"الثابت والمتغير في علاقة الرجل بالمرأة في الإسلام"،عنوان اليوم الدراسي الذي نظمه المجلس العلمي لولاية الدارالبيضاء الكبرى يوم السبت 8 محرم 1423 الموافق 23 مارس 2002 بمشاركة ثلة من العلماء والمفكرين والأساتذة ، وقد عرف حضورا مكثفا.وفي سؤال للتجديد للأستاذ عبد الله الشرقاوي عضو المجلس العلمي عن دوافع تنظيم هذا اليوم الدراسي أجاب: «اخترنا هذا الموضوع لأنه موضوع اللحظة والساعة والمجلس العلمي مطالب منه أن يتابع الساحة وأن يفتح الحوار على جميع الفعاليات بأنواعها باعتبارها مؤسسة يرأسها أمير المؤمنين، ليكون هناك حوار علمي في إطار الشريعة والمرجعية الإسلامية خاصة أن هناك في الساحة والواقع من لا يفرق بين ما هو ثابت في الشريعة وبينما هو متغير، لذلك نظمنا هذا الملتقى، والمجلس العلمي مطالب أن يجمع ولا يفرق في إطار الاتجاه الإسلامي المعتدل الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم». الجلسة الصباحية تناول الكلمة في الفترة الصباحية كل من الدكتور محمد عز الدين توفيق والدكتور عبد اللطيف هداية الله، وتطرق الدكتور محمد عزالدين توفيق في عرضه «تأملات في حديث: «النساء شقائق الرجال» إلى الدلالات التي تحملها كلمات الحديث الشريف، لأن قضية المرأة فرضت نفسها على الأمة، وظهرت نضالات لها توجهات مختلة تريد إعادة النظر فيما يتعلق بالمرأة اجتماعيا وقانونيا وسياسا فإن للإسلام وجهة وله رؤية وتصور ينبني على نصوص قرآنية وأحاديث نبوية وردت بدلالات عامة، فهذا الحديث من النصوص التي يمكن أن يستفاد منها لرسم ملامح هذه الرؤية الإسلامية، وهو واحد من النصوص التي تلخص لنا الرؤية الغائبة للموضوع وتؤصل له هي أقصر طريق، فالمرأة نصف الرجل والرجل نصف المرأة، فعندما يتخلق الجنين في بطن أمه فنصفه يتكون من نطفة الرجل والنصف الآخر من نطفة المرأة، وقال إن هذا هو أصله القريب أما أصله البعيد فهو آدم وحواء.وأشار إلى أن كل النساء شقائق الرجال في كل ما يتفرع عن الآدمية والإنسانية فالرجل والمرأة فيه سواء، أما ما يتعلق بالأحكام العملية فهذه حقوق وواجبات يكون فيها التكامل، وقد تفرض الاختلافات الظرفية في بعض الحقوق والواجبات فإن الإسلام يسير مع الفطرة، فيقرر الاختلاف ولم يجعله أصلا، وخلص إلا أن عقلية الصراع وإثبات الذات عقلية غريبة عن المجتمع الإسلامي، لأن الخطاب الإسلامي جاء للرجال والنساء ما يصلحهم مجتمعين أو متفرقين». ثم أخذ الكلمة بعد ذلك الدكتور عبد اللطيف هداية الله في موضوع: «المرأة بين الشريعة والقانون الوضعي» وتمثل في إبراز مدى سمو الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية انطلاقا من كون بلادنا تعرف تطبيق بعض القوانين الوضعية علاوة على بعض النصوص الشرعية من مدونة الأحوال الشخصية وأشار إلى أن الشريعة الإسلامية ترتكز على منطلقات واضحة يبقى فقط فهم هذه الأحكام وتطبيقها في المجتمع تطبيقا سليما، لأنناإذا نظرنا إلى الأحكام بعين واقعية متبصرة سنجدها كلها تشريف وتكريم للمرأة.إلا أن القوانين الوضعية انطلقت من قوانين كنسية والتي كانت تنظر إلى المرأة نظرة ازدراء وتحقير حيث سيطرت ردحا من الزمان،وظلت المرأة تناضل من أجل حقوقها إلى أن جاءت هاته القوانين المتأخرة والتي أعطت للمرأة حقوقا،إلا أن هذا لم يغير من نظرة المجتمع الغربي إليها، فهو ينظر إليها نظرة تشييء ودونية،وأنه استغل جسدها للتجارة وللاستثمار. وأشارعبداللطيف هداية الله إلى أن الزواج كان في البداية كنسيا ثم تمرد المجتمع عليه،لأنه يريد أن تبقى العلاقة مادية وليست روحية، فانتقل إلى نظام الزواج، فأصبح العقد بينهما كسائر العقود التجارية، ثم أوجدوا نظاما آخر هو نظام المعاشرة اللحظية ليس فيهاأية علاقة مادية أو عاطفية بين الرجل والمرأة». الجلسة المسائية أما في الفترة المسائية فقد عرفت عدة تدخلات شارك فيها كل من السادة الأساتذة: الشيخ عبد الباري الزمزمي والدكتور كمال التوزاني وذة خديجة مفيد وذة بسيمة حقاوي والأستاذ المقرئ الإدريسي أبو زيد. في البداية تناول الدكتور كمال التوزاني موضوع «التكوين العضوي بين الرجل والمرأة» والذي خلص فيه إلا أن هيكل الرجل والمرأة يختلفان الواحد عن الآخر، وأن الاختلاف الحاصل بينهما يعطي لكل واحد منهما ما خلق له، وأن الذكر ليس كالأنثى في التكوين النفسي والبنيوي فكل ميسر لما خلق له «وليس الذكر كالأنثى». ثم أخذت الكلمة بعد ذلك الأستاذة خديجة مفيد في موضوع «بنية الأسرة بين المنظومة الإسلامية والمنظومة الغربية» والذي أكدت فيه أن الاختلاف في المراجع الغربية حول الأسرة قادها إلى إنتاج قوانين من رؤاها الفلسفلية ومن واقعها الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه، انطلاقا من قيمه المتحولة وبنتائج هذه القيم مما يؤدي في كل وقت وحين إلى سن نظم وقوانين تسد هذه الثغرات، بينما في المنظومة الإسلامية هناك اكتمال في كل النظم التي تقنن للحياة إن على المستوى الفكري أو على المستوى القيمي النفسي أو على مستوى التمثلات السلوكية.ولكن العيب في واقعنا المتخلف وليس في خرم المنظومة وهو عيب في الاجتهاد، وفي الخلط الحاصل عند المسلمين بين تقاليد بالية لا علاقة لها بالدين ويلبسونها لبوسا إسلاميا ودينيا مما يجعل التطبيق الواقعي يلتبس على المفكر فيه، ويجعل كذلك للناظر المغرض الذي يريد أن يلحق المجتمع الإسلامي وخاصة في بنيته الأسرية بالمجتمع الغربي سندا في هذا الواقع المخروم والتخلف عن مرجعيته الإسلامية. وتكلمت عن خصائص الأسرة في المنظومة الإسلامية، ولماذا هناك الآن صيحة من طرف نخبة لتغيير قوانين الأسرة؟ ولماذا هناك رفض من طرف القواعد ومن النخب الإسلامية التي لها تشبث بهويتها لهذه الصيحات، هل هو رفض للإصلاح والتغيير أم رفض لتمييع المجتمع ولقتل كل مظاهر هويته». وفي موضوع «التشريعات الإسلامية لصيانة المرأة وحماية موقعها» أكد الشيخ عبد الباري الزمزمي بأن الحديث عن المرأة وتصحيح واقعها ورفع الظلم عنها في العصور الأخيرة، إنما انبعث من صنيع فقهائنا المتقدمين الذين كانوا هم السبب لكي يدخل خصومهم من المستشرقين وأذنابهم في داخل البلاد الإسلامية، وفتحوا لهم الثغرات ليضربوا الإسلام من خلال المرأة،وذلك باجتهادات وضعت المرأة في موقع ربما هو أقل من الحيوان، ومثل لذلك باجتهادات تقول ببيت الطاعة وحق الإكراه للولي الذي جنى على المرأة وشقيت به كثيرا من النساء، بينما لا نجد في السنة نصا صريحا في حق الإكراه للولي والعكس هو الحاصل.وأشار إلى التجاوزات والانحرافات التي عرفت تطبيق بعض الشرائع المتعلقة بالأسرة في المحاكم ومجال القضاء. أماالتشريعات التي شرعها الإسلام لصيانة المرأة وحماية موقعها هي تشريعات كثيرة تشمل الفتاة في بيت أبيها،وتمثل المرأة في بيت الزوجية وفي المجتمع وفي غيرها من المجالات والمواقع،وأعطى مثالا على ذلك بالفتاة في بيت أبيها فقال إن جل الناس يحبذون الذكر على الأنثى ويرغبون في إنجاب الذكر ولو تطلب ذلك عدة ولادات ولكن الإسلام تعامل مع هذا الواقع في الترغيب في تربية البنات منها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «من عال جاريتين حتى يدركا دخل الجنة أنا وهو كهاتين». وحرم الإسلام زواج الكافر من المسلمة لأنه قد يمسها في دينها وقد يؤذيها في عقيدتها وقد يستميلها إلى دينه وملته الباطلة فكان هذا التشريع صيانة وحفظا للمرأة وحفظا لموقعها في وسطها الإسلامي». وكان حديث الأستاذة بسيمة حقاوي في : «الأحوال الشخصية من منظور المنظمات النسائية» حيث أشارت إلى أن المنظمات التحديثية جاءت بمشروع جديد وقامت بقطيعة مع الموروث ومع التراكم الحضاري والثقافي المرتبط بالدين بناءا على واقع تاريخي أوروبي معين، فكان هناك تمركز على الأنوثة وتمركز على الذكورة مما نمَّى صراع النوعين، حتى أن بعض العناصر النسوية تقول بأن العلاقة بين الرجل والمرأة:مواجهة سياسية.وهكذاخرجت إلى الوجود مطالب نسائية تدعو إلى المثلية على أساس الحرية الجامعة بين الرجل والمرأة، وبدأت المرأة تفكر في تحويل جنسها الذي لا ترضى عنه إلى جنس ثالث فقامت بثورة على كل ما هو غريزي وفطري وبدأت بتحقيق مقاصد المواثيق الدولية.ومضت الأستاذة إلى القول إن هذه المطالب في الواقع تخالف المنظومة الشرعية والتشريعية التي قامت على العدل بين الرجل والمرأة منذ بدء الاستخلاف، ومن ثم فنحن نفهم أن المساواة هي مساواة كيانية ومساواة إنسانية يضمنها الدين الإسلامي.وأضافت إن المعركة هي معركة قيم بين المنظومتين، إلا أن المشكلة في البلاد الإسلامية هي ضياع بعض القيم بتضييع الأحكام الشرعية، بل ضاعت حتى بعض القيم التي ليس لها علاقة بالأحكام ولكن لديها علاقة بعزة المؤمن.وذهبت إلى أن الحكومات والأنظمة الآن بدأت تفقدالسيادة لأنها اخترقت وأصبحت الهيئة الأممية تملي قرارتها أحيانا بطريق المقايضة كتنفيذ خطط مقابل تمويلات أو تسهيلات في قروض،أو تبرعات،وأحيانا أخرى عن طريق الاستقواء على هذه المجتمعات المستضعفة.وأكدت أنه إذا استمر نقض عرى الإسلام بهذه الطريقة، نقض الحكم والذي لا نعني به هنا سقوط الأنظمة أو سقوط الخلافة الإسلامية ولكن تعطيل لأحكام لازالت هي الشاهد على أن هذه البلاد إسلامية، وبدأنا نستبدلها بهذه الأحكام الدولية، مماسينتهي إلى نقض عرى العبادة بأي سبب يختلقونه في ذلك الوقت، كما أشارت إلى أن جوهرالخلاف فيماهو مرتبط بالأحوال الشخصية هو اختلاف المرجعية. فالذين يأخذون بالمرجعية الإسلامية يأخذون بالنص ويتمسكون بالأحكام الإسلامية، وعندما يريدون التجديد فهم يمارسون ذلك من داخل النص أما الذين لا يتمسكون بالنص والذين قاموا ثورة عليه فإنهم يأخذون بالمرجعية الغربية التي لها أحكامها الجاهزة انطلاقا من رؤيتهم المتجردة عن الدين وترتكز على الفردانية والتمركز حول الذات». وفي الأخير تناول الأستاذ المقرئ الإدريسي أبو زيد موضوع «الثابت والمتغير في علاقة الرجل بالمرأة» فوقف عند تأملات حول ثلاثة أنواع من العلاقة بين الرجل والمرأة في إطار فهم لجدلية الثابت والمتغير في الحكم الشرعي، فهناك علاقة الإشراف، والقوامة والمسؤولية، وعلاقة التحكم، وقال: إن قدر أي تشريع أن يكون هناك ثابت ومتحول، ولو كان كله ثابتا لجمد وألغى الواقع وانتهى من أن يكون خالدا ولو كان كله متغيرا لما كان هناك جدوى من نزوله عن طريق الوحي ولترك للعقل وحده.وأشار إلى أن الخطر الأكبر في عمليتين تحريفيتين كبيرتين تتمان عدوانا على النص الشرعي وتعطيل لأحكامه ومقاصده، العامل الأول هو تثبيث المتغير، والعملية الثانية هي تغيير الثابت، وقال بأن الثابت والمتغير ثنائية بنيوية خاصة على مستوى تمميزها ومرونتها وإبقائها الشريعة الخالدة التي لم تحرف وهي الشريعة الإسلامية، الثوابت تمثل الهوية والخط العام، والمتغير يمثله المرونة. ومنطق الحياة المتغير للتكيف مع الواقع الصالح لكل زمان ومكان، وأشار إلى أن حركة القدر كلها فيها ثابت ومتغير». وعلى هامش اليوم الدراسي سألت التجديد الأستاذ مصطفى الحيا عن فحوى العنوان الذي اختاره المجلس العلمي ليومه الدراسي الثابت والمتغير في علاقة الرجل بالمرأة في الإسلام؟ فقال: أولا أشكر جريدة التجديد على إتاحتها هذه الفرصة لي، وإن هذا العنوان يلامس بعمق صميم الموضوع الذي نحن الآن بصدده علاقة الرجل بالمرأة ذلك إن القصة هي قصة ثابت ومتغيرات والحكاية هي حكاية ثوابت ومتغيرات في العمق، فالمعركة التي قامت قبل سنتين من الآن حول قضية المرأة هي في الحقيقة صراع حول الثوابت وضد الذين يريدون أن يغيروا بدون أي مرجعية، فنحن لسنا ضد التغيير ولسنا ضد التحديث ولسنا ضد حرية المرأة بصفة عامة، ولكن نحن ضد أي تغيير بدون أي مرجعية إسلامية، فالثوابت هي ثوابت لا تقبل أي نقاش، فحكايتنا مع هؤلاء القوم إلى التغيير السلبي هو تغييبهم وتهميشهم لجانب الحوي في علاقة الرجل بالمرأة، أما بالنسبة لمدونة الأحوال الشخصية التي دار حولها النقاش اليوم والمواضيع التي لامستها، فمدونة الأحوال الشخصية هي جهد بشري معتمدة علي نصوص قرآنية وحديثية ومعتمدة على اجتهادات الأئمة الأربعة، ولكن أن يدخلوا إليها المرجعية الحزبية فهذا ما نرفضه وهذا ما تريده المنظمات النسائية، فهذه المنظمات ليس لها إشكال مع الرجل أو المرأة، إشكالها هو مع هذه الثوابت تريد أن تزعزعها وتزحزحها ولو قيد أنملة.وهذا هو الصراع الذي يدور الآن ومع كامل الأسف أن مثل هذه المجالس العلمية لا تقوم بهذا بكثرة فنحن نطمح أن تكثر من هذه الندوات والملتقيات وأن يحضر التيار الآخر حتى يسمع ويسمع له، فهذا تحول إيجابي في العلاقة بين تيار الهوية وتيار العلمانية الذي يريد أن يجثث هذه الثوابت، وهذا لن يكون ولن يقدرهم الله على ذلك فلن يقع هذا إلا على جثتنا وإلا على دمائنا فلا يمكن أن نسمح بتجاوز الحدود الحمراء ". الحبيب الإسماعيلي