ركز الأمين العام لحزب الاستقلال الأستاذ عباس الفاسي في الخطاب الهام الذي ألقاه في افتتاح أشغال المؤتمر الجهوي للحزب بالدار البيضاء على ثلاثة ثوابت ارتكزت عليها قناعات ومواقف الحزب منذ النشأة إلى الآن، في إطار نسق إيديولوجي وفكري واضح المعالم لم يكتنفه أي غموض منذ أن خرج الحزب إلى الوجود، وحرص الأمين العام للحزب أن يضع هذه الثوابت في إطار المرجعي الذي يعطيها دلالتها الحقيقية ويمكنها من مضمونها الحقيقي، ولم يعرضها كجمل جامدة تكون صالحة لتأثيث جزء من فضاء الخطاب. تحدث الأمين العام في هذا الصدد عن الإسلام كثابت من الثوابت الرئيسية، وقال إن الأمر يتعلق هنا بالإسلام الوسطي المعتدل، الإسلام الذي يحافظ لنفسه باستمرار القدرة على الاجتهاد والانفتاح، وهذا الإسلام يرفض أي شكل من أشكال التطرف والعنف والمغالاة سواء على مستوى الإيمان أو الممارسة، الإسلام الذي يتيح للمسلم التأقلم مع التطورات الهائلة التي يحققها إنتاج الفكر البشري والإنساني دون الانجراف وراء ما ينتجه هذا الفكر الإنساني من دمار الإنسية والإنسان المسلم، وهذا هو الاسلام الذي جسده سلفيون مجددون قادوا الفكر الاستقلالي خلال عقود من الزمان. ثم تحدث الأمين العام لحزب الاستقلال في خطابه أمام المؤتمرين الجهويين بالدار البيضاء عن الثابت الثاني الذي يتعلق بالنظام الملكي الدستوري، بمعنى النظام الملكي الذي يستند إلى التعاقد وعبر أداء مؤسسات دستورية تصرف بشكل جيد علاقة الحاكم والمحكوم وتحسين تدبير ممارسة السلطة، والآن يتأكد أن المغاربة كانوا محظوظين حينما تفطنوا الى أهمية اعتماد هذا النظام الذي حفظ للشعب وللوطن الوحدة والتلاحم. وأخيرا تطرق الأمين العام للحزب للثابت الثالت ويتعلق بالوطن، وكم كان مهما التفسير العميق الذي قدمه المسؤول الأول في هذا الحزب العظيم حينما قال إن مفهوم الوطن هنا لايقتصر على البعد الجغرافي، بل إنه يتعداه إلى البعد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فالجغرافيا في تفسير الوطن قد تنفع الجغرافيين أثناء ممارستهم لعملهم العلمي والتقني ، فالوطن في ثابت قناعة الاستقلاليين هو المواطن أيضا، والوطن في إطار هذا التفسير يعني أن يتحقق للمواطن العيش الكريم وأن ينعم من خيرات وطنه في إطار القوانين التي يجب أن تحسن تدبير الثروة الوطنية ، فحينما تتاح للمؤسسات القيام بدورها، وحينما يقع الحرص على تكريس الممارسة الديمقراطية، فإن التنمية تجد طريقها السالك نحو التقدم وفي هذه الحالة يتحقق للمواطن عيشا كريما، وهذا يعني أن الوطن يكون بألف خير، ويتحقق له الاشعاع الاقليمي والجهوي والعالمي. ويمكن أن نستخلص من كل هذا الحديث الصريح أن الأمين العام لحزب الاستقلال يشترط وجود روابط بين كل هذه الثوابت تمكنها من التعايش وتحقق لها الفعالية الكاملة، الله والوطن والملك، فهذا الشعار يلخص كل هذه الفلسفة العميقة التي آمن بها حزب الاستقلال وتشبث بالدفاع عنها في مراحل لم يكن الجميع يقاسمها إياها، لكن اليوم تأكد أنه لامحيد للمغاربة عن هذه المنظومة المتناسقة التي تلخص شخصية الوطن والمواطن.