الفنان مصطفى الادريسي من مواليد 1950 بحي العكاري في الرباط، ساهم في إغناء المشهد الفني المغربي والأغنية بالخصوص لذا فهو يصر على تقديس الأغنية الأصيلة والحفاظ عليها من الزوال والتلاشي، ولكي نقترب أكثر من هوسه بهذا المجال كان معه هذا الحوار. تعلمت الغناء في صفوف الكشفية الحسنية، حتى لقبت بمطرب «الجراميز» > كيف كانت البدايات مع الغناء؟ بدأت الغناء منذ الطفولة حيث كنت منخرطا في الكشفية الحسنية، وهناك تعلمت الغناء حتى لقبت بمطرب (الجراميز) وكنت آنذاك متأثرا بالراحل أحمد البيضاوي، حتى أني غنيت أغنية «يا حمام السلام» بطريقته. وبعد أن تدرجت في المدرسة، كنت أغني في نهاية السنة مما دفعني إلى تكوين فرقة موسيقية وشاركنا بأغنية للأستاذ ابراهيم العلمي. وفي سنة 1964 دخلت المعهد الموسيقى، فتعلمت الصولفيج والعزف على آلة العود، والتحقت سنة 1967 ببرنامج مواهب الذي كان تحت إدارة الأستاذ والملحن عبد النبي الجراري حيث أديت قطعة «اشتقت إليك» لفريد الأطرش، وأعجب بي الأستاذ الجراري واستدعاني للتمرين في بيته، وهناك تعرفت على مغنين ومطربين كسميرة سعيد، ومحمود الادريسي والعمري والعمارتي والوسيطي والسحنوني وسي محمد فطور والسكوري وعبد الله العمري وعدد من الفنانين.. حيث كونّا فرقة وتلقدت مهمة محافظ إضافة إلى ضبط الايقاع. > كيف كانت أجواء الاشتغال ببرنامج مواهب؟ برنامج مواهب كان يعد مدرسة صغيرة، سهر الأستاذ عبد النبي الجراري على رقيها والرفع من مستوى الأغنية المغربية عبر التنقيب عن المواهب وكان يضحي بماله وبوقته، لم أر شخصا بمثل تضحيته كانت لدي مهمة تسجيل المرشحين الذين نختار منهم الأحسن ونسجل أغانيهم التي تكون عادة من إنتاج البرنامج وقد تخرج منه عدد من المطربين كأنور حكيم وعزيزة جلال والبشير عبدو ومحمود الإدريسي ورجاء بلمليح. > ماهي الأغاني التي قمت بغنائها؟ أول أغنية كانت «حب الورد» وهي من كلمات المهدي زريوح وتلحين محمد بلخياط وأغنية «أنا صحراوي» كلمات حسن فرح وتلحين عز الدين منتصر وأغنية «إقبال البشائر» من ألحان عبد السلام الجراري وكلمات المهدي زريوح وأغنية «آخر دمعة» سنة 1981 و«القلب في حيرة» سنة 1982، و«نجوى» 1991. > علمت أنك دخلت التجنيد الاجباري ماذا فعلت بالغناء آنذاك؟ صحيح، في سنة 1971 1972 دخلت التجنيد الاجباري، وبعد مدة اكتشف رئيسي أنني كنت مطربا بالرباط وبالتالي سهل لي تكوين فرقة موسيقية من ضباط الصف الإحتياطي، وغنينا لعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وبعض الأغاني القومية. > الآن أنت موظف بوزارة المالية ، كيف توفق بين الغناء والعمل؟ الغناء لا يمكن أبدا أن استغني عنه، أما العمل فهو ضروري للحياة المعيشية، لذا فأنا أتمرن خارج أوقات العمل، وعند التسجيل في الإذاعة أقتطع تلك الأيام التي سجلت فيها من العطلة السنوية، لأنني أصر على جودة الأغنية حتى لا تبقى مركونة في خزانة الإذاعة، وأتذكر الآن، في القديم كان قسم الموسيقى بالإذاعة يعمل بصدق ويختار أربع أو خمس قطع موسيقية في الأسبوع ونحصل في الشهر على عشرين قطعة تمر كلها في برنامج «عالم النغم» برئاسة أحمد البيضاوي، وكنا ننتظر بلهفة يوم الأربعاء لنسمع آخر الأغاني ونعلق عليها بنقاش حر ونزيه، ونقد من الصحافة والمهتمين، لكن هذا البرنامج ألغي الأن للأسف، لعدة معيقات معروفة. > كيف ترى مستقبل الأغنية المغربية؟ لا أخفي عليك، أنها في وضعية متقهقرة، وصعبة جدا، أنا أطالب من هذا المنبر كل الغيورين على الفن المغربي أن ينهضوا به ويخرجوه من الأزمة التي يتخبط فيها، أنا الآن أكثر إصرارا على إدراج الأغاني التي أديت بمهرجان مراكش، بالإذاعة لأن المرشحين والفائزين غنوا ولحنوا بصدق وذلك للاشتداد المنافسة، وعليه فإن قطعهم يكون فيها نوع من الجودة والجمال، وبالتالي فهي جديرة بأن تبث في الإذاعة للتعريف بهم وبمجهوداتهم، والمال ليس كل شيء، يجب كشف هذا الكنز الشبابي وتوظيفه. > هل ترى أن النقابات قد قصرت من مسؤولياتها؟ بل تخلت عن رهاناتها، لدينا نقابتان وكل واحدة منهما في واد (واحدة تشرق وأخرى تغرب) والفنان ضائع في الوسط، كيف سيدافعون عن الفنان والأغنية وهم في صراع دائم، واحدة تقول إنها موسيقى حرة وأخرى ليست حرة أو لا أعلم كيف هي، لكي تتحقق مطالب الفنان والأغنية عليهم أن يتحدوا فيما بينهم، وهذا الاتحاد والتضامن هو الذي يحقق المطالب المرجوة. > ألا ترى أن هناك أسبابا أخرى لغياب الأغنية الأصيلة كالمنافسة بين الفيدو كليب والآن ظهور الأغنية الشبابية؟ صحيح هناك منافسة وشرسة، لكن أنا هنا أتكلم عن أذواق مختلفة وأجيال مختلفة، وإذا أخذنا بالاعتبار قيمة الفن الأصيل فإن للأغنية الأصيلة مستمعيها، ولقد لفت انتباهي مؤخرا المطرب عبد الإله الغاوي وهو يغني قطعة للسيد مكاوي وقد أحسن غناءها بروعة، إنه مطرب بمعنى الكلمة ويتوفر على مؤهلات تخول له ذلك، مع العلم أنه يغني الأغاني الشبابية، علينا فقط أن نفتح كنز الماضي لنساهم في تجميل الذوق الفني. > ماذا تقول عن عدم انتشار الأغنية المغربية في العالم العربي، أبسبب اللهجة الدارجة كما يقال؟ ليس اللهجة الدارجة هي السبب، وإنما اللحن الذي لا يستطيعون التماشي معه، لأن التوزيع الموسيقي يكون مختلفا والأجوبة الموسيقية أصعب، لكي تتوفق في الأداء والأجوبة الموسيقية يتطلب منك قدرة هائلة وذكاء قويا.. وهذه من سمات المطرب الحقيقي، إنهم يحسون بالضعف، ويلصقون التهمة باللهجة، أنظر كيف غنت «صباح» أغنية «ما أنا إلا بشر» المستمع يحس وكأنها تقوم بتلاوة الأغنية وليس الغناء!