كان الزعيم الوطني الاستقلالي الكبير، الأستاذ عبد الخالق الطريس، الذي دخل تاريخ الحركة الوطنية بصفته رائداً من روادها الكبار، أقوى ما يكون إيماناً بالوحدة الترابية للمملكة المغربية، فقد كافح في سبيل التحرير والاستقلال، وسجل للتاريخ مواقف نضالية بطولية، انطبعت بالصدق في الانتماء، والإخلاص في الولاء، والصبر عند الابتلاء، والتفاني في البذل والعطاء من أجل بناء الدولة المغربية القوية على أسس ثابتة من الديمقراطية، وفي إطار الملكية الدستورية التي كان من رواد المؤمنين بها ومن كبار الداعين إليها ومن رموز التضحية في سبيلها. وكان الأستاذ عبد الخالق الطريس من القادة الوحدويين الكبار والمناضلين الأشداء البأس من أجل الوحدة في مفهومها العميق ومدلولها الشامل، ارتبطت حياته بالنضال من أجل ترسيخ الوحدة الوطنية، فقد رفض الأمر الواقع الذي فرضه الاستعمار الفرنسي والإسباني على المغرب في عهد الحماية، وتمرد عليه، وأبى الإذعان له، ووقف في وجه سياسة تمزيق الوطن إلى ما كان يعرف بالمنطقة السلطانية والمنطقة الخليفية والمنطقة الدولية ومنطقة إيفني ومنطقة الصحراء الغربية، فكان من القادة الوطنيين الذين ناضلوا من أجل الوحدة والديمقراطية وحكم دولة الحق والقانون والمؤسسات التي تقوم على قاعدة الملكية الدستورية. بعد ارتكاب سلطات الحماية الفرنسية للجريمة الكبرى، بنفي جلالة الملك محمد الخامس والأسرة الملكية إلى خارج الوطن في أغسطس سنة 1953، عمدت إسبانيا إلى استغلال الأزمة التي نشبت في المغرب، لإعلان انفصال المنطقة الخليفية الشمالية عن التراب الوطني وتأسيس كيان سياسي هجين مستقل. هنا تحرك الأستاذ عبد الخالق الطريس، ضد ما كانت تبيته إسبانيا من مؤامرة، فاستطاع أن ينقذ البلاد من الانفصال، في موقف بطولي نادر، عبر به عن طبيعته الوحدوية. وبفضل الحنكة السياسية التي كانت من المزايا الفريدة للأستاذ عبد الخالق الطريس، استطاع أن يقنع السلطات الإسبانية في الشمال، بفتح المجال أمام المقاومة الوطنية للقيام بالأدوار البطولية التي مهدت السبيل أمام استقلال الوطن. وتلك مرحلة فاصلة في تاريخ المغرب المعاصر، أبلى فيها الزعيم الطريس البلاء الحسن العظيم، دفاعاً عن العرش الذي هو العاصم من الزلل والجامع لشمل الوطن. لقد كان النضال السياسي الوطني المستميت الذي خاض غماره الأستاذ عبد الخالق الطريس، مضرب المثل في الثبات والصمود والتضحية ونكران الذات، بحيث سجل له تاريخ الحركة الوطنية المواقف البطولية الشجاعة الشريفة التي اتخذها، سواء في عهد الحماية أو في عهد الاستقلال، مما يدعونا إلى تأكيد اعتزازنا بهذا القطب الفذ من أقطاب الوطنية والحركة الاستقلالية، الذي كان بشهادة الجميع، زعيماً شامخاً بشخصيته الفذة المشبعة بروح النضال والمتشبثة بالقيم والمقدسات والمناضلة في سبيل تحرير الوطن واستقلاله وتقدمه وازدهاره. وكلما تباعد العهد بيننا وبين هذا المناضل الوحدوي الكبير، إلا وشعرنا بأننا أحوج ما نكون إلى أن نستمد من المواقف النضالية الوحدوية الاستقلالية للأستاذ عبد الخالق الطريس، ما نقوي به إرادة الصمود أمام المؤامرات التي تحاك ضد وحدتنا الترابية في هذه المرحلة الدقيقة التي تمرّ بها قضيتنا الوطنية العادلة، ونرسخ اقتناعنا بالوحدة الوطنية ترابياً ولغوياً ومذهبياً، ونزكي إيماننا بأن المغرب الموحد هو المغرب القوي القادر على حماية حقوقه ومكاسبه والدفاع عن سيادته الكاملة غير المنقوصة. ولا نبالغ إذا قلنا ورددنا على الدوام وبدون تردد، إنه لولا نضال الطريس وصموده في وجه مؤامرة الانفصال وإيمانه العميق الوطيد بالوحدة الوطنية، لكان المغرب اليوم مغربَيْن. وتلك هي عظمة الزعيم الوحدوي الإصلاحي الاستقلالي الأستاذ عبد الخالق الطريس، رحمه الله.