دروس وعِبر للمستقبل.. الكراوي يقارب 250 سنة من السلام بين المغرب والبرتغال‬    أخنوش: فقدنا 161 ألف منصب شغل في الفلاحة وإذا جاءت الأمطار سيعود الناس لشغلهم    طنجة.. توقيف شخص بحي بنكيران وبحوزته كمية من الأقراص المهلوسة والكوكايين والشيرا    عمره 15 ألف سنة :اكتشاف أقدم استعمال "طبي" للأعشاب في العالم بمغارة الحمام بتافوغالت(المغرب الشرقي)    "المعلم" تتخطى مليار مشاهدة.. وسعد لمجرد يحتفل        الإسبان يتألقون في سباق "أوروبا – إفريقيا ترايل" بكابونيغرو والمغاربة ينافسون بقوة    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    أخنوش: حجم الواردات مستقر نسبيا بقيمة 554 مليار درهم    الجديدة.. ضبط شاحنة محملة بالحشيش وزورق مطاطي وإيقاف 10 مشتبه بهم    استطلاع رأي: ترامب يقلص الفارق مع هاريس    هلال يدعو دي ميستورا لالتزام الحزم ويذكره بصلاحياته التي ليس من بينها تقييم دور الأمم المتحدة    النجم المغربي الشاب آدم أزنو يسطع في سماء البوندسليغا مع بايرن ميونيخ    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا الخميس والجمعة المقبلين    حصيلة القتلى في لبنان تتجاوز ثلاثة آلاف    سعر صرف الدرهم ينخفض مقابل الأورو    البحرية الملكية تحرر طاقم سفينة شحن من "حراكة"    استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب    الجفاف يواصل رفع معدلات البطالة ويجهز على 124 ألف منصب شغل بالمغرب    المعارضة تطالب ب "برنامج حكومي تعديلي" وتنتقد اتفاقيات التبادل الحر    «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    تعليق حركة السكك الحديدية في برشلونة بسبب الأمطار    في ظل بوادر انفراج الأزمة.. آباء طلبة الطب يدعون أبناءهم لقبول عرض الوزارة الجديد    إعصار "دانا" يضرب برشلونة.. والسلطات الإسبانية تُفعِّل الرمز الأحمر    الجولة التاسعة من الدوري الاحترافي الأول : الجيش الملكي ينفرد بالوصافة والوداد يصحح أوضاعه    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    مريم كرودي تنشر تجربتها في تأطير الأطفال شعراً    في مديح الرحيل وذمه أسمهان عمور تكتب «نكاية في الألم»    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سيدة وإصابة آخرين في انفجار قنينة غاز بتطوان    عادل باقيلي يستقيل من منصبه كمسؤول عن الفريق الأول للرجاء    الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.. تجسيد لأروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي لاستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية    أمرابط يمنح هدف الفوز لفنربخشة        متوسط آجال الأداء لدى المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 36,9 يوما    "العشرية السوداء" تتوج داود في فرنسا    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    بالصور.. مغاربة يتضامنون مع ضحايا فيضانات فالينسيا الإسبانية    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    مدرب غلطة سراي يسقط زياش من قائمة الفريق ويبعده عن جميع المباريات    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    تقرير: سوق الشغل بالمغرب يسجل تراجعاً في معدل البطالة    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر        فوضى ‬عارمة ‬بسوق ‬المحروقات ‬في ‬المغرب..    ارتفاع أسعار النفط بعد تأجيل "أوبك بلس" زيادة الإنتاج    استعدادات أمنية غير مسبوقة للانتخابات الأمريكية.. بين الحماية والمخاوف    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: للفلسطينيين الحق في النضال على حقوقهم وحريتهم.. وأي نضال أعدل من نضالهم ضد الاحتلال؟    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدونتان: الالتقاء والخصائص..؟
نشر في العلم يوم 19 - 02 - 2010

نظمت المرأة الاستقلالية في مدينة الدار البيضاء ندوة حول مدونة الأسرة الحاصلة والآفاق وقد شارك صاحب ركن حديث الجمعة بعرض في هذه الندوة، وكان العرض مرتجلا وقد ألح الإخوة والأخوات الذين سمعوا العرض في حينه على نشره على أعمدة جريدة «العلم» وها أنا أفعل تلبية لهذه الرغبة مع الإشارة إلى أن العرض تناول قضايا كانت ولا تزال تستأثر باهتمام الباحثين والمهتمين بقضايا المرأة والأسرة في المجتمع العربي المسلم نظرا لما يتعرض له المجتمع العربي المسلم، من غزو ومن إثارة لشبهات ومشاكل ترجع في أكثرها إلى محاولة إيجاد انفصام بين المجتمعات الإسلامية والشريعة بما يتم اصطناعه واختلاقه من خلافات وزرعه من تساؤلات مغرضة تتحول إلى شبهات كما قلنا وفيما القسم الأول من العرض.
الأخت رئيسة منظمة المرأة الاستقلالية الإخوة أعضاء اللجنة التنفيذية والمركزية والمجلس الوطني الإخوة والأخوات المحاضرات المساهمات في الندوة الحضور الكريم:
مرجعية الأسرة المغربية
بادي ذي بدء أود أن أقول إنني أتكلم بصفتي أحد الناس من المجتمع المغربي المهتمين بموضوع الأسرة لأني أولا وأخيرا رب أسرة، ولا علاقة لما سأقوله بالصفة السياسية المثبتة في الورقة التي بين أيديكم، أنا هنا أتكلم كرب أسرة وكواحد من أفراد المجتمع المغربي مهتم بشؤون الأسرة، أما الكلمة السياسية في الندوة باسم الحزب فالمكلف بإلقائها هو أخونا الأستاذ شيبة ماء العينين، ونحن في انتظار وصوله وسأنطلق في كلمتي هذه من قول الله تعالى »يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام« ومن قوله تعالى وهي آية سابقة على هذه الآية (فاستجاب لهم ربهم اني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) ومن قوله سبحانه: (من يعمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) فنحن في المجتمع المغربي المجتمع المسلم الذي دان ويدين بالإسلام منذ أربعة عشر قرنا تبقى المرجعية الأساسية والأولية بالنسبة إلينا هي الشريعة الإسلامية المحفوظة في مصدريها الأساسين القرآن والسنة، وكذلك الاجتهادات التي سارت وفق مقاصد هذين الأساسين أو هذين المصدرين ولذلك فالمجتمع المغربي منذ بدايته اهتدى بهدي الإسلام في معالجة قضايا الأسرة وفي معالجة العلاقات بين الرجل والمرأة، لان المجتمع المغربي هو مجتمع بنى حياته على أساس قول الله تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة«.
أركان الأسرة المسلمة
فالأساس في المجتمع المسلم هو البناء على التساكن وعلى المودة وعلى الرحمة وهذه الكلمات الثلاث التساكن والمودة والرحمة إذا توفرت في مجتمع ما كيف ما كان هذا المجتمع، لأن القرآن والإسلام يشرعان للإنسان أي إنسان وليس للمسلم فقط ذلك لأنه إذا كانت المرجعيات التي يعتبرها البعض كونية هي موضوعة وخاضعة في نفس الوقت لميزان القوى بين الدول والحكومات والشرائح الاجتماعية التي تضعها فإن التشريع الإسلامي الذي هو تشريع من خالق (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) هو تشريع لمصلحة الإنسان أي كان هذا الإنسان فإذا أخذ بهذا التشريع واستظل بطله فإنه سيحقق له المصلحة والعدل، فإذا حاولت أن تبحث في كل المواثيق الموضوعة والمرجعيات الموضوعة لدى الإنسان مهما كد واجتهد ان تجد فيها الخروج عن غاية السعي للوصول إلى التساكن أي التعايش أو العيش في حميمية وعن المودة فاستعمال كلمة المودة والرحمة لم تأت عفوية في هذا المجال انك إذا دققت في الألفاظ والكلمات التي يمكن أن تستعمل لتصف العلاقات التي يجب أن تسود بين الزوجين وبين أفراد الأسرة بصفة عامة لن تجد كلمات من شأنها أن تؤدي المعاني الدقيقة التي تؤديها هذه الكلمات لأنه مهما كان التطور الذي يحصل بين الناس في أنظمة الزواج وغاياته وأهدافه فإن التساكن بين الرجل والمرأة وشعور كل واحد منهما بالسكينة والاطمئنان في حضن الأخر وبمعيته باستمرار، وحتى عندما يفتر هذا التساكن لسبب أو لآخر فإن المودة والرحمة بين الرجل والمرأة صفتان لهما طابع الاستمرار وهو ما عبرت عنه آيات أخرى كثيرة نجد معناها واضحا في قوله تعالى وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فسعى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كبيرا إلى قوله تعالى: (وقد أفضى بعضكم إلى بعض) هذا الإفضاء يجعل المودة والرحمة تستمران مهما ضعف التساكن وقلت دواعيه المادية فإن المودة والرحمة تعيدان الدفء إليه بكل تأكيد لذلك كانت هذه الكلمات الثلاث هي أساس بناء الأسرة في المجتمع المسلم وهو المجتمع المغربي، مجتمع مسلم وقد عبر القرآن تعبيرا آخر جامعا عندما قال سبحانه: (هن لباس لكم وانتم لباس لهن).
ومن هنا نجد أن المدونة سواء مدونة الأحوال الشخصية القديمة أو مدونة الأسرة حاليا قد انطلق كلاهما من هذه الأرضية انه يمكننا أن نسأل عندما وضعت مدونة الأحوال الشخصية عام 1957 كيف كان المجتمع المغربي؟ ما هي الوضعية التي كان يوجد عليها آنذاك وهو الذي خرج مباشرة من ربقة الاستعمار إلى فضاء الحرية والاستقلال.
المجتمع المغربي وتقنين الفقه الإسلامي
فالمجتمع كان مجتمعا لا يوجد فيه نص مقنن للشريعة الإسلامية إذ كان الفراغ من حيث التقنين في هذا الباب. والذي كان مقننا هو ما يتعلق بالعقود والالتزامات منذ سنة 1913 وهو ما لا يزال مع التعديلات التي أدخلت عليه ساري المفعول، ولكن في مجال التشريع الإسلامي كان الحكم يصدر بمقتضى اجتهاد القاضي حيث كانت هناك مصادر مضبوطة يرجع إليها القاضي: خليل وشراحه والتحفة وشراحها، ولكن لكل قاض أن يجتهد ليصدر حكما أو فتوى بما يناسب الحالة التي أمامه، ومن طبيعة الحال هذا يعطي فرصة ويتيح للقاضي أو الحاكم أن يتصرف وفق ما يمليه عليه ضميره أو اجتهاده، وضمير القاضي شرعا ينبغي ويجب أن يكون متمسكا وباحثا عن العدل بكل مدلولاته، (بطبيعة الحال العدل المطلق هو لله وحده وهو غير موجود في الدنيا ولكنه المطلوب من القاضي أن يكون كذلك وفقا للحديث المعروف والمشهور »القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة على أساس أن القضاء شيء صعب وشيء دقيق فيجب أن يمارس ممارسة مضبوطة ودقيقة ولاشك أن الإخوة الذين سيتحدثون في هذا الموضوع سيوفونه حقه، ولكنه مع ذلك بجانب الشريعة كانت هناك أعراف، والاستعمار الفرنسي في بعض المناطق في المغرب شجع أعرافا مجانبة للشريعة الإسلامية ومجافية لمبدأ العدل ولمبدأ الإنصاف الذي تبنى عليه حتى الأعراف، لأن الأعراف هي: عادة قبل ان تصير أعرافا ومواد مقننة فهي تتوخى العدل والإنصاف وهي مقتضى قول الله تعالى: »ان الله يأمر بالعدل والإحسان« العدل والإحسان هنا هو الإنصاف إذ لابد أن يكون العدل مقترنا بالإنصاف والأعراف في بعض الأحيان وفي مناطق كثيرة منها جوانب ايجابية نسبيا والكد والسعاية المعمول بهما في بعض المناطق كان لهما نوع من الإنصاف للمرأة ولكن بجانب هذا نفسه وفي نفس المنطقة بل في نفس المناطق يوجد حرمان المرأة من الإرث بحيث هناك أعراف مغربية تحرم المرأة من الإرث بجانب هذا كانت هناك كذلك أعراف هي من الناحية المجتمعية جيدة وهي أنها تكاد تسقط الصداق بحيث تلتزم فقط بما يعتبر اقل الصداق شرعا وهو ربع دينار حسب التقويم. هذه الأعراف التي كانت موجودة عندنا والتي قد لا يحكم بها القاضي بل يحكم بها مجموعة من الناس وهي ما كان يسمى بأهل العرف أو الجماعة، فكانت المرأة بطبيعة الحال تعاني الظلم من جانبين جانب الأعراف وجانب القضاة الذين لا يتقيدون بنص ولكنه مع ثقل إرث الانحطاط والتخلف والانحراف عن الشريعة ومقاصدها، إذن كان وضع المرأة المغربية وضعا ليس على ما كان ينبغي أن يكون عليه وفقا لأحكام الشريعة.
الملكية والحركة الوطنية والنهوض بالمرأة
بل كان أول ما صدم الشباب المغربي الناهض في عشرينات القرن الماضي ومن هنا فالحركة الوطنية وهي حركة نهضوية اجتماعية تتوخى بناء المجتمع المغربي على أساس العدل وعلى أساس الشقين اللذين يتكون منهما المجتمع أو العنصرين الذين يتكون منهما المجتمع وهما الرجل والمرأة هذا هو الشرع. إنني أتكلم في هذه المناسبة عن الحركة الوطنية المغربية لأنها بالفعل امتازت بأن الذين قادوا هذه الحركة كانوا علماء مسلمين وعندما أقول ذلك فأنا لا استبعد أحدا ولا أجعل أحدا من المواطنين المغاربة خارج الإسلام، ولكن أقصد الإسلام الذي ينسجم مع نفسه ومع أفعاله، فهؤلاء الرجال الذين قادوا الحركة الوطنية المغربية كانوا علماء كما قلت وكانوا يخافون الله وكانوا يقدمون كل شيء في سبيل إسعاد مجتمعهم، وما نسمعه اليوم أو ما نقرأه أو ما يتحدث به بعض الناس في محاولة فلسفة الحركة الوطنية أو محاولة إسقاط بعض المفاهيم أو بعض النظريات في تحليل رجالات الحركة الوطنية أو مواقف الحركة الوطنية في نظري يعتبر تعسفا لأن هؤلاء يُقَوِّمون بتفكير غربت و وفق نظريات اجتماعية أحدثت بعد ذلك أو كانت موجودة في ذلك الوقت بقدر ما كانوا يحاولون إنقاذ المجتمع بتقديم أنفسهم ضحايا وفداء لهذا المجتمع.
ان الذين يحاولون اليوم ان يفلسفوا ويحللوا وفق مقاييس مكتبية ونظريات الأهواء هم فقط يظلمون الحركة الوطنية ويظلمون رجالاتهم أقول هذا لأقول أنه بمجرد استقلال المغرب كان الشغل الشاغل لهؤلاء الرجال وفي مقدمتهم العالم المجاهد المجتهد علال الفاسي هو تقنين قانون يتضمن أحكام الشريعة وكان الملك الصالح محمد الخامس طيب الله ثراه بما عرف فيه من قيادة سفينة النهضة المغربية ورعاية تقدم المرأة وخروجها من وهدة التخلف لتكون بجانب شقيقها الرجل رافعين أساسيين لبناء الاستقلال كما كانا كذلك في الكفاح والنضال من أجل الحرية والانعتاق على موعد مع التاريخ فأسس لجنة تدوين الفقه الإسلامي وفي مقدمة ما يجب تدوينه مدونة الأحوال الشخصية، وهي مدونة أخرجت المرأة والأسرة والمغربية مما كانت تتخبط فيه من وضع غير مناسب وغير لائق.
وقد تعهد المرحوم الحسن الثاني هذه المدونة وبادر إلى إدخال تعديلات مهمة عليها في عام 1993م غير أنها لم تكن كافية وجاء محمد السادس بما يحمله من طموح وأفكار وإرادة للتقدم وتجاوز معيقات هذا التقدم فاهتم بالأسرة المغربية فكانت لجنة مراجعة المدونة ولابد من الإشارة كذلك إلى وجود بصمات الحركة الوطنية ممثلاته في شخصية قانونية وسياسية هي الأستاذ محمد بوستة الأمين العام السابق وعضو مجلس الرئاسة لحزب الاستقلال الذي بذل مجهودا لتقريب وجهات النظر حتى خرجت المدونة الحالية كما هي اليوم. ويمكن بعد هذا أن نتساءل ما هي أهم ميزة لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية؟ وما هو الشيء الذي أتت به المدونة الجديدة مدونة الأسرة بالنسبة للمدونة القديمة مدونة الأحوال الشخصية؟
من ميزات المدونة الجديدة
يمكن جمع كل ما جاءت به باستثناء بعض الإجراءات في لفظ اسمه المساواة أي المساواة بين الرجل والمرأة؟ فمدونة الأحوال الشخصية كانت تقول: ان الزواج هو ميثاق ترابط وتساكن بين الرجل والمرأة غايته المودة والإحصان والعفاف وبناء الأسرة تحت رعاية الزوج. هذه الرعاية أزحناها وأحللنا مكانها رعاية الزوجين ويمكن إضافة أمور أخرى جاءت فيها المدونة بالمساواة نذكر منها ما يلي:
1 _ الولاية بالنسبة للفتاة الرشيدة
2 _ المساواة في سن الزواج
3 _ الطلاق وحل ميثاق الزوجية للزوجين معا وفق شروط معينة
4 _ تسوية بين الحقدة في الوصية الواجبة سواء كان من الابن أو البنت
هذه في مجال المساواة يضاف إلى ذلك حماية حق الطفل في النسب وتقييد التعدد بما يضيف في مجاله والتوسع في تدخل النيابة العامة في بعض الأمور.
ويمكن أن نتساءل من تأليف أن هؤلاء يقصدون تفعيل دور المرأة وجعله أساسيا لأنه عندما نقرأ كتاب التقريب مقرر مدونة الأحوال الشخصية. هو شرح لها وهو دروس ألقاها الأستاذ علال الفاسي رحمه الله في كلية الحقوق وفي كلية الشريعة في جامعة القرويين، هذا الكتاب التقريب هو في تكميل للمدونة لان الأفكار التي لم تكن ناضجة لتدخل في نطاق التقنين الجديد جاءت في الشرح وخصوصا فيما يتعلق بالمرأة وعلاقتها بالرجل، لا يمكن النظر إلى هذا المرجع بمفرده أي شرح المدونة (التقريب)، ولكن ينظر إليه مع كتاب النظرية العامة للفقه الإسلامي ومقارنتها بالقانون الوضعي، هذا الكتاب مضموم إليه كذلك النقد الذاتي أي ثلاث كتب أساسية: النقد الذاتي وهو وضعه الأستاذ علال سنة 1949. والتقريب شرح مدونة الأحوال الشخصية والنظرية العامة للفقه الإسلامي، والنظرية العامة تطرح إشكالية مشاركة المرأة في العمل السياسي وهي المساواة في أهم أمر يهم سير الشأن العام.
تطرح مشكلة تولي المرأة لمنصب رئيسة حكومة لأن الأستاذ علال الفاسي يقول ما دامت المرأة اعتبرت نبية ما دام قد خاطبها الوحي (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي).
عندي هنا نصوص سأحاول ضمها للتدخل عند النشر تنويرا للناس الذين لم يقرأوا ما كتبه المرحوم علال الفاسي في هذا الموضوع:
المرأة و الاجتهاد الفقهي
يقول الأستاذ علال الفاسي وهو يناقش فقهاء الشرق وعلماءه وغيرهم في موضوع مساواة المرأة للرجل وحقها في أن تكون ناخبة ومنتخبة ومن أهل الحل والعقد وقد استعرض ما كانت عليه الصحابيات في صدر الإسلام على النحو التالي:
1 - ليس في الإسلام ما يمنع من اعتبار المرأة مشاركة في الشورى، ولا من مشاورتها والعمل برأيها أن أصابت، وذلك لأنها ممن يباح لها الاجتهاد في الأحكام ويؤخذ بفتواها. وقد كانت عائشة أم المؤمنين من اعلم الناس بالفقه وأقواهم اجتهادا فيه. قال ابن حزم يمكن أن يجمع من فتيا عائشة سفر ضخم، وقال عروة ما رأيت أحدا اعلم بفريضة، ولا بحلال ولا بحرام ولا بفقه من عائشة. وقال عطاء كانت عائشة أفقه الناس واعلم الناس. ومن المفتيات المجتهدات غير عائشة من أمهات المؤمنين أم سلمة وحفصة وصفية وجويرية وحبيبة وميمونة، ومنهن كما عند ابن حزم أم أيمن وأم يوسف الغامدية وفاطمة بنت النبي وغيرهن.
وكانت عائشة ذات رأي قوي في الشؤون العامة يرجع إليها في ذلك، حتى قال عطاء: كانت عائشة أحسن الناس رأيا في العامة.
ولم تترك عائشة زمن خليفة من الخلفاء الذين كانوا في عصرها، التدخل في الشؤون السياسية العامة تارة مؤيدة، وتارة معارضة حتى خاضت معركة الجمل ومعها عديد من الصحابة فيهم طلحة والزبير، وحتى قال علي عنها، لو كانت امرأة خليفة لكانت عائشة.
2 - وقد شاركت نسيبة بيت كعب أم عمارة إحدى نساء بني مازن بن النجار وأسماء بنت عدي بن عمرو بن نابي وأم منيع إحدى نساء بني سلمة في بيعة العقبة الثانية، وكانت على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، وعلى ان يرجل الرسول إليهم وهي مبايعة المؤمنين الأولين لرئيسهم ورسولهم.
3 - وشارك النساء أيضا في بيعة الرضوان تحت الشجرة على الموت وعدم الفرار حين توجه علي السلام إلى مكة وأجرى صلح الحديبية.
4 - وقد كانت بيعة الرجال على بيعة النساء المنصوص عليها في القرآن: على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينه في معروف، وذلك ميثاق واثقن به الرسول عليه السلام.
5 - وقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة أم المؤمنين في غزوة الحديبية حينما أمر أصحابه بالنحر والهدى ثلاث مرات والحلق والإحلال فعصوا أمره وتلكأوا في تنفيذه وطلب رأيها، فأشارت عليه أن يعطيهم القدوة من نفسه فيخرج ويصنع هو ما طلبه منهم فلما فعل، استجابوا له واقتدوا به واكب بعضهم يحلق بعضا حتى كادوا ان يغموا بعضهم من شدة الزحام.
6 - وأراد عمر بن الخطاب ان يحد من صدقات النساء، فقالت له امرأة في المسجد ليس لك ذلك يا أمير المؤمنين، لأن الله يقول: أو أتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا. ولو لم يكن يصح إعطاء المرأة القنطار في صداقها لما ذكره الله في كتابه فقال عمر امرأة أصابت ورجل أخطأ. ورجع لرأيها.
7 - واستشار عبد الله بن الزبير أمه أسماء في حرب الملك والحجاج ومن خرج معهما عليه فقالت له: ان خرجت لإحياء كتاب الله وسنة رسول الله فان الشاة لا تعذب بالسلخ، فمت على الحق. وان كنت إنما خرجت على طلب الدنيا فلا خير فيك حيا ولا ميتا، يا بني مت كريما ولا تستلم.
المرأة والقضاء والنبوة
لعلنا لا نزال نذكر ونتابع الصراع الحاد والحاصل بين الفقهاء وقادة الرأي في بعض البلاد الإسلامية في الشرق العربي حول تولي المرأة للقضاء وهو أمر لم يكن له وجود في المجتمع المغربي وقبل النقاش الدائر حاليا ناقش الأستاذ علال الفاسي الموضوع على النحو التالي:
1 - وقد حمل بعض المؤلفين المصريين على إخوان لهم دعوا إلى تولية المرأة القضاء واعتبر ذلك مساسا بالدين مع انك رأيت العديد من أئمة الإسلام يقولون بذلك ويستدلون له. وقد كان في جملة ما قاله هذا المؤلف للاستدلال على عدم إباحة اشتراك المرأة في الولايات كانت قضاء أو نيابة أو تصويتا، انه لأمر ما لم يرسل الله نبيه من النساء ولم يحك التاريخ الاشواذ من الجنس الناعم قمن بأعمال ضخمة على حين شحنت صفحاته بأسماء الرجال.
وهو كلام غريب، لان التاريخ سجل للمرأة عددا كبيرا من الأعمال في مقدمتها تربية كل الرجال، وإذا كانت الظروف التاريخية جعلت ادوار الرجل أقوى من أدوار المرأة فلعل الله يحدث في العالم تقدما يفسح المجال للمرأة لتسجل من أعمالها الشيء الكثير واما النبوة: فقد ذهب الإمام الأشعري ورواه ابن عبد البر والسهيلي عن أكثر الفقهاء ان في النساء عدة نبيات، وروى القرطبي عن النبي صلى الله عليه وسلم ان في النساء أربع نبيات: حواء وآسية وأم موسى ومريم .
وقال ابن حزم: النبيات ست، حواء وسارة وهاجر وأم موسى وآسية ومريم.
ويشهد لنبوة المرأة من القرآن قوله تعالى: (إذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم). وقوله: (انما رسول ربك لأهب له غلاما زكيا) وقوله تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى ان ارضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني)، وقوله تعالى في زوجة إبراهيم (وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، قالت يا ويلتا آلدا وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا، ان هذا لشيء عجيب، قالوا أتعجبين من أمر الله).
إذا كانت المرأة كما رئينا في النصوص أعلاه تستشار في قضايا عامة ودينية وشرعية وتتلقى الوحي فكيف لا تكون مساوية للرجل في قيادة سفينة الأسرة التي لم تكن مطروحة أبدا في المجتمع الإسلامي آنذاك. ولم تكن المرأة تسري في ذلك نقصا أو التقليص من دورها. هؤلاء السادة العلماء أو كما قالت الأخت نعيمة كان المجتمع المغربي بحكم ثقافته ووعيه في موضوع بالعلاقات الأسرية يحتاج إلى شيء من الوقت ولكن عمليا هل تغير شيء داخل الأسرة المغربية بنص المدونة على هذه المساواة؟ بالطبع هناك راحة نفسية وهناك تلبية لحاجة عند الحركة النسائية. والحركة النسائية بالنسبة للمغرب الحركة الوطنية هي التي أوجدتها نحن في حزب الاستقلال وأنا أتكلم عن الحركة الوطنية باسم حزب الاستقلال كذلك لأنه بعد ذلك وبصفة خاصة بعد مؤتمر ميكسيكو إلى مؤتمر بكين تأسست أمور أخرى بحيث كانت الحركة النسائية تقدمت وتجاوزت كل المجتمعات العربية والمجتمعات الإسلامية لان المغرب وحده كان يملك أستاذات عالمات متخرجات من جامعة القرويين؛ لم يكن الأزهر ولا مؤسسات علمية دينية أخرى فتحت المجال أمام المرأة، ولكن هناك عالمات متخرجات من جامعة القرويين بفضل الحركة الوطنية ويمكن لهاته العالمات ان يفتين ويناقشن ويجتهدون فيما يتعلق بالفقه الإسلامي،ثم إننا في المغرب لم تكن عندنا كليات لغاية 1957-1958 بدأت كلية الحقوق وكلية الأدب تعرفان الخطوات الأولى، ولم تطرح عندنا مشكل تولى المرأة للقضاء كما هو مطروح الآن في المجتمعات العربية الإسلامية ونحن قرأنا رد الأستاذ علال الفاسي على العلماء في الشرق.
وبقية العرض في حديث مقبل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.