انخرط المغرب منذ أكثر من قرن في تجربة تدبير جملة من الخدمات الحيوية إلى الشركات الأجنبية من منطلق الإرتقاء بالخدمات وتحقيق الفعالية التي عجز المرفق الوطني عن تحقيقها. ويسمح مرور هذا الوقت بالقيام بتقييم أداء هذه الشركات وتقديم بعض الخلاصات والاستنتاجات التي تراكمت على مر السنوات. وبالنظر إلى تعدد مجالات تدخل الشركات الأجنبية، فإن التركيز سيقتصر على شركات جمع النفايات التي تدبر هذا القطاع بعدد من المدن الكبرى. ويقتضي الخوض في هذا الموضوع، مقارنة ما قبل تفويت تدبير هذا المرفق وما بعده، والواقع أن مثل هذا المقارنة لا تحقق ذلك التمايز الذي راهنت عليه سلطات الوصاية والمجالس المنتخبة عندما استقر رأيها على خوصصة هذه الخدمة. ويعتبر نموذج العاصمة الرباط مثالا حيا لوضع تجربة شركات جمع النفايات موضع تقييم، فالتحول النوعي الذي راهن عليه الجميع مازال بعيدا، فيما يعتبر التدبير الحالي استمرارا للمرحلة السابقة، مع فارق وحيد يتجسد في ارتفاع تكلفة الخدمة. وتثير طريقة تدبير جمع النفايات الكثير من الملاحظات والأسئلة التي يتعين أن تشكل منطلقا لتصحيح الاختلالات التي تشوب هذا التفويت، فالانتقال من تدبير الجماعات المحلية لهذا القطاع إلى الشركات الخاصة، تجسد فقط في دخول شركات جديدة تحت مسميات شتى، وبيد عاملة مغربية بما في ذلك الأطر المسيرة، وبعتاد تقليدي، وبدون أدنى اجتهاد أو تطوير أو ابتكار في طريقة العمل الأمر الذي قاد إلى استنساخ تجربة المجالس المنتخبة وليجد المواطن نفسه إزاء تجربة جديدة وأخطاء فادحة لم توفر لها أسباب النجاح من طرف الجهات الوصية التي اتخذت قرار التفويت، والتي أشرفت على تنفيذه. لقد بينت العشر سنوات الأخيرة من اعتماد هذا الأسلوب في تدبير هذا المرفق، أن ثمة أخطاءا كبيرة قد حان الوقت لتصحيحها من أجل خدمات أحسن، فشركات جميع النفايات بالمفهوم الحالي، لم تجتهد أكثر من تأسيس شركات وضعت نصب عينيها الانقضاض على كعكة الجيل الجديد من تفويت الخدمات والذي هم تفويت قطاع النظافة بعد تجارب سابقة في مجال الماء والكهرباء والنقل، وقطاعات حيوية أخرى. ولعل المتأمل لطريقة تدبير هذه الشركات يصدم اليوم من طريقة اشتغالها خاصة عندما يتعلق الأمر بعاصمة المملكة التي تغرق بين الفينة والأخرى في الأزبال التي تتراكم بالشوارع بشكل يثير الاستياء والسخط الشعبيين، مايعني أن هذه الشركات التي فوض لها جمع نفاياتنا عجزت عن تقديم الخدمة بالصورة المطلوبة، وأكثر من ذلك تصبح الصورة قاتمة عندما يتعلق الأمر بمناطق الظل في الأحياء الشعبية، حيث تحولت العديد من الساحات الى مطارح لجمع النفايات التي تتراكم في الغالب لمدد مختلفة قبل أن تتذكر شاحنات الشركات الخاصة هذه المناطق عندما تقوم بزيارات خاطفة لتخليصها من الأزبال بين الفينة والأخرى. وعندما نضع طريقة عمل الشركات الأجنبية تحت المراقبة، فإننا نقف على افتقاد هذه الشركات للمهنية العالية التي تخولها تدبير هذا القطاع، والتي تبرر في الآن ذاته سحب البساط من تحت أقدام الجماعات المحلية لفائدة شركات متخصصة في جمع النفايات بطرق عصرية تأخذ بعين الاعتبار التحديات البيئية المرتبطة بهذا المجال. لذلك فإن ما يعاب على هذه الشركات هو مغربتها لهذه الخدمة من خلال تكرار تجربة المجالس المحلية التي تعاطت مع هذا القطاع بعشوائية وارتجال قاد الى الاستعانة بشركات خاصة لجمع النفايات المنزلية الصلبة والسائلة، وامتد لاحقا ليشمل كنس الشوارع والأزقة الواقعة بتراب الجماعات التي فوتت هذا القطاع للخواص. والملاحظ أن غالبية هذه الشركات تعتبر فروعا لشركات عالمية رائدة في هذا المجال، بيد أن الخدمة التي تقدمها لاترقى الى سمعة تلك الشركات، أو تشبه ما هو متبع في بعض البلدان التي سبقتنا الى هذه التجربة، حيث قطعت هذه الشركات أشواطا كبيرة في أساليب عملها وتدخلها الذي ارتقى الى أعلى درجات المهنية، من خلال تطوير أساليب تدخلها والذي من سماته التصنيف الدقيق لجميع أنواع النفايات، والانضباط التام في مواقيت العمل، إذ طورت هذه الشركات طرق عملها بشكل أفضى الى التخصص في جمع النفايات الصلبة والسائلة واعتماد تصنيفات دقيقة لكل أشكال النفايات، وتطوير أساليب جديدة تقوم على التعاقد حول حجم الحمولة وطبيعتها، يحدث كل ذلك في ظل تكريس هذه الشركات جزءا من اهتماماتها لتطوير هذه الصناعة بحكم الالتزامات البيئية التي فرضتها التحديات الجديدة، وتخصيصها لجزء من عائدتها المالية لتطوير البحث العلمي من خلال تمويل أبحاث ودراسات تقود في النهاية في الارتقاء بهذه الخدمة. وفي الوقت الذي كان سكان المدن التي وقعت فريسة مطامع هذه الشركات يحلمون بمدن نظيفة بوجه آخر، اتسعت دائرة التلوث وتعقدت الصورة بشكل أكبر، خاصة عندما تستمر العديد من التجمعات السكنية على هوامش العاصمة في استعمال الحفر الإصطناعية للتخلص من مياه الصرف الصحي كما يحدث بضواحي تمارة، الهرهورة، والصخيرات، رغم أن بعض هذه المناطق لاتقع ضمن المناطق التي تولت الشركات الخاصة تدبير جمع النفايات بها، بيد أن تخبطها في هذا الوضع يؤكد أن المقاربة الشمولية لتدبير هذا القطاع لم تكن موضوع اهتمام السلطات المحلية والمجالس المنتخبة. لقد حان الوقت لفتح نقاش عمومي يتمحور بالأساس حول ماربحه المغرب من تفويت هذه الخدمة وحول تناسب ما يقدم من خدمات مع ما يصرف من أموال، بالإضافة إلى ضرورة تقييم شامل لتجربة لم تعط ما كان منتظرا منها، حيث يحضر بقوة في هذا النقاش معطى التسامح مع الأجنبي والذي يصل إلى حد التغاضي عن سلبيات كثيرة للعديد من الشركات الأجنبية التي فازت بصفقات تدبير الكثير من القطاعات الحيوية. فشركات النظافة الأجنبية تعهدت بنقل التكنولوجيا الحديثة ولم تترجم هذا التعهد إلى أرض الواقع لتبقى المعالجة البدائية للنفايات سيدة المجال. كما أنها لم تدخل بعد في تهييء اللوجستيك الضروري لكسب رهان فرز النفايات وتدوير المخلفات وإعادة استغلالها أو على الأقل خوضها هذه التجربة في بعض الأحياء التي تتوفر على حظوظ لإنجاح هذه المبادرة. هذا يجرنا إلى الحديث عن إشكاليات أخرى قائمة كالنفايات السامة ومخلفات ورشات الحدادة والتلحيم والمختبرات الطبية والفضاءات الصناعية وخاصة العاملة في مجال الجلد والصباغة.