انطلقت أنشطة مؤسسة علال الفاسي في إحياء الذكرى المائوية لميلاد الزعيم علال الفاسي؛وذلك ببرمجتها للعديد من الأنشطة العلمية والثقافية التي تتناول بالدراسة طيلة هذه السنة أهم التحولات التي مر منها المغرب طيلة قرن من الزمن؛بما فيها إسهام الزعيم الإيجابي في تاريخ المغرب المعاصر. ولا ينكر جاحد أن زعيم التحرير علال الفاسي كان أحد بناة ومشيدي الدولة المغربية بمعية رفاقه في حركة الاستقلال والبناء بالحركة الوطنية وجيش التحرير؛حيث عاش مرارة التعذيب والاعتقال والنفي الجبري والاضطراري والاختياري من أجل مصلحة الوطن؛دون إغفال محاولات الاغتيال الفاشلة في حقه؛مما يبرز أنه يستحق أن يحيي له المغاربة قاطبة هذه الذكرى؛لكونه حينما عانى كل هذا العذاب عاناه من أجل تحرير البلاد وانعتاق العباد من قيود الاستعمار؛وعاناه بعد الاستقلال بعدما خاب ظنه فيما تم الحصول عليه من مغرب ناقص السيادة على المستوى الترابي؛من جراء مفاوضات «إكس ليبان»؛وكذا على مستوى الديموقراطية العرجاء المحصل عليها؛بعد الأمل الخائب في الانتقال من مرحلة «اللادستور» إلى مرحلة الدستور؛التي تم فيها تقريب أذناب الاستعمار وضباط الجيش ليكونوا هم حماة النظام والمستفيدون من خيراته وليس رجال الحركة الوطنية وجيش التحرير الذين افتدوا أرواحهم في سبيل استقلال وحرية الوطن. وإن الرجوع بعقارب الزمن قرنا من الزمن إلى سنة 2010 يسمح لنا باستخلاص العديد من الخلاصات عن واقع مغربنا الحبيب الذي له أوجه اختلاف كبيرة عن مغرب اليوم؛وبعض أوجه التشابه عما نعيشه اليوم؛حتى وإن كانت المراجع التاريخية لا تسعف في الاطلاع على أحداث هذه السنة الانتقالية في تاريخ المغرب. إن وضع البلاد سنة 1910 كان وضعا مأساويا بفعل تكالب الاستعمار على المغرب بعد توقيع معاهدة الجزيرة الخضراء سنة 1906؛والتي سمحت بالتهافت على خيرات البلاد واقتسامه بين القوى العظمى؛وهذا ما سمح بتدخل العلماء في بيعتهم المشروطة لمبايعة السلطان عبد الحفيظ ؛بدل أخيه المتراخي المولى عبد العزيز ؛من خلال تعاقد دستوري ديموقراطي يفرض ضرورة استشارة الشعب ونوابه؛في القضايا المصيرية. وعلى المستوى السياسي كانت سنة 1910 سنة فشل مختلف محاولات الإصلاحات الدستورية بفعل التدخل الأجنبي؛الذي كان يضغط بقوة من أجل إخماد فورة وحماس رجال الحركة التصحيحية الإصلاحية في عهد المولى عبد العزيز؛ وعلى رأسهم بعض السلفيين من أمثال محمد بن عبد الكبير الكتاني المتوفى سنة 1910 مدعم للحركة الدستورية وابن المواز محرر وثيقة البيعة الحفيظية؛وغيرهم من علماء جامعة القرويين بفاس؛مما أثار نزعة ثورية وتحررية بالمناطق الجبلية والصحراوية كرد فعل على استسلام المخزن لضغوط القوى الأجنبية على السيادة المغربية. ومما يثير الانتباه أن مغرب 1910 بقدر ما كان يحمل عناصر ضعف على مستوى القيادة كان يحمل عناصر قوة على مستوى قبائله؛لكونه مغربا قرويا بنسبة 90 بالمائة وحضريا بنسبة 10 بالمائة فقط؛تهيمن عليه آفات خطيرة من جراء سوء الحكم؛من جهل وأمية وفقر وامراض وأوبئة؛وهو ما سمح بانتشار البدع والخرافات في هذا الوسط القروي برزت معه بعض زوايا دينية وجماعات طرقية؛منها ما هو وطني جهادي ومنها ما هو صنيع استعماري؛إلى حد أن القوى الأجنبية عامة وفرنسا بصفة خاصة ركزت تخطيطاتها على «سياسة فرق تسد»؛مرة على أساس سياسي بالتفريق بين بلاد السيبة وبلاد المخزن؛ومرة على أساس اقتصادي بتمييز مغرب نافع عن مغرب غير نافع؛ومرة على أساس عرقي بالتمييز بين العرب والأمازيغ؛وخاصة بعد اكتشاف خرائط للجيش الفرنسي أعدتها المراكز العسكرية الفرنسية تفصح عن التكوينة المجتمعية للمغرب؛تفصح عن أن ساكنتها هي بنسبة ما بين 10 و 15 بالمائة من قبائل عربية؛وبنسبة ما بين 40 و45 بالمائة من قبائل بربرية تعربت؛وبنسبة ما بين 40 و45 بالمائة من قبائل بربرية. لقد كانت سنة 1910 إحدى سنوات نضج الحركات الثورية بالجبال والصحاري؛حيث توفي فيها المجاهد الشيخ ماء العينين بتزنيت؛وخلفه ابنه المجاهد الهيبة ماء العينين؛الذي قاوم بشدة بعد استسلام السلطان المولى عبد الحفيظ ؛كما أن هذه المقاومة تأججت شمالا بالريف على يد المجاهد أمزيان وعلى يد المجاهد أمهاوش بالأطلس المتوسط والبطل البوعزاوي بمنطقة الشاوية والبطل بلقاسم أزروال فيما بعد عن قبائل آيت عطا؛وكل هؤلاء استخلفوا بزعماء أشاوس لم تنطفئ شعلتهم إلا بعد الاستشهاد في ساحة المعركة؛كالمجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي بالريف والمجاهد موحى أو حمو الزياني بالأطلس المتوسط وعسو بسلام عن قبائل آيت عطا؛دون إغفال ثورة قبائل بني مطير وزيان وزمور وغيرها؛لم تفلح معها مكائد الخونة وحركات العملاء الكبار مثل كل من الكندافي والمتوكي والتهامي الكلاوي. إن غضب الشعب المغربي سنة 1910 برز بشكل واضح لدى الأمازيغ والصحراويين أكثر مما كان عليه الأمر بالمدن والسهول؛بإيمانهم بأن السلاح هو أقوى لغة في الرد على القوى المستعمرة؛وهو ما سيطول نفسهم فيه إلى سنة 1934 ؛حيث آخر رصاصات سلاح عسو أوبسلام؛مما سيحمل فيما بعد معه طلبة جامعة القرويين وعلماؤها مشعل الكفاح؛وفي طليعتهم الزعيم علال الفاسي بالانتقال إلى مرحلة النضال الوطني الجاد من خلال الخلايا والجماعات المنظمة والحزب الوطني ثم حزب الاستقلال؛وهو ما سيدفع الزعيم ثمنه غاليا بنفيه إلى الكابون تخوفا مما يشكله عليهم من خطورة بالغة.