انطلقت الندوات الفكرية المخلدة لمائوية ازدياد الزعيم علال الفاسي رحمه الله، لتقدم نماذج مميزة للفكر الاستشرافي المغربي الذي يعتبر علال الفاسي أحد رموزه من خلال الكتاب المرجعي الهام النقد الذاتي، ومن أهم المرتكزات الفكرية المستقبلية التي عالجها الزعيم علال الفاسي منذ سنة 1948 في »النقد الذاتي« مسألة البناء المجتمعي الكفيل بتطوير البلاد ومن ضمنه الجهوية، التي اعتبرها أساسية لبناء مقومات اقتصاد قوي وفاعل من جهة، ولضمان توازن مناطق المغرب ومساواتها. وقد ظلت »الجهوية« مسارا استراتيجيا في فكر ومنظومة حزب الاستقلال عبر كل مؤتمراته الوطنية وبدون استثناء، بل إن الحزب أقر في تنظيمه الحزبي المؤتمرات الجهوية وفي المؤسسات لمعالجة القضايا المرتبطة بالجهات، وتقديم تصورات تطويرها وضمان ديناميتها، ولاشك أن هذه المعطيات وغيرها كثير ستفيد بعض »فقهاء الفقه الدستوري« الجدد في تصحيح معلوماتهم حول مسار فكرة »الجهوية« بالنسبة لحزب الاستقلال، وأن يمتلكوا جرأة مكاشفة الرأي العام بالحقائق كما هي، وليس كما يراد لها أن تكون، ويمكن لهؤلاء أن يعودوا إلى التاريخ القريب فقط ليجدوا أن مختلف خطابات الأمين العام لحزب الاستقلال الأستاذ عباس الفاسي، منذ أن حظي بثقة الاستقلاليات والاستقلاليين، تعتبر الجهوية الموسعة قضية جوهرية لمسارات تطوير البلاد، وندعو هؤلاء الذين يبذلون مجهودات عظيمة لتبخيس عمل حزب الاستقلال، وقادته عبر التاريخ إلى مراجعة وثائق الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب الذي خصص يوما دراسيا كاملا كان عنوانه »الجهوية بالمغرب واقع وآفاق«، احتضنته مدينة أكادير سنة 1996، ويمكنهم أيضا الإطلاع على نتائج لجنة الجهوية التي شكلها الحزب لتقديم تصورات مستقبلية أمام دور اللجنة المركزية المنعقدة يوم 26 يونيو 2004، كما يمكنهم الاستفادة من القيمة الفكرية والعلمية لليوم الدراسي الذي نظمته مؤسسة علال الفاسي بتعاون مع المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية يوم 26 فبراير 2005، والذي أكد فيه المجاهد امحمد بوستة عضو مجلس الرئاسة، قيمة دسترة الجهات لتمكينها من استقلال حقيقي في التدبير والتسيير. حزب الاستقلال ليس محتاجا لأضواء كاشفة ليراه الآخرون، ويقفون على قيمة فكره وقيمه وثوابته، وحزب الاستقلال أيضا ليس من السهل تقزيمه أوتحجيمه لسبب أساسي وجوهري وهو أنه حزب أسسه الشعب وبنى تاريخه على نضالات حقيقية وميدانية ترتبط بتربة الوطن وهويته الفكرية والمجتمعية، ورسخ وجوده التنظيمي في كل مناطق المغرب حواضره وبواديه وقراه النائية، كما أنه ظل يتشكل من مختلف فئات ومناطق المجتمع المغربي لأن خطابه عبر التاريخ ظل مبنيا على المصداقية فلا تتغير مواقفه بتغير موقعه، كما أنه ظل نموذجا لتطور هياكله وأفكاره في ظل مقومات المجتمع المغربي الأساسية، ومطالبه الجوهرية وفي مقدمتها بناء ديمقراطية نزيهة وحقيقية تتجاوز كل أنواع التزييف والتزوير لأننا مقتنعون أن من يزور أو يزيف حقائق التاريخ لايمكنه أبدا أن يكون مؤتمنا على قيم الديمقراطية الحقة.