تتميز مجلة »السنة النبوية« التي تصدر عن جمعية الإمام البخاري، ويديرها ويرأس تحريرها د. يوسف الكتاني، بأنها مجلة دورية متخصصة تعنى بالدراسات الحديثية، بحيث لا تنشر على صفحاتها إلا دراسات أهل الاختصاص في هذا الميدان. وقد أثلت حتى الآن تراثا نفيسا يعكس قيمة الأقلام التي تحتضنها والمنهج الحكيم الذي سار عليه القائمون عليها منذ أول عدد من أعدادها التي بلغت اليوم التسعة. فقد كان العدد الأول الذي صدر سنة 1426 / 2001 خاصا بالتعريف بالسنة وأئمتها وصحاحها وسننها، وكان العدد الثاني الذي صدر سنة 1424 / 2003 خاصا عن الإمام مالك والموطأ، بينما خصص العدد الثالث الصادر سنة 1425 / 2004 للسيرة النبوية ومنهج السنة، وكان العدد الرابع الذي صدر سنة 1426 / 2004 خاصا بالإمام البخاري، وخصص العدد الخامس الصادر سنة 1427 / 2006 للسيرة النبوية والسنة، والعدد السادس الذي صدر سنة 1427 / 2007 للإمام مسلم، وأفرد العدد السابع الصادر سنة 1429 / 2008 لأبي داود وابن ماجة، وخصص العدد الثامن الصادر سنة 2009/1430 ، للترمذي والنسائي ، وتتحف المجلة القراء اليوم بعددها التاسع الجديد الخاص بشيوخ مدرسة البخاري في المغرب. إنها مسيرة علمية مضيئة وغنية تعد بالمزيد، ونتمنى لها العمر المديد. لقد قرأتُ العدد التاسع بتأَنٍّ وتمعّن وأفدتُ منه غاية الإفادة. لم يكن المغرب - ولله الحمد - يغطّ في سباتٍ يوم كان المشرق يحرز قطب السبق بالدراسات العلمية والمناقشات الفكرية. بل كان المغرب حاضراً بعطائه في مختلف الميادين المعرفية، وفي مقدمتها علوم الحديث النبوي الشريف، إلى درجة - قد تفاجئ البعض - أنّ البحوث التي أنجزها علماء الحديث المغاربة صارت مستندات علمية ومراجع ينبوعية لا غنى عنها للدرس الحديثي في المشرق. حتى أنّ أئمة هذا العلم كابن حجر العسقلاني، والإمام الذهبي، وابن الصلاح وغيرهم، رجعوا إليها، واستندوا إليها وهم يدبجون موسوعاتهم الحديثية، وقواعدهم العلمية. لقد كان الإبداع العلمي المغربي في الدراسات الحديثية يضاهي الإبداع المشرقي. وهنا يجب أن يراجع البعض تلك القولة التي صارت كالمثل السائر: »لولا عياض لما ذكر المغرب«، إذ لنا - مع القاضي عياض وما أدراك ماعياض في الفقه والحديث واللغة والسيرة - أعلام آخرون في ميدان الدرس الحديثي لايقلّون عنه مكانة وتألّقاً وإبداعاً وأصالة. وهؤلاء هم أقطاب مدرسة الإمام البخاري في المغرب، الذين يُبحربنا هذا العدد الجديد في سيَرهم ومؤلفاتهم وإضافاتهم العلمية ومناهجهم بشكل يستحث رغبة القارئ لمزيد البحث والتنقيب عن مخطوطات قيّمة، والسعي إلى تحقيق أخرى موجودة، والعمل على دراستها في ضوء المناهج الجديدة. تنقسم محتويات هذا الملف الخاص عن شيوخ مدرسة الإمام البخاري في المغرب إلى أربعة أقسام: قسم أول خاص بشيوخ القرنين الرابع والخامس الهجريين (الإمام الأصيلي، والإمام القابسي، والحافظ ابن عبد البر، والإمام ابن بطال)؛ وقسم ثان خاص بشيوخ القرنين السادس والسابع الهجريين، (القاضي عياض، والإمام ابن القطان، والحافظ ابن دحية السبتي)؛ وقسم ثالث خاص بشيوخ القرنين السابع والثامن (الحافظ ابن رشيد)؛ وقسم رابع خاص بالقرن الرابع عشر الهجري (الحافظ أبو شعيب الدكالي وأبو المحاسن المدني بن الحسني، والشيخ محمد عبدالكبير الكتاني، والشيخ عبدالحي ابن عبدالكبير الكتاني). وبالإضافة إلى هذا الملف الذي جمع جواهر المشاركات العلمية المغربية في ميدان علم الحديث وإضافات المغاربة القيمة للدراسات المشرقية. يجد القارئ مادتين أخريين دسمتين أولاهما للدكتور محمد بن زين العابدين رستم بعنوان »النسخة الصدفية من الجامع الصحيح للإمام البخاري« والثانية للدكتور محمد عبدالحفيظ كنون، بعنوان »صحيح البخاري في الشعر المغربي«. نقرأ في هذا العدد الجديد الدراسات التالية: »الإمام الأصيلي« للشيخ عبدالله كنون رحمه الله، و »أبو الحسن القابسي رائد رواد الحديث الصحيح في إفريقيا« للدكتور يوسف الكتاني، و»ابن عبدالبر المالكي محدث الأندلس« للدكتور سعيد المغناوي، و »الإمام ابن بطال في فتح الباري لابن حجر« للدكتور صالح أحمد رضا، و »محدث المغرب القاضي عياض« للدكتور يوسف الكتاني، و »الحافظ أبو الحسن ابن القطان الفاسي نقادة المغرب« للدكتورة كريمة المزودي، و »الحافظ أبو الخطاب بن دحية الكلبي السبتي محدث المغرب بالمشرق« للدكتور عبدالعزيز فارح، و »الحافظ محمد بن رشيد السبتي وجهوده في خدمة الجامع الصحيح رواية ودراية« للدكتور إدريس الخرشافي، و»ابن رشيد السبتي من خلال كتابه إفادة النصيح في التعريف بسند الجامع الصحيح« لمحققه الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة، و »الحافظ أبو شعيب الدكالي« و »أبو المحاسن المدني بن الحسني العالم المجدد« و »الشيخ محمد بن عبدالكبير الكتاني المجدد الرائد« و »الشيخ عبدالحي بن الشيخ عبدالكبير الكتاني المحدث المسند« وهذه المقالات الأربع كلها بقلم الدكتور يوسف الكتاني. ويطالع القارئ، في نهاية هذا العدد، »جريدة السنة« التي تجمع كثيرا من أخبار الدعوة الاسلامية، وخدمة السنة النبوية، والسيرة الطاهرة، وأحوال المسلمين في الخارج. كتب مدير ورئيس تحرير مجلة السنة النبوية في مقدمة عددها الجديد: »توالي مجلة السنة النبوية خطواتها المباركة من أجل إنشاء وتعميم المدرسة المغربية في الحديث النبوي المعاصرة تطبيقا لمنهجها المنضبط، وتخطيطها المحكم، الذي أخذ يؤتي أكله بحمد الله وتوفيقه كما يظهر واضحا جليا من خلال الأعداد الثمانية بمبادئه العليا، وقيمه السامية، وتمسكه بدينه، وتعلقه بشريعته وحضارته، حتى إننا لم نجد صعوبة كبيرة في اكتشاف خامات أصيلة من بين شباب علمائنا الذين سارعوا بالاستجابة وتبني مخططها، والسير على منهجها، ومازالت تلك الاستجابة تنمو وتتسع حتى صارت أعدادنا طافحة ببحوثهم التخصصية ودراساتهم الحديثية، واكتشافاتهم الرائعة، في مجال السنة النبوية، ودراسة أئمتها وشيوخها، والتعريف بمناهجها ومسانيدها في دراسات مبتكرة، تجديدية، تمثل النبوغ المغربي والعبقرية المغربية. إن نظرة فاحصة وشاملة من موضوعات الأعداد السابقة، ومدى ما طفحت به من علم ومعرفة، وبحث ودراسة، تطمئن النفس، وتزيدنا ثقة في أنفسنا وشبابنا ومستقبلنا، أن الإسلام بخير، وأن شبابنا يحمل المشعل بكل كفاءة واقتدار وباعتزاز بمقوماتنا وحضارتنا وتاريخنا الكريم. لقد غطت المرحلة الأولى من مسيرة المجلة السنة بمناهجها، وأئمتها وشيوخها، ومراحل تطورها وتفوقها، كما عرفت بأئمة الحديث ورواده، وبصحاحهم وسننهم، ومسانيدهم ومشيخاتهم، وسلاسهم الحديثية الذهبية، وأسانيدهم المتميزة العالية، وعطائهم الكبير المتميز، بدءاً من الرواة الأوائل للحديث كالأصيلي والصدفي وابن سعادة وسواهم، إلى الأئمة مالك والبخاري ومسلم والترمذي وأبي داود، وابن ماجة والنسائي وغيرهم من الشيوخ الرواد في مجال السنة النبوية...« إنّ كل قارئ اطلع علي بعض أعداد »السنة النبوية«، سيجد نفسه مشدودا إليها، مُتَشَوِّقاً إلى أعدادٍ أخرى، لما تزخر به من دراسات حديثية مجددة، بانية، تصل ماضينا بحاضرنا ومستقبلنا، وتمهّد الطريق للأجيال القادمة لتضيف إلى هذا العلم كما أضاف الأوائل.