشخاص، من أقرب المقربين للقصر الملكي وللملك وكلها ممارسات أساءت للمغرب والمغاربة، لاسيما وأنها كادت تمحو كل ما هو ايجابي في العهد الحسني. إن كل ما قام به الجنيرال محمد أوفقير كان سببا مباشرا في الكثير من الويلات التي عانى منها المغاربة وكذلك الشأن بالنسبة لما قام به إدريس البصري، في ظل استمرارية تردي الأوضاع المعيشية وسيادة تكريس الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والدوس على كرامة المواطن. و قد يتطلب جرد الأخطاء الكبرى التي طبعت العهد الحسني دراسة معمقة ومتخصصة، لكن الإشارة لبعضها من شأنه أن يساهم في تقريب بعض جوانب الصورة العامة للإشكالية وهذا ما تتوخاه الأوراق المقترحة ضمن هذا الملف الإشكالية الدستورية وانفراد الملك بالحكم من القضايا التي ركز عليها أغلب المحللين السياسيين في محاولة تقييمهم للعهد الحسني، النهج الذي اعتمده الملك الراحل في الحكم وإقصاء كل الأطراف الأخرى من المشاركة أو المساهمة في صنع القرار. فالدساتير المغربية لم تقر، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، للحكومة إلا بجزء ضئيل جدا من الصلاحيات. وكانت في عهده آخر من يعلم وغالبا ما كانت مجرد ديكور وآلة لتنفيذ قرارات تصنع خارج دوائرها في مختلف القطاعات والمجالات. دستوريا، ظلت شخصية الملك مهيمنة وتلقي بظلالها على كل المجالات ومستأترة بدور كبير في تسيير شؤون الدولة، الأمر الذي جعل الحكومة مجرد صورة تكاد تكون مفرغة من المضمون أمام دور الملك وما زاد الطين بلة ترسيخ شخصية وزير الداخلية المخلوع إدريس البصري، الذي كانت وزارته تعرف بأم الوزارات بسبب تدخلها في مختلف اختصاصاتها وقد كان إدريس البصري رجل الملك في الحكومة، الأمر الذي أعطاه صلاحيات واسعة أوسع من صلاحيات الوزير الأول وكان الملك الراحل الحسن الثاني قد كرّس موقع البصري رئيسا فعليا للوزراء.ففي نهاية سنة 1962، قدم الملك دستورا للاستفتاء رغم أنه كان موضوع انتقادات واسعة من طرف الأحزاب السياسية. وبموازاة مع ذلك تم اعتماد سياسة قمع المعارضة واتسع مداه بمناسبة أحداث 23 مارس 1965 التي كانت سببا مباشرا للإعلان عن حالة الاستثناء إلى حدود سنة 1970. آنذاك كانت كل القرارات تُبلور داخل أسوار القصر، الفضاء الذي ظل مغلقا على امتداد العهد الحسني. ورغم أن الملك أعلن عن ميثاق يقر بالملكية الدستورية بالمغرب، قاطع حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الاستفتاء على الدستور باعتبار أن الدستور ظل ممنوحا ولم يوسع من صلاحيات الحكومة ورئيسها. آنذاك بدأ تكريس التباعد بين القصر والقوى السياسية الحيوية بالبلاد لينفرد الملك بالحكم بما في ذلك مهام وزير الأول كما تعمق التنافر بين القصر والمعارضة بعد اختطاف واغتيال المهدي بن بركة. وفي فجر السبعينيات كان المغرب على موعد مع دستور جديد ليقوي أكثر السلطة التنفيذية للملك عوض التوجه نحو الإقرار بفصال السلط كمرتكز لضمان الحقوق وصيانتها. وظلت الأوضاع تتدهور إلى أن برزت قضية الصحراء وهي القضية التي طغت على جميع القضايا آنذاك وطمستها على مستوى الأولويات وساهمت في خلق وحدة وطنية فرضتها الظروف أكثر مما فرضها مسلسل طبيعي لتصفية الأجواء السياسية انطلاقا من رؤية واضحة المعالم ومحددة المقاصد والأهداف. إلا أن هذه الوحدة سرعان ما بدأت تتصدع بفعل أحداث فجر الثمانينيات والانفجارات الاجتماعية في مختلف المدن المغربية ردا على الانعكاسات السلبية لسياسة التقويم الهيكلي المفروضة على المغرب من طرف المؤسسات المالية العالمية (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، نادي روما...). وزاد الوضع سوءا مع انفضاح الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ويعتبر البعض أن تكريس انفراد الملك بالحكم خلال هذه الفترة ضيع على المغرب فرصة بناء مرتكزات وآليات فعلية للإقرار بدولة الحق والقانون وفصل السلط اعتبارا لأن عدم فصل السلط كان من الأسباب الأساسية المفسرة لدرجة الفداحة التي بلغتها بلادنا بخصوص الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي طالت أغلبية المغاربة وحرمتهم من الاستفادة من الثروات والثروات المضافة المحققة على امتداد العهد الحسني. أياد البطش عرف المغرب على امتداد الستينيات والسبعينيات والثمانينيات العديد من التجاوزات والانتهاكات تم اقترافها تحت إمرة مسؤوليين اعتبرهم الكثيرون أيادي البطش في تلك المرحلة. هؤلاء اقترفوا جرائم في حق المغاربة وقاموا بأعمال يعاقب عليها القانون، سواء المغربي أو الدولي، وهذا إضافة لسوء التدبير المسألة الأمنية وتكريس ألوان من الظلم الاجتماعي، وبذلك شكلوا الأيادي التي كانت تبطش بالمغاربة. ومن أبرز هؤلاء الجنيرال محمد أوفقير والجنيرال أحمد الدليمي والوزير المخلوع إدريس البصري والجنيرال حسني بنسليمان ومحمد العشعاشي والحاج أمل وعبد المالك الحمياني وقدور اليوسفي. فالجنيرال أوفقير والجنيرال أحمد الدليمي تقلبا في عدة مناصب أمنية مهمة قبل وفاتهما المشبوهة. فالأول ترأس الكاب 1 والمديرية العامة للأمن الوطني ووزيرا للدفاع ووزيرا للداخلية. والثاني اضطلع كذلك بعدة مهام في الكاب 1 ومديرية الأمن والمديرية العامة للدراسات والمستندات (لادجيد). أما إدريس البصري، اضطلع طويلا بمهمة وزارة الداخلية، وقبلها شغل عدة مناصب في الأجهزة الأمنية منذ أوائل الستينيات. و الجنيرال حسني بنسليمان شغل منصب القائد العام للدرك الملكي والمدير المساعد السابق بالأمن الوطني. أما قدور اليوسفي وعبد المالك الحمياني ومحمد العشعاشي والحاج أمل فقد اضطلعوا كلهم بهمة الإشراف على أقسام تابعة للأجهزة الأمنية. و كل هؤلاء تحملوا مسؤوليات أمنية جسيمة في فترة طُبعت بالاحتقان الاجتماعي وبسيادة القمع، وخلال توليهم للمسؤولية سُجلت أغلب الانتهاكات الموصوفة بالجسيمة سواء تلك الكتعلقة بحقوق الإنسان أو بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. قمع انتفاضات الخبز من السمات التي طبعت العهد الحسني القمع الشرس لانتفاضات الخبز في سنوات 1981 و 1984 و 1990 والتي وصف فيها الملك المتظاهرين بالأوباش والغوغاء. والمتتبع للتاريخ السياسي الحديث للمغرب، يلاحظ أنه في الوقت الذي دأبت فيه النخبة السياسية على البحث عن صيغة التوافقات لضبط التوازنات السياسية والاجتماعية عبرت الفئات المتضررة من الصيغ السياسية، التي توالت على البلاد منذ حصولها على الاستقلال، عن غضبها كلما تدهورت أوضاعها المعيشية علما أن تصاعد وثيرة التردي تسارعت منذ منتصف السبعينيات. دشنت سنة 1965 بداية تكثيف الاتجاه نحو التقشف وانخفاض هام للمستوى المعيشي وانطلقت إضرابات التعليم وتلتها مظاهرات ووجهت بالقمع الشديد. كما ووجهت الانفجارات الاجتماعية في سنة 1981 بقمع تعددت أشكاله. ولم يكن أمام الفئات الشعبية إلا التعبير عن تدمرها للتنديد بالزيادات المهولة في الأسعار إذ تصدت لها أجهزة السلطة بالأسلحة الثقيلة ضاربة عرض الحائط النصوص القانونية والدستورية، كما أن البرلمان لم يستطع حتى توقيف أو إلغاء ولو جزء من الزيادات المهولة في الأسعار. وفي 1984، عرفت عدة مدن احتجاجات شعبية ووجهت هي كذلك بقمع شديد كما شنت أجهزة القمع اعتقالات مسعورة. أما احتجاجات دجنبر 1990، فقد اختلفت عن انفجارات الثمانينيات اعتبارا للظروف الدولية والعربية التي أحاطت بها. ويعتبر أغلب المحللين أن القمع الذي ووجهت به هذه الاحتجاجات فاق الحد وهي من المؤاخذات على العهد الحسني والتي أكدت من جديد ضرورة الإصلاح السياسي، لاسيما تعديل الدستور. تشتيت القوى السياسية ساهم الملك الراحل الحسن الثاني في تشتيت القوى السياسية الحية إلى أن أوصلها إلى وضعية لم تعد تقوى معها حتى على الحفاظ على استمراريتها. فعلى امتداد 4 عقود، كانت كل الإجراءات المعتمدة في مجال ممارسة السياسة تسير في اتجاه واحد تمثل في إضعاف القوى السياسية وتدجين النخب السياسية، الشيء الذي أفقد الأحزاب المغربية إمكانية لعب دور الوساطة الفاعلة في ظل هذا المشهد، لم يكن يبرز إلا الملك كفاعل في جميع الميادين وبذلك تقوت الملكية والدولة على حساب إضعاف المجتمع المغربي باعتماد جملة من الأساليب منها التزوير، القمع، الرشوة، الفساد وشراء الذمم. فمنذ الخمسينيات اختار الملك الراحل الحسن (ولي العهد آنذاك) تشتيت القوى السياسية الحية بخلق أحزاب جديدة اعتمادا لسياسة التفرقة تحت غطاء التعددية. آنذاك، عرف حزب الحركة الشعبية النور تحت إمرة رجلين قريبين من الجيش: المحجوبي أحرضان وعبد الكريم الخطيب آنذاك كان الكاتب العام لهذا الحزب (أحرضان) مضطلع بمهمة وزير الدفاع. وفي نفس الوقت، شجع الملك (ولي العهد آنذاك) كل من عبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم على الانفصال عن حزب الاستقلال وبذلك حدث الانشقاق وتم الإعلان عن ميلاد حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959. وبعد ذلك، أسس الملك ورضا جديرة حزب جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (فديك) وبعد إعلان حالة الاستثناء في منتصف الستينيات، انفرد الملك بكل الاختصاصات. واعتمد الملك في تشتيت الركح السياسي وتدجين النخب على أساليب وآليات بعث الشك والحيطة بين قادة أحزاب المعارضة والقوى المنادية بالتغيير لنخرها من الداخل وبفعل التشتيت والإزدراء الذي كانت تعامل به النخبة السياسية من طرف الملك، لم يعد في مقدورها المشاركة في تدبير الأمور بكرامة. وكان لهذا التشتت تأثير سلبي كبير اتضح مداه وتمظهر في عدم قدرة الأحزاب المغربية على القيام بدورها سنوات الجمر والرصاص لما سئل الملك الراحل الحسن الثاني عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب قال: “هي الحديقة الخلفية وأنا لا أستطيع أن أرى ماذا يوجد خلفي”. فمن النقط السوداء التي ظلت بارزة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، التعذيب ومصادرة الحريات والدوس على كرامة المواطن والاختطاف وقمع انتفاضات الخبز وجحيم تازمامارت وأهوال المعتقلات السرية الأخرى. وفي هذا الصدد، يقول أحد المؤرخين إن الملك الراحل صرح بعد اعتلائه العرش أنه سيحول المغرب إلى جنة، لكن ما وقع هو إطلاق العنان للأجهزة الأمنية لتبطش بالمغاربة. هناك إجماع على أن سنوات الجمر والرصاص تميزت بالدوس على الصفة الإنسانية وسجلت خلال هذه الفترة أكبر الانتهاكات لحقوق الإنسان والمواطن. وبمناسبة نهاية هيئة الإنصاف والمصالحة لمهمتها ألقى الملك محمد السادس خطابا أمر فيه بتنفيذ توصياتها ودعا إلى طي صفحة الماضي وقدم مواساته للضحايا لكنه تجنب تقديم اعتذار علني. والغريب أن هناك بعض الأصوات ومن ضمنها أحد المسؤولين الحاليين بوزارة الداخلية، لازالت تقر بأن ما تم نعته بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والمواطن هي مجرد أخطاء ارتكبت في مجال حقوق الإنسان، لكنها لم ترتكب رغبة في عقاب وإنما في سياق أعمال استهدفت المؤسسة الملكية وكيان الدولة المغربية. ومهما يكن من أمر، فقد تأكدت مسؤولية الدولة بخصوص هذه الانتهاكات، أما الحكومة فهي مسؤولة فيما يتعلق بوزارتي الداخلية والعدل، لاسيما أن هذه الأخيرة هي التي غطت على تلك الانتهاكات في فترات معينة عن طريق القضاء، وحسب الدستور فإن الملك هو الممثل الأسمى للدولة ولم يسبق للحكومة في المغرب، إلى حد الآن، أن كانت مسؤولة فعليا عن الجهاز التنفيذي برمته. وعموما، ظلت سنوات الجمر والرصاص مطبوعة بالاستبداد الظاهر تارة والمتستر تارة أخرى وباستئساد المسؤولين والقائمين على أمور عباد واعتماد اللاعقاب في حق المتجاوزين للحدود وقد امتد هذا الوضع من منتصف الخمسينات إلى حدود منتصف التسعينيات. الإفلاس الاقتصادي والاجتماعي يكاد يجمع المحللون الاقتصاديون على أن السياسات التي تم اعتمادها أدت إلى شبه إفلاس للوضعية الاقتصادية المغربية، إذ أن البؤس أضحى نصيب الكثير من المغاربة والغنى والترف الفاحش من نصيب “كمشة” من المحظوظين. كما أن الرشوة لم تعد مجرد معضلة اجتماعية استشرت بقوة في النسيج المجتمعي وإنما أصبحت آلية من آليات التسيير والتدبير وما هذا إلا نتيجة لنهج معين للحكم لم يتوفق في إقامة عدل اجتماعي يقلص الفوارق الاجتماعية الصارخة ويحد من الهوة السحيقة التي ظلت تفصل بين الكمشة الغنية المستحوذة على مصادر الثروة والسواد الأعظم الذي يعيش أوضاعا صعبة ما فتئت تتردى مع مرور الوقت. وكانت النتيجة احتلال المغرب للمراتب المتأخرة بين الدول وأكثر من 10 ملايين مواطن يرزحون تحت الفقر المدقع إذ يعيشون بأقل من عشرة دراهم في اليوم وأكثر من ثلاثة أرباع ساكنة المغرب لا يحصلون على الحد الأدنى من الأجور المعتمد بالمغرب على علته وأكثر من 85 في المائة محرومون من التغطية الاجتماعية والصحية، وظلت الأجور تتفاوت ما بين 1 و ألف وما يناهز 30 في المائة من الشباب المغربي يرزحون تحت وطأة البطالة و 53 في المائة من المغاربة لازالوا أميين. أخطاء العهد الحسني بعين أوروبية ذكرت مجلة إكسبريس الفرنسية إن إيجابيات عهد الملك الراحل الحسن الثاني لا يمكنها أن تلغي جملة من “الفضاءات السوداء” طبعت عهده. ومنها المواجهة القوية للمعارضين السياسيين وتنحيتهم عن الركح السياسي بالمغرب وبهذا الخصوص، يركز الأوروبيين على قضية المهدي بن بركة سنة 1965. ومن تلك “الفضاءات السوداء” انتهاك حقوق الإنسان ووفاة جملة من المعارضين إما تحت التعذيب أو في أحضان المعتقلات السرية. وكذلك تهميش المرأة وانتشار الفقر الذي جعل الشعب المغربي من أفقر شعوب شمال إفريقيا. هذه هي النقط السلبية التي توحدت حولها الصحافة الفرنسية بخصوص العهد الحسني. ومن الناحية الاقتصادية، يؤكد أغلب الصحفيين الفرنسيين أنه إذا كان النظام الملكي تمكن من تقوية ذاته، فإن ذلك كان على حساب المؤسسات الأخرى (الحكومة، البرلمان، الأحزاب السياسية) التي لم تعد تقوى في أواخر عهد الملك الراحل الحسن الثاني على القيام بدورها. وهذا في ظل وضع اقتصادي متأزم، إذ أن مغربيا من بين خمسة يعاني من البطالة و 40 في المائة يعيشون في ضائقة مالية إفلاس منظومة التعليم العمومي والمنظومة الصحية. وازدادت الأوضاع ترديا بفعل عدم القدرة على إعادة انطلاق سيرورة النمو الاقتصادي لتحقيق معدل النمو الكافي لتمكين البلاد من مسايرة متطلبات النمو الديمغرافي وإيقاف وثيرة استفحال المعضلات الكبرى (البطالة، التهميش، الإقصاء والسكن غير اللائق...). الاقتصاد والمخزن سابقا، كان من الصعب بمكان فصل ثروة الملك عن ثروة البلد. كما أن تدخل القصر في الاقتصاد بقوة وتدخل الملك كفاعل اقتصادي من المؤاخذات التي أثارها الكثير من الاقتصاديين، لاسيما بعد أن تزايد ثقل مصالح الملك في القطاع الاقتصادي. ومن المؤاخذات كذلك أن المرء يضرب أخماسا بأسداس عندما يريد تحديد طبيعة الاقتصاد المغربي في العهد الحسني، فهو لم يكن باقتصاد الدولة ولا باقتصاد ليبرالي محض ولا باقتصاد اجتماعي تتحكم الدولة في دواليبه الأساسية ولا باقتصاد السوق بالمفهوم الليبرالي. ومنذ سنوات، ظل المغاربة ينتظرون حدوث انفتاح على السوق واعتماد الليبرالية كما تم الترويج لذلك، لكن عاينوا تواجد سلطة المخزن، ليس كإطار أمني وتسييري فقط، ولكن كإطار اقتصادي وهذا وضع قل نظيره في العالم. ففي نظام يعيش مرحلة انتقالية لا يمكن للملك أن يكون “مقاولا” ولا يمكنه أن ينافس المقاولين وإنما عليه تقوية دوره كحكم، هذا ما يقر به أغلب المحللين الاقتصاديين، لكن التحكم في الأشخاص يستوجب التحكم في الثروات ومصادرها. فقد ظلت مجموعة “أونا” تهيمن على اقتصاد البلاد، إذ لم يفلت أي قطاع من قبضتها (صناعة غذائية، سياحة، فلاحة، أبناك، تأمين، النفط، هندسة مالية، المناجم، الصيد البحري، الصناعة الكيماوية، النقل، النسيج، تكنولوجيا الاتصالات...) وتغطي استثمارات “أونا” أغلب المجالات الصناعية والتجارية وبذلك تمكنت من احتكار جزء كبير من الاقتصاد المغربي. شخصية الملك ظلت حاضرة بقوة حكم الملك الراحل الحسن الثاني المغرب من 1962 إلى 1999 ومارس حكمه في إطار تقاليد راسخة في وقت كان النظام في حاجة ماسة للعصرنة والتحديث، لاسيما في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. ويرى أغلب المحللين أن المواجهة بين السياسة التقليدية ومتطلبات العصرنة والتحديث كانت موجعة على أكثر من صعيد. وبما أن حكم الملك الراحل دام 38 سنة فلازالت هناك جوانب لم تكشف بعد ولا زال جملة من الباحثين منكبين على دراسة شخصية هذا الملك الراحل، فكل ما نشر وكتب في هذا المجال يدل على أنه مازال هناك الكثير وجب التنقيب عليه والوقوف على مدلولاته التاريخية والإنسانية. إن شخصية الملك الراحل الحسن الثاني ظلت حاضرة بقوة على جميع المستويات والأصعدة، وكان من الصعب بمكان في عهده التعليق أو التعقيب على اختياراته وقراراته. لاسيما وأن الظروف بالمغرب كانت صعبة ومطبوعة بالخوف إلى حدود التسعينيات، خصوصا فيما بين 1973 و 1990 وهي المعروفة بسنوات الجمر والرصاص كما أن هذه المرحلة ظلت مطبوعة في الذاكرة الجماعية بأحداث الدارالبيضاء (1965 و 1981) ووجدة (1984) وفاس (1990) والشمال والريف. سياسة المكر يرى البعض أن سياسة المكر طغت بشكل بارز في مرحلة ما بين الستينيات والتسعينيات، لاسيما منذ الثمانينيات حينما توجه المغرب نحو التصدي للعجز المالي، مما نتج عنه بطالة انضافت إلى البطالة القائمة في وقت ما زلات فيه البلاد تشكو من الخصاص في الأطر (مهندسون/ أطباء/ تقنيون...)، كما تم الاهتمام بالتصدي إلى التضخم نظرا لتأثيراته على التجارة الخارجية على حساب القطاعات الأخرى. آنذاك تم اللجوء إلى خوصصة مقاولات بطريقة لم يستفد منها الشعب شيئا، بل استمرت الأوضاع المعيشية في التردي. ولما تأكد اختيار طريق الليبرالية تأرجح المغرب بين المنظورين الانجلوساكسوني على الطريقة الأمريكية والانجليزية وهما نظامان يتميزان بقوة القطاع الخاص المتمركز أساسا على اقتصاد شركات عملاقة ومتعددة الجنسيات الراغبة في الهيمنة على الاقتصاد العالمي من جهة ومن جهة أخرى المنظور اللاتيني لليبرالية على الطريقة الأوروبية (فرنسا، ألمانيا) والتي تجعل مسألة التضامن الاجتماعي هاجسا اقتصاديا بالدرجة الأولى يتفاعل فيه عنصران مهمان القطاع الخاص والدولة. هذا فيما يخص المجال الاقتصادي. أما فيما يتعلق بتجليات سياسة المكر على صعيد المسألة الديمقراطية، فمن المعروف أن الانتخابات في حالة تزويرها، يمكن أن تكون وسيلة لإخفاء الإكراه والتستر على القمع، كما يمكنها أن تكون وسيلة لمحاولة التوفيق بين جوهر سياسي محدد مسبقا ومؤسسات شكلية تنازع الجوهر وهنا كذلك تبرز سياسة المكر. واعتبارا لاعتماد سياسة المكر، ظل الطابع المخزني للدولة هو الغالب، وهذا الطابع في نظر المحللين السياسيين هو الذي عرقل إرساء أسس بناء ديمقراطية حقة والإقرار الفعلي بدولة مؤسسات الحق والقانون. لأن للمخزن عقلية ونهج قبل أي شيء آخر، إنه عقلية ونهج لمنظومة ظلت تدبر الشأن السياسي اعتمادا على التفرقة وتأجيج الصراعات بين القوى السياسية في ظل غياب قواعد واضحة وشفافة لتنظيم اللعبة السياسية والتناوب على السلطة والآن أضحى واضحا أن تغيير هذه العقلية يتم عبر تمكين المؤسسات الدستورية من القيام بالدور الموكول لها كاملا، كما على الحكومة أن تقوم بمهامها غير منقوصة وعلى البرلمان أن يشرع ويراقب والجماعات أن تضطلع بمسؤولياتها وأن يكون القضاء نزيها مستقلا. لقد كان يقال إياك من ثلاثة : النار والبحر والمخزن، إنها نصيحة يعطيها الآباء للأبناء وهذا لأن المخزن ورجاله كانوا فوق القانون، لذا كان لزاما تكريس روح المواطنة التي لن تستقيم باستمرار وجود الحذر كلما تعلق الأمر بالتعامل مع المخزن ورموزه وهذا ما كان سائدا في عهد الملك الراحل الحسن الثاني عدم إرجاع الأراضي المغتصبة لأصحابها من الأمور التي لم يستسغها العديد من الفلاحين المغاربة الصغار قضية الأراضي التي اغتصبها الاستعمار الفرنسي من آبائهم والتي رغم استرجاعها من طرف الدولة بعد الاستقلال لم ترجع لأصحابها وإنما فوتت أغلبها إلى جماعة من المحظوظين والمقربين وإلى مسؤولين كبار في الجيش. وهذا أمر ظل عسير الفهم بالنسبة لأغلب الفلاحين الصغار في جميع أنحاء المغرب. هذا علاوة على الترامي على الأراضي التي في حوزتهم، الشيء الذي أدى إلى احتجاجات الفلاحين أغلبها ووجه بالقمع الشرس. وهكذا، انتفض فلاحو قبيلة أولاد سعيد بمنطقة سطات مطالبين باسترداد أراضيهم التي كانت السلطات الاستعمارية قد انتزعتها منهم بقوة الحديد والنار، والتي منحت بعد استرجاعها للمقربين. وفي نهاية الستينيات، انتفض فلاحو أولاد عياد في منطقة بني ملال ضد تحويل مياه السقي إلى ضيعة أحد المستفيدين من الأراضي المسترجعة، كما انتفض فلاحو أولاد خليفة بالغرب من أجل حقهم في أراضيهم البالغة 3500 هكتار التي انتزعها الاستعمار منهم وبعد الاستقلال تم منحها لجملة من الأشخاص. كما انتفض فلاحو وادي ماسة دفاعا على أراضيهم. أحداث الريف ظلت أحداث الريف (1957-1959) من الأمور التي شكلت نقطة سوداء آنذاك، كلف الملك الراحل محمد الخامس الملك الراحل الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك) بإحداث وهيكلة القوات المسلحة الملكية انطلاقا من المجندين في الجيش الفرنسي ومن عناصر جيش التحرير حديث العهد. وفي بداية سنة 1959، عرفت الريف أحداث دامية خلفت ما يناهز 8000 قتيلا ومنذ ذلك التاريخ لم تطأ قدم الملك الراحل الحسن الثاني أراضي منطقة الريف، المغضوب عليه، وقد اعتقد أغلب الريفيين أن تهميش منطقتهم هو بمثابة عقاب لهم على انتفاضتهم وظلت هذه المسألة من المؤاخذات الكبيرة على العهد الحسني. وتوجه سكان الريف إلى التعاطي إلى زراعة الكيف أو الهجرة إلى أوروبا لضمان دخل يضمن العيش، ولم تفك عزلتهم إلا مع العهد الجديد، إذ كانت الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس بمثابة مصالحة وطي ماضي التهميش الذي تعرضت له منطقة الريف سنوات قليلة بعد حصول المغرب على الاستقلال. الانسحاب من منطقة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا يعتبر الكثيرون أن انسحاب المغرب من منطقة الوحدة الإفريقية (التي تحولت إلى الاتحاد الإفريقي) سنة 1984 ترك فراغا للانفصاليين. ومكن الجزائر من استغلال غياب المغرب للترويج لأطروحاتها المناهضة لمواقف الشعب المغربي بخصوص وحدته الترابية. علما أن هذا الانسحاب جاء عقب قبول المنطقة الإفريقية عضوية “الجمهورية الصحراوية” المزعومة. وقد أكدت أغلب الدول الإفريقية على ضرورة عودة المغرب إلى المنطقة إذ تعتبر أن الحديث عن الاتحاد الإفريقي دون المغرب هو أمر لا معنى له. ملاحظة يعتقد الكثيرون أن جملة من الأشخاص أساؤوا بممارستهم للملك الراحل الحسن الثاني، وهي ممارسات لا يتحمل فيها الملك أية مسؤولية وفي هذا الصدد، أثار هؤلاء حالة الوزير المخلوع إدريس البصري الذي يعتبر المسؤول الأول عما عرفته وزارة الداخلية من انحرافات في عهده لم يسبق لها مثيل. وكذلك يعتبر أحمد عصمان أن إدريس البصري قد أساء كثيرا للملك الراحل الحسن الثاني والنظام الملكي عموما. وقد سبق له أن صرح أنه وجه كتابا إلى الملك يوضح فيه جملة من ممارسات إدريس البصري المسيئة للملك والملكية، لاسيما فيما يتعلق باقتراح عمال وولاة استغلوا الشعب المغربي باسم الملك وكذلك بخصوص تدبيره لملف الصحراء والنتائج السلبية التي أفرزها. رأي في الموضوع يرى صاحب كتاب “المغرب، الديمقراطية المستحيلة”، “بيير فيرميون” أن الانقلابين الفاشلين (1971 و 1972) كانا نتيجة تحصيل حاصل بفعل جملة من الأحداث تراكمت منذ 1958 ويقول في هذا الصدد أن الملك الراحل الحسن الثاني، تقلد منصب القائد الأعلى لأركان الجيش الملكي منذ أن كان وليا للعهد وكان وراء التصدي القوي لانتفاضة الريف في 1958 و1959 وهو الحدث الذي تألق من خلاله الجنرال محمد أفقير ليصبح رجل الثقة الأول للملك بعد ذلك، آنذاك كان النظام يعتمد على ضباط بربر، أتى أغلبهم من الجيش الفرنسي وحدوث الانقلابين كان إعلانا واضحا لنهاية مرحلة وضرورة إعادة الحسابات لاسيما فيما يخص الاعتماد على أولائك الضباط، وهذا ما كان. وبخصوص تفسير العنف السياسي الذي ساد آنذاك رغم أن السلطة في المغرب ظلت تحظى تاريخيا بالشرعية يقول “فيرميرن”: برزت أحداث الدارالبيضاء في مارس 1965 وفي 1981 وانفجارات اجتماعية في جملة من المدن الأخرى، علما أن سياسة القوة وشد الحبل تأكدت منذ فجر الاستقلال رغبة في ضمان استمرارية النظام الملكي ووحدة البلاد. آنذاك، كان العنف السياسي سباقا إلى الساحة قبل انفجار الأحداث في المدن من جراء الفقر وصعوبة ظروف العيش وبذلك يرى جملة من المحللين أن عهد الملك الراحل الحسن الثاني طبع باستعمال القوة والقمع تجاوز الحد. عملية إيكوفيون كان التفكير في العملية العسكرية الاستعمارية إيكوفيون منذ بداية سنة 1957، وهي عملية استهدفت بالأساس تصفية عناصر جيش التحرير بالجنوب وهم الذين تمركزوا بالصحراء التي كانت تحت السيطرة الإسبانية. إن حدة المقاومة وكفاح عناصر جيش التحرير بالجنوب أدى بإسبانيا وفرنسا إلى التفكير بجدية في كيفية القضاء على تلك المقاومة التي كانت سائرة نحو التجدر وسط الجماهير ولذلك كان تنفيذ عملية إيكوفيون سنة 1958، وإذا كانت هذه العملية العسكرية تطلبت اتحاد قوتين استعماريتين مع استعمال سلاحهما الجوي، فهذا يعني أن جيش التحرير بالجنوب كان قد عزم على المضي في الكفاح لتحرير الأرض. كما أنه يعني كذلك أن المعركة كانت ضارية وأن فرنسا وإسبانيا أقلقهما الأمر إلى حد توحيد الجهود للتصدي له. فبعد الإحباط الذي امتلك أعضاء جيش التحرير الأوفياء للشعب عندما لاحظوا أن الاستقلال المعلن عنه استقلالا منقوصا ومبثورا ولم يشمل كل الأجزاء المحتلة قرروا الاستمرار في الجهاد والكفاح ورفضوا التخلي عن سلاحهم، ولذلك اتجهوا إلى الجنوب. وبالتالي فإن عملية إيكوفيون استهدفت بالأساس عناصر جيش التحرير الذين رفضوا التخلي عن السلاح والالتحاق بالجيش الملكي والاندماج فيه. وهنا تكمن نقطة الالتقاء بين فرنسا وإسبانيا والنظام المغربي. إذن إن عملية إيكوفيون عملية فرنسية إسبانية مع تسهيلات منحها القائمون على المغرب لاستعمال طريق تندوف والتراب المغربي من طرف الجيوش الفرنسية وكان هذا في غضون شهر فبراير 1958. آنذاك انطلقت العملية وارتكزت على التمشيط المنهجي قصد تطويق جيش تحرير الجنوب المكون من صحراويين وأعضاء جيش التحرير الآتين من الشمال والوسط ومن ضمن هؤلاء محمد ولد حمانة ولد الديوهي والد محمد علي بيبا (الوزير الأول السابق للبوليساريو) وسالك ولد عبدالصمد والد محمد سالم ولد السالك (وزير سابق للبوليساريو) وحدة والد سيد أحمد (مسؤول في البوليساريو) والصديق ولد البشير والد بوفتاح ماء العينين الصديق (وزير الخارجية بالبوليساريو) ومولاي أحمد ليلي والد محمد لمين (مستشار محمد عبد العزيز) والشيخ ماء العنين لاراباس والشريف الدليمي (عامل بوزارة الداخلية و والد الدليمي غيلاني الذي عين مؤخرا سفيرا في إحدى الدول الإفريقية) والزروالي بريكة عم زكريا جمال (ممثل البوليساريو بألمانيا) وحسنا الدوية عم محفوظ علي بدية (الوزير الأول بالبوليساريو) وامحمد عمر ولد امبارك والد عمر منصور (ممثل البوليساريو بمدريد). وبسبب هذه العملية القمعية الهادفة لتصفية المقاومين، اضطر أكثر من 40 ألف صحراوي للهجرة نحو طانطان وكلميم. وهي العملية التي شاركت فيها وحدة المظليين الفرنسية المرابطة بالمستعمرات وهي نفس الوحدة المساهمة في “ديين بين فو” معركة معروفة خلال حرب الفيتنام في أبريل 1954. وشارك فيها 14 ألف جندي و 130 طائرة حربية، وأسفرت على ما يناهز 15 ألف ضحية من شهيد وجريح ومغادر لأرضه رغما عنه. وعموما كانت عملية إيكوفيون في وقت انطلقت فيه تحركات وانتفاضات سنة 1957 في الريف، وفي وقت تطورت فيه حرب العصابات بالجنوب والتي أجبرت الإسبانيين على التراجع إلى مواقع ساحلية كما أرغمتهم على مغادرة السمارة. ولابد في هذا الصدد، وفي إطار الموضوعية التاريخية الإشارة إلى افتعال تنظيم مؤتمر لجيش التحرير بالجنوب بمدينة إنزكان لتدارس الوضع وفعلا حضر الكثير من أعضاء جيش التحرير إلى عين المكان إلا أنهم فوجئوا بحضور فيلق من الجيش الملكي تحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة الملكية (ولي العهد آنذاك) والذي أرغمهم على التخلي عن أسلحتهم. و حسب أكثر من مصدر، تمكن المقاوم سعيد بونعيلات من الفرار وقصد الرباط بنية اغتيال الملك. وقد تساءل الكثيرون عن سر تغييب هذه الحادثة وباستمرار عند دراسة تاريخ المغرب المعاصر أو الحديث عنه ولم يذكرها إلا القليلين جدا ومن بينهم أبراهام السرفاتي الذي اعتبر أن النظام كان مساهما في عملية إيكوفيون إسقاط حكومة عبد الله إبراهيم يعتبر الكثيرون أن إسقاط حكومة عبد الله إبراهيم من الأخطاء التي ساهمت في تشنج العلاقة بين القصر والمعارضة. ففي دجنبر 1959، بعد مرور سنة على تأسيس الحكومة، صرح رئيسها عبد الله إبراهيم بضرورة جلاء القوات الأجنبية والاستغناء عن الأطر والموظفين الفرنسيين الذين كانوا يمارسون مهامهم بالإدارة المغربية ويحتل بعضهم مواقع مهمة في إدارة الأمن الوطني. وحسب أغلب المؤرخين، كانت المطالبة بجلاء القوات الأجنبية وتسريح الفرنسيين من الإدارة العمومية من الأسباب التي دفعت الملك الراحل الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك) بمطالبة والده بإسقاط حكومة عبد الله إبراهيم رغم عدم موافقته على ذلك. كما أنه من بين الأسباب التي عجلت بسقوطها المطالبة كذلك باسترجاع مليون هكتار التي استولى عليها المعمرون واغتصبوها في عهد الحماية وذلك بإرجاعها إلى أصحابها