ندرس في مادة القانون الإداري لطلبتنا بكلية الشريعة وغيرها من كليات الحقوق أن الإدارة هي مرفق عام؛ومن أهم مقوماته الأساسية:مبدأ استمرارية المرفق العام في أداء خدماته للمواطنين دون توقف؛إلا أن عمادة كلية الشريعة بفاس ؛اقترفت خطأ إداريا بتحريفها ذلك؛بقرار إداري فردي خائب أغلقت بموجبه إدارة كلية الشريعة؛طيلة أسبوع كامل ابتداء من 15 فبراير الماضي؛كأن هذه المؤسسة هي من ضمن الملك الخاص؛عاملة بذلك على إزعاج رجال الأمن والسلطات المحلية؛الذين حلوا بمقربة الكلية على وجه الاستعجال بتعزيزات أمنية؛مدججين بما يتطلبه الوضع المعلن عنه من إدارة الكلية من سلاح وهراوات؛ضد القلاقل التي تكهنت بوقوعها عمادة الكلية؛وهو ما أرهب بعض الأساتذة وخاصة العنصر النسوي منهم والطلبة والطالبات؛وخلق لهم أزمة نفسية مستمرة. إن إغلاق كلية الشريعة في يوم 15 فبراير الماضي ولمدة أسبوع تزامن مع احتفاء الأساتذة الجامعيين باليوم الوطني للجامعة الذي نخلده في 14 فبراير من كل سنة؛وهو حدث غير مسبوق في تاريخ المغرب؛حيث لم يقم المقيم العام الفرنسي بإغلاق جامعة القرويين حتى في أحلك ظروف عهد الحماية؛ولم تغلق الجامعة المغربية أبوابها حتى في عهد سنوات الرصاص؛حينما كان طلبة كل من الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ذوو الميول الشيوعية والاتحاد العام لطلبة المغرب في الستينيات والسبعينيات يقفون وجها لوجه ضد النظام الأوفقيري من أجل المطالبة بإقرار الديموقراطية وحقوق الإنسان دفاعا عن الجامعة وعن أوضاع الشعب المغربي المتردية. لقد خلخلت عمادة الكلية الرصيد العلمي لطلبة كليات الحقوق في مادة القانون الإداري؛بعد اطلاعهم على أعمدة الصحف الوطنية على أن لا زال بالمغرب من يتعالى على القانون ويخرقه بإصرار وترصد؛دون حسيب أو رقيب؛كأننا في عهد الغاب والإقطاع أو الفيودالية؛مما سنكون معه نحن الأساتذة مضطرين؛عند الإبقاء على العمادة الحالية في منصبها الحالي بالكلية والرئاسة؛لرفع دعوى أمام القضاء الإداري بفاس؛مطالبين فيه بمتابعة عمادة الكلية على قرار الإغلاق الخاطئ من جهة؛ومتابعتها عما لحقنا من ضرر نفسي ومعنوي من جراء ترهيبنا بالإنزال الأمني واستقدام البوليس وإغلاق الكلية لأسبوع كامل من جهة ثانية؛وهو ما تم ضبطه من لدننا قضائيا باستقدام مفوض عاين وسجل حالة إغلاق الكلية بشكل غير قانوني. بعد أسبوع كامل تحت وابل من الأمطار والزمهرير والعواصف العاتية؛وبعد قرار الأساتذة بالدخول في إضراب مفتوح؛والمطالبة بإقالة العميد ونائبه؛وإيفاد لجنة للتحقيق وأخرى للافتحاص المالي والإداري؛وبعد تقديم شكايات أخرى بعد مئات الشكايات السابقة عديمة الجدوى إلى الوزارة الوصية من أساتذة شعبتي الكلية والمسلك والماستر وأعضاء مجلس الكلية والمكتب المحلي للنقابة الوطنية للتعليم العالي؛وبعد بروز عشرات المقالات على أعمدة الصحف الوطنية؛كالمعتاد منذ شهور عديدة؛بعث وزير التعليم العالي بلجنة عالية المستوى للمرة الثالثة؛من أجل معاينة الواقع المزري للكلية ومقابلة الأطراف الثلاثة الأساسية فيها من مدير المؤسسة والأساتذة والطلبة. وإن اللجنة المديرية اقتنعت بأن الظروف بالكلية وصلت إلى الباب المسدود ؛خاصة بعد تمادي العمادة في تجاوزاتها الإدارية والبيداغوجية والمالية؛بإعلان الأساتذة عن الدخول في إضراب مفتوح؛وتجميد عضويتهم في كل هياكل الكلية التقريرية الإدارية والعلمية والبيداغوجية؛مطالبين بإقالة العميد من مهامه الإدارية بالكلية وبجامعة القرويين؛وبإيفاد لجنة للتحقيق وافتحاص التدبير الإداري والمالي للكلية؛بعد اتخاذ العمادة لعدة قرارات فردية من خارج المؤسسات التقريرية للكلية في مجالي صرف المال العام؛والتسيير الإداري الذي شابته أخطاء لا يزال الأساتذة يؤدون ضريبتها لحد الآن؛وإن الأساتذة إذ يتشبثون بمطالبهم هذه؛يطالبون الإدارة المركزية عند تعذر اتخاذها لقرار تأديبي في حق العميد بالانتقال إلى مؤسسات جامعية أخرى؛مع مواصلة الحق في متابعة العمادة أمام القضاء عن الأخطاء القانونية التي كبدتهم العديد من الخسائر والنتائج الوخيمة؛علما أن 800 طالبا دخلوا بدورهم في إضراب مفتوح؛ويطالبون برحيل العميد وعند عدم تحقق ذلك يهددون بسحب شهاداتهم والتوجه بها إلى مؤسسات جامعية أخرى. لا تزال الإدارة المركزية بعد الدخول في الأسبوع الرابع من الإضراب المفتوح لم تقرر بعد ما يمكن أن تقرره في حق عمادة الكلية؛مما يدفع اليوم بالأساتذة إلى تصعيد احتجاجهم ورفع قضيتهم إلى مستويات عليا؛من أجل إنصاف هيئة الأساتذة بالكلية وإعادة الاعتبار إليها؛كإحالة موضوع الكلية كمؤسسة إدارية على البرلمان الذي يخوله الفصل 42 من الدستور الحق في المطالبة بلجنة تقصي الحقائق؛أو على أنظار مؤسسة الوزير الأول بصفته رئيسا للحكومة يتحمل مسئولية قانونية عما يصدر عن مؤسساته الإدارية؛كما ان من غير المستبعد إحالة الموضوع على أنظار الديوان الملكي؛دون إغفال طرح النازلة أمام القضاء بشكل مواز لهذه التظلمات الإدارية. لقد أقر جلالة الملك حفظه الله المفهوم الجديد للسلطة؛والذي من مقوماته الحرص على سياسة القرب من المواطنين والحكامة الإدارية في أداء الخدمات وعدم تجاوز المسئولين الإداريين مدة أربع سنوات في نفس المكان؛وهي سياسة حكيمة يبدو معه أن الإدارة المركزية تعذر عليها تطبيقها في حق مسئولي كلية الشريعة بفاس وجامعة القرويين؛بحجة أن الجامعة تحظى بوضع إداري خاص؛وهو الوضع الذي سمح بتفشي الاختلالات الإدارية وبتجاوز القانون؛كأن جامعة القرويين هي جامعة خارج المنظومة القانونية للقانون 00 01؛مما تصنف معه اليوم في آخر مراتب الترتيب الجامعي على مستوى البحث العلمي والاستقطاب الطلابي؛مما يتساءل معه المرء:ألا يكون وراء ذلك فعل فاعل؟وأليس ذلك بوحي من جهة ما؟ضدا على القرويين وماضيها التاريخي في إصلاح المغرب وإنقاذه من الجمود والتقليد بفضل الاجتهاد الفقهي للعلماء والحركة الوطنية؟أليس ثمة حبك لسيناريو معين يتوخى معه البعض عزل الجامعة عن محيطها المجتمعي والعلمي والإسلامي والقذف بها إلى جهة ما تكون هي الوصية عليها خارج منظومة التعليم العالي؟ إن دخول جمعيات حقوق الإنسان وجمعيات المجتمع المدني على الخط بتضامنها مع أساتذة الكلية والطلبة يبرر ضرورة استعجال كل تدخل مركزي قبل فوات الأوان؛ومحاسبة مخالفي القانون وخالقي البلبلة في البلاد؛فالوضع في المغرب يفرض اليوم أكثر من أي وقت مضى تهدئة الحركات الاحتجاجية وإخماد الاضطرابات والقلاقل الاجتماعية؛للظهور موحدين وراء جلالة الملك في إطار من الطمأنينة والاستقرار والسكينة الاجتماعية؛من أجل مواجهة التحديات وعراقيل الخصوم وخاصة بشأن قضية وحدتنا الترابية.