عشقت الفن في سن مبكر، كانت تدندن في صمت وهدوء، لم تكن تتوقع يوما أن تدخل عالم الغناء، لخجلها الكبير.لكن قوة صوتها وميولها للطرب الأصيل، جعلها تتربع على عرش الأغنية العربية الأصيلة. إنها الفنانة المغربية كريمة الصقلي، صاحبة الصوت "الأسمهاني"، فعشقها لهذا اللون الأصيل، أهلها لتشق طريقها بثبات، واختارت لونا موسيقيا مميزا، وتمكنت بفضل إرادتها وثقتها في موهبتها، أن تحتل مكانة مهمة في الساحة العربية، ما فتح الآفاق أمامها لحضور العديد من المهرجانات العربية. رغم الموجات الغنائية، التي تعج بها الساحة الموسيقية بكل أشكالها، ظلت متشبثة باللون الأصيل، وظلت محتفظة بجمهورها العريض داخل المغرب وخارجه. ورغم مشاكل الميدان الفني، فكريمة تفضل الاستقرار بالمغرب، لم يغريها قط الشرق، رغم العروض الكثيرة، التي تلقتها، ففضلت أن يسافر صوتها عبر بلدان العالم العربي، وتبقى في بلدها، الذي تتمنى أن يعطي القيمين على الميدان الغنائي فيه، فرص الحضور، خصوصا للشباب الصاعد. في حوار مع "المغربية" كشفت الفنانة الهادئة، والخجولة، عن مشاريعها الفنية، وأسفت لواقع الأغنية المغربية، ورحبت بالأعمال المتميزة، التي من شأنها أن ترفع من مستوى الأغنية المغربية وطنيا وعربيا.
* شاركت أخيرا بالرباط، في حفل اختتام احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية، فكيف كانت هذه المشاركة؟ ** فنيا، المشاركة كانت رائعة، ومن جانب الجمهور، كان حضوره أروع، لأنه كان جمهورا مميزا ومتنوعا، وتجاوب مع الحفل، منذ انطلاقه، ما ساهم بشكل كبير في نجاحه. قدمت خلال السهرة آخر ما سجلت في شهر دجنبر الماضي، وهي أغنية تحمل عنوان "ذرة الأوطان"، من شعر محمد أبو القاسم، ولحن محمد زيات، وتوزيع أحمد هبيشة، وهي حالة حب بين مواطن ووطنه، كما قدمت كذلك بهذه المناسبة "طفولة الحجر"، من شعر عبد الرفيع الجواهري، ولحن عبد العاطي أمنا، واختتم العرض مع الفنان التونسي لطفي بوشناق، الذي قدم أغنية "غني يا فنان"، وكانت عبارة عن ديو تجاوبنا فيه كثيرا، واستمتع الجمهور بلحظات طربية جميلة. * ما هي مشاريعك الفنية؟ ** عدت من الدوحة، أخيرا، حيث جرى استدعائي بمناقشة بعض المشاريع الموسيقية، والعروض الفنية، إذ سأمثل المغرب بمناسبة احتفالية "الدوحة عاصمة للثقافة العربية 2010"، وسيكون الحفل ما بين شهري فبراير ومارس المقبلين. كما سجلت يوم 8 يناير الجاري، حلقة من برنامج "الجزيرة مباشر" مدته ساعة من الزمن، وكان موضوع الحلقة "الاستهلاك اليومي للموسيقى في العالم العربي". ويتضمن برنامج مشاريعي الفنية، أيضا، زيارة لبيروت، حيث تلقيت دعوة للمشاركة في برنامج خاص على قناة "الحرة"، ويتحدث البرنامج، الذي سجلته الثلاثاء الماضي، عن موضوع "المرأة في الإبداع الموسيقي والغناء عبر التاريخ والآن". *هل تعتقدين أن اللون الموسيقي الأصيل ما زال يحتفظ بجمهوره، في ظل الموجة الغنائية الموجودة حاليا؟ ** أظن أن الجمهور حاضر ليستمتع بكل الموجات الغنائية، والعمل الموسيقي والغنائي له عدة أنواع، لكن المفروض أن تشهد الساحة الغنائية تنوعا، لأنه غالبا ما يبرمج لون غنائي واحد. أرى أنه في وقت سابق، كان الإخلاص والوفاء، لبنتين أساسيتين في نجاح الفنان، فالصوت والكفاءة وصقل الموهبة، واللقاء مع الملحن، وحسن الأداء، كلها عناصر متداخلة ومكملة لبعضها، كي يقدم المطرب للجمهور عملا فنيا متميزا ويتسم بالجودة في كل شيء. حاليا، تسلط الأضواء بشكل كبير على موجة معينة من الأغاني، وأتمنى من القيمين على الميدان أن يسوقوا أي عمل فني، باختلاف ألوانه، كما يجب على الشركات المنتجة أن تهتم بالفن الأصيل. يجب ألا يفرضوا لونا غنائيا معينا، وأن يتركوا الاختيار للجمهور، لأنه الوحيد الذي سيتمتع باللون الذي يعشقه. أرى أن فرصة الاختيار قليلة جدا، لأن جميع الفضائيات وحتى بعض الإذاعات تقدم اللون نفسه، فإذا استمتعت صباحا بلون معين، وبعد ساعات بلون آخر، وفي المساء بموجة غنائية مختلفة، حتما سيتذوق الجمهور كل هذه الألوان وبالتالي سيكون له فضاء واسع لاختيار الأغاني، التي تناسب ذوقه وميوله. *إذن أنت مع التنوع في الألوان الغنائية؟ أكيد، لأنه على الفنان أن يحترم الموسيقى بكل اتجاهاتها. أنا مع التنوع الموسيقي، ويمكنني خلال اليوم الاستماع إلى أكثر من لون غنائي. * ألا تفكرين في الذهاب إلى الشرق؟ ** الموسيقى لا وطن لها، والدليل أنني عدت أخيرا من قطر، وسأحل ببيروت هذا الأسبوع، لدينا طرق للتواصل. لست ضد الأصوات المهاجرة، لأنه حاليا لا يمكنني الذهاب إلى هناك، بهدف الاستقرار. أنا متشبثة ببلدي، رغم غياب شركات الإنتاج، فأنا أبحث كثيرا، عن فرص الظهور والمشاركة ولقاء الآخر، وإيصال الصوت المغربي للبلدان العربية. المهم هو ألا يبقى الفنان حبيس نفسه، إذ يجب أن يستغل كل الفرص، التي تعرض عليه، حتى يواكب التطورات التي تشهدها الساحة الغنائية. فإذا لم أسافر إلى الشرق، فصوتي دائم السفر، عبر المهرجانات العربية، فاستقراري في المغرب مسألة اختيار واستقرار، رغم أنني ألاحظ أن الأصوات التي تهاجر إلى الشرق، تعاني غيابا بيئيا. أنا متشبثة بالإطار البيئي، رغم أن الساحة الغنائية تعاني نقصا في العديد من المجالات، إلا أنه لا يمكن أن ننال كل شيء. * كيف تنظرين إلى الساحة الغنائية المغربية؟ ** أظن أنها تعيش حالة إحباط، يجب فتح فضاءات ومعاهد خاصة بالأغنية. لدينا مبدعون، وشعراء، وموسيقيون، وأصوات جميلة، أتمنى أن نجد شركات إنتاج تساهم في توجيهنا. حقيقة، نفتقد إلى انتعاش وحيوية، المغرب بلد يحب الموسيقى، ونلمس تنوعها وغناها، من خلال المهرجانات، التي تنظم على مدى السنة، إذ تختلف من موسيقى روحية، إلى تراثية، ومن روك إلى شعبي... هذا التنوع يفتح الأبواب أمام الجمهور لاختيار لون معين، نحن بحاجة إلى الاستمرارية في هذا المجال الفني، لأنني أرى أن المواهب الشابة الصاعدة تعيش في حلم أثناء المشاركة في المسابقات الفنية، وعندما يحتكون بالواقع يصابون بالصدمة. يجب أن تكون هناك لمسة أخلاقية في الميدان الموسيقي، من أجل الاستمرارية، لمسة يطبعها احترام وتقدير المواهب. نرغب في خلق فضاء يفجرون فيه طاقاتهم، كي تشهد الساحة الغنائية انتعاشا فنيا. * كيف تقيمين مشاركاتك في مهرجانات عربية؟ ** القيمون على هذه المهرجانات يستدعونني لإيمانهم بصوتي، إذ أقدم لونا طربيا أصيلا. أرحب بالتنوع، وأجد تجاوبا كبيرا بيني وبين الجمهور، لأنني أؤدي عملي بصدق واحترام. * ما رأيك في الديو؟ ** قدمت ديو مع الفنان التونسي، لطفي بوشناق، ومع مارسيل خليفة، في أصيلة، إذ جمعنا مشروع يضم الموسيقى العالمية. أرى أن الديو يجسد حوارا، ففي سنة 2000، شاركت في ديو إلى جانب فنانة أميركية، في إطار مهرجان فاس للموسيقى الروحية، ولاحظت أن نوطة موسيقية جمعتنا، الديو كان ممتازا. أرحب بالديو كحوار وليس كموضة، لأنه حوار الحضارات والثقافات واللغات. * ماذا تمثل لك الجوائز؟ ** إنها اعتبار، وتقدير، وشكر، وشرف، لكنها في الوقت ذاته مسؤولية، لأنه يجب أن أظل في المستوى المرجو، وأعتز بجائز "خميسة 2006" للإبداع الثقافي. * كيف جاء عشقك للغناء؟ ** أحببت الغناء، منذ الصغر، كنت أدندن في صمت، إلى أن جاء وقت اكتشفت أسرتي ميولاتي الغنائية، فتحديت الخجل، لأنني إنسانة خجولة جدا، ودخلت الميدان الفني. أعتبر الفن حرية، يعبر عنها بطلاقة. * الصحراء المغربية