سبق لي وقد كنت شابا يافعا أن حضرت المؤتمر الأول لحزب الاستقلال بصفتي استقلاليا أيام الحماية الفرنسية، وعضو في المقاومة المسلحة، فكان الحزب شعبيا كبيرا جمع كل شرائح المجتمع المغربي، عربي وبربري ويهودي وصحراوي. وكتب لي وأنا في عمر السبعين أن أحضر هذا المؤتمر الخامس عشر لحزب خطى خطوات متزنة باعتدالية عناصره الحضرية والقروية منذ الستينيات، فكان تشريفا لي. فالمؤتمر كان مجهزا بتركيبات عصرية ومركبا من إطارات جيدة واردة من مختلف الأقاليم تمثل الشريحة الممتازة بالمغرب، فعبر الحزب في هذا المؤتمر عن ثوابته وقيمه بكل هدوء وسكينة، وكنت أرى في كل غرفة من غرف مكان اجتماع المؤتمر خلايا أو جماعات تناقش بكل ديمقراطية وبكل تؤدة الدور المذهبي للحزب بتغذية أو تسمينه، فتناقش انتخاب أعضاء أجهزة الحزب وقيادته من المجلس الوطني إلي اللجنة التنفيذية أي من أسفله إلى علوه... وكانت النقطة الرئيسية للمؤتمر هي تمديد ولاية الأمين العام الحالي، عباس الفاسي والذي لا حق له قانونيا في الحفاظ على الأمانة العامة بعد ولايتين اثنتين. لكن ظروف تعيينه كوزير أول وبصفته رئيس حزب نال الرتبة الأولى في الانتخابات، تلح الحفاظ على وحدة الحزب لأن يبقى محتفظا بالأمانة العامة الى حين الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، كما يحدث ذلك في كل الديموقراطيات العريقة. لذا سينتخب بكل تأكيد عباس الفاسي أمينا عاما لحزب الاستقلال نظرا لشعبيته وكفاءته السياسية، ولو تقدم ضده مرشحون آخرون، فسينتخب غدا يوم الأحد 11 يناير، ذكرى عريضة الاستقلال. عباس الفاسي، فلا ننسى بأنه هو سليف مؤسس الحزب علال الفاسي، ويكون الحزب بذلك قد حافظ على توازنه السياسي . حزب الاستقلال حسب ما شاهدته في مؤتمره الخامس عشر، حزب قوي بطاقاته الفكرية والمادية، اندرج في طريق الديموقراطية الحزبية وأصبحت تتوارث فيه الأجيال تحت ظل العرش العلوي، وأغلبها عناصر حضرية فاسية بورجوازية نماءة مدبرة، تحسن الخطاب والكلام السياسي في المغرب. وهذه البورجوازية الحضرية تضبط بين يديها القوات المنتجة العمالية الفلاحية والفكرية والتقنولوجية التي يتميز بها الآن المغرب، ولازال الحزب يحافظ على مبادئه الثابتة التي سطرها مؤسس الحزب علال الفاسي ومجملها تتميم الوحدة الترابية للمملكة المغربية. ليجعل من مغرب قوي متكامل، والمحافظة على الملكية العلوية ذات القرون الغابرة وعلى قيم الإسلام المعتدل حسب فلسفة مؤسس الحزب. ولاشك أن الحزب سيدوم على أساس هذه المبادئ ودوام الأجيال التي تتجدد فيه كل حقبة من أحقاب حياته، وأن المؤتمر الخامس عشر قوى الحزب رغم غلظة فاتورة نفقاته.