لايختلف اثنان أن الفنون الشعبية المغربية غزيرة ومتنوعة حية وغنية تمثل فضاء الذاكرة الجماعية التي ترمز إلى كل مراحل الحياة الاجتماعية من ولادة وختان وزواج ومواسم وحفلات وغيرها. والأكيد أن ربوع الوطن تزخر بألوان غنائية تراثية فنية تعكس، باختلاف ألوانها، غنى الحضارة المغربية، وفنونا أصيلة تنفرد بميزة الوحدة في التنوع. من بين هذه الفرق الفنية الاصلية فرقة ميزان هوارة التي تنحدر من منطقة هوارة التابعة لإقليم تارودانت الشاسع. وهي المنطقة الغنية بنشاطها الفلاحي المتميز على ضفاف وادي سوس. والميزان الهواري هو خليط من رقص وغناء حميمي انتشر في منطقة هوارة ومناطق أخرى بضواحي تارودانت عكس وترجم النشاط اليومي الفلاحي والرعوي لسكان المنطقة باعتباره انتشاء دائما للارتباط بالأرض ويتميز الرقص لدى قبيلة هوارة بتمازج وتزامن الحركات بقرع الآلات لينسجم بذلك الرقص بالإيقاع حيث التوازن في خفة الحركة وتناغم المقامات بقرع 3 دفوف (البندير) وطعريجة وناقوس. وترجع الفنانة فاطمة الكحولي الملقبة والمعروفة بفاطمة الشلحة السر في تسمية هذا اللون الغنائي بميزان هوارة إلى حضور أناس »مهاورين« أي »نشطين« حيث تواجد تساو إيقاعي في الميزان بين إيقاعات الدف الصغير وإيقاعات الأرجل وحركات الأيدي وتموجات الأجساد الأمر الذي يؤدي الى خلق سمفونية متناغمة ومتكاملة وبخاصة عندما يراقص الرجل المرأة. وفرقة هوارة تتشكل في الأصل، بحسب فاطمة الشلحة، من 32 فردا، لكن في المهرجان يتفاوت عدد الحاضرين مابين 15 الى 20 فردا تتوسطهم امرأة. والفرقة تعمل على أداء رقصة »التقصاد« فيما يعمل حامل »الطعريجة« المعروف »بأكْوالْ« أي »القوَّالْ« بالترديد مع المجموعة ، وخلال مرحلة سابقة من عمر المهرجان، المقطع التالي: »أخويَا سارْ أخويَا سَارُوا وَاحوزْ البهجة ولاَّ قْريبْ مراكش مَاكيفٌو مدنْ عزُّ ربّي وسمّاه البهجة الحمرا «. كما أن أفراد كل المجموعة يرددون المايَا والتي تقول: »وامولٌ أتايْ اعطيني كاسيِ ندُوزو باللُْوزْ« وتؤدي فاطمة الكحولي المسؤولة عن فرقة ميزان هوارة دور الأفعى التي يراقصها العيساوي. والأفعى بحسب رواية الفنانة فاطمة الشحلة مرتبطة بأسطورة وحكاية شعبية تفيد وتشير الى أن هناك أفعى تخرج من أحد حقول القبيلة وتعمل على فزع الأطفال الصغار والنساء، بل تحاول إيذاءهم الأمر الذي شكل خطرا قائما على القبيلة الأمر الذي حدا بها الى التفكير في استمالتها والقبض عليها من خلال العيساوي الذي يعمل على مراقصتها ببنديره وتخليص ساكنة القبيلة من شرها عبر حركات وقفزات موزونة فرضت على الأفعى في نهاية المطاف النفاذ بجلدها لتختبئ »بدرْك الكرموص« أي الصبار. ومازالت فاطمة الكحولي تذكر بداية مشوارها الفني الأصيل والمناهل التي شربت منها أصول هذا الفن الذي عشقته منذ نعومة أظافرها وبعد أن حضرت منطقة أولاد تايمة، وتعاطت هذا الفن، خلال فترة الستينات، وعمرها لايتجاوز 14 سنة مع مؤسس الفرقة الحاج ادريس الحرش والحاج العربي الفاسي. وبدافع المحافظة على هذا التراث وجعله شجرة مثمرة تنهل منها كل أجيال وشباب المنطقة حرصت فاطمة ومنذ سنة 1982 على تأسيس فرقة ميزان هوارة وأكدت حضورها وطنيا ودوليا من خلال تقديم عروض فنية في عدة مناسبات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، بأمريكا وكندا والمكسيك وفرنسا والبرتغال وبدول عربية. وتتمثل أصالة الغناء الهواري في عدة جوانب يأتي في مقدمتها المحافظة على ارتداء الزي التقليدي سواء بالنسبة للرجال (جلباب أبيض وعمامة بيضاء وبلغة)، وبالنسبة للمرأة الراقصة التي تلعب دور الأفعى (التكشيطة وخلخال والوشاح وهي مضمة من الفضة وقطيب ودلال يوضع على جبين الراقصة وهو مزين بنقود الحسني. والحفل الهواري يبدأ بمتوالية إيقاعية مضبوطة ومتتالية تعتمد مجموعة عناصر أولها التقصاد والخرطة والكلبة ثم اللغطة.