منذ أكثر من شهر ولا كلام في الدارالبيضاء إلا عن الوداد والرجاء، فنقطة واحدة بين الفريقين للفوز بالبطولة أترعت كأس النشوة ودوخت عقول البيضاويين ولم تعد الوداد والرجاء مجرد فريقين يلعبان الكرة بل إن تأثيرهما على الناس أخمد جمرات الصراع السياسي وأطفأ نجومية الفنانين والمبدعين وأنسى هموم الإكراهات اليومية واختفت في الدارالبيضاء كل الألوان فلا يرفرف إلا الأحمر الودادي والأخضر الرجاوي وتوارت كل الأسماء فلا تسمع إلا زغردات وداد المحبة وفي المقاهي لا يحلو المشروب والعصير إلا بسكر الوداد والرجاء ولا يروق الطعام في البيوت إلا بنسمة الوداد والرجاء. وتناست الأقاليم والعمالات والولايات والمدن همومها وتناغمت مع وداد الأمة ورجاء الشعب حتى اللصوص شلوا تحركاتهم الاجرامية وركنوا في رأس الدرب للحديث عن مصير البطولة هل ودادية أم رجاوية؟ انشغال البيضاويين بالوداد والرجاء انعكس على قلوبهم التي كانت غاضبة فأصبحت تحن وعلى نظراتهم التي كانت مرعبة فأصبحت تطمئن وعلى شفاههم التي كانت مكززة فأصبحت ترن. .. الوداد امتزجت مع الدماء في العروق وخضرة الرجاء أينعت مع بهجة الحياة.. وكرة القدم لم تعد مجرد جلدة منفوخة بالرياح ولكنها تشكلت مضغة نابضة بأنفاس الناس. فمتى سنستعيد من هذا الافتنان الشعبي بهذه الكرة الساحرة؟ ليصبح للسياسة في بلادنا مفعول تأثيرها على المواطنين ويصبح للأحزاب منخرطون في حجم جماهيرها ويصبح للأدب والفن ابداع في مستوى متعة مبارياتها. ويجب الا تخيفنا أحداث الشغب والفوضى والضرب والجرح والتخريب التي تندلع أحيانا في أجوائها. ولنعمل على نزع أشواك المشاغبين التي تدمينا لتبقى لنا الازهار يانعة... ولنطفئ نار الغضب والغيرة الحمقاء التي تشتعل من تصرفات المتعصبين ليبقى لنا التوهج الدافئ. فالعالم الآن بأممه الراقية والنامية والمتخلفة والمتناحرة يستمتع بمباريات كرة القدم وقد أثبت أولادنا قدراتهم الخلاقة على الإبداع والفرح من خلال أغانيهم وأناشيدهم وهتافاتهم و »التيفوات« الزاهية. وهكذا ستصبح ملاعبنا وشوارعنا وحافلاتنا فضاء للأفراح والاحتفال وتصبح المباريات مجالا لإشراقة الروح الرياضية والسلوك الحضاري.