عقد الفريق الاستقلالي للوحدة و التعادلية بمجلس النواب يوم الأربعاء 13 يناير الجاري بمقر البرلمان، بشراكة مع النقابة الحرة للموسيقيين المغاربة، وبحضور عدد كبير من الفعاليات و الشخصيات العاملة في المجال الفني والثقافي وممثلين عن بعض الفرق النيابية بالبرلمان، إضافة إلى ممثلين عن وزارة الثقافة و وزارة الاتصال والمركز السينمائي المغربي، لقاء دراسيا خصص لدراسة وضعية الفنان المغربي جراء غزو الساحة الفنية المغربية من طرف الفنانين الأجانب، والتفكير في وضع إطار قانوني ينظم المهرجانات الثقافية والتجارية و ينظم طريقة اشتغال الفنانين الأجانب بالمغرب. وذلك بهدف حماية الفنان المغربي ورفع الحيف عنه. بالإضافة إلى الأخت لطيفة بناني سميرس - رئيسة الفريق، والأخت مالكة العاصمي- النائية المشرفة على عقد هذا اللقاء، والسيد الكاتب العام لوزارة الثقافة، و السيد المدير العام للمكتب المغربي لحقوق المؤلفين التابع لوزارة الاتصال، وممثلة المركز السينمائي المغربي، تدخل خلال هذا اللقاء عدد من النواب و من المفكرين و ممثلي الهيئات النقابية العاملة في مجال الموسيقى والمسرح والسينما والتأليف و التشكيل... وعبرت الأخت لطيفة بناني سميرس، رئيسة الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب عن ابتهاج الإخوة النواب أعضاء الفريق لاستقبالهم نوابغ صنعوا تاريخا للمغرب وأعطوا الشيء الكثير في المجالات التي نشتغل عليها، باعتبار أن الفن أحسن وسيلة لخدمة قضايا المجتمع. وقالت إن الفريق مع الفنانين المغاربة الغيورين على وطنهم. وعليه أن يساندعم حتى لايشعروا بالغبن، لأن ذلك سيؤدي إلى الإحباط. و هذا هو الإشكال الحقيقي الذي يجب أن نعكف على معالجته. لقد وصل المغرب في وقت من الأوقات إلى الذروة في العطاء الفني. أما الآن، فإن الوضعية الفنية ببلادنا سيئة جدا لاعتبارات كثيرة، منها أن بعض الوجوه - لكي يفرضوا أنفسهم في الساحة الفنية - عمدوا إلى مسايرة التيارات الجارفة نحو الرداءة. وبذلك أصبحنا نعاين عن كثب اضمحلال المستوى الفني الوطني، بل إن الرواد الذين قد وصلوا إلى درجات عالية من الشهرة والعطاء بدأ نورهم يخفت، ولا نعرف ما هو السبب في ذلك. إن دور الفنان- تضيف الأخت رئيسة الفريق- هو ترقية الذوق و تثقيفه، لهذه الأسباب وغيرها، لم يتوان الفريق الاستقلالي في مساندة الأسرة الفنية و الوقوف بجانبها في محنتها حتى نعود بالفن وبالفنانين إلى العهد الزاهر الذي كان يزخر به. وأكدت الأخت مالكة العاصمي أن الفريق الاستقلالي بمجلس النواب يولي أهمية كبيرة لكل القضايا المتعلقة بالمجال الفني بالمغرب. وهو منشغل كثيرا بالوضعية التي يعيشها الفنانون المغاربة جراء الغزو الذي تعرفه الساحة الفنية الوطنية من طرف الفنانين الأجانب، وبالتهميش الذي يطالهم جراء ذلك، والعشوائية التي تطبع تنظيم المهرجانات الفنية. وهذا ما دفع بالإخوة النواب، أعضاء الفريق، إلى توجيه عدة أسئلة شفوية للحكومة همت قضايا تتعلق بالإشكالية الثقافية عموما في المغرب. وأثارت الأخت النائبة، كذلك، ما يقوم به الإعلام المغربي من دعاية مجانية لفائدة الفنانين الأجانب على حساب المبدعين المغاربة، ضاربا بذلك عرض الحائط قدرات ومواهب الفنان المغربي، ومنصبا نفسه مدافعا قويا عن أهل الفن الأجانب. فوسائل الإعلام المغربية كثيرا ما تواكب السهرات الفنية العمومية التي تنظم لفائدة الفنانين الأجانب بتغطية إعلامية على أوسع نطاق، مقابل حيف يعاني منه مبدعونا المغاربة جراء ظاهرة الاستلاب التي تملكنا في هذا الحقل، وتجعلنا نفتح الباب بمصراعيه لكل وافد علينا وكأنه قد ملك الرسالة الإبداعية المثلى. فبعض الأشخاص بالمغرب مصابون بمرض اسمه عقدة الأجنبي والاستلاب له، ويتجلى ذلك في الدعم والتشجيع يقدمونه لكل وارد من البلدان الأخرى لتنظيم السهرات الفنية العمومية. لكن ما لا يجب أن ننساه هو أن الإعلام الوطني المغربي عندما يدعم الفنانين الأجانب، فإنما يعمل على توجيه الذوق المغربي نحو كل ما هو خارجي وما هو أجنبي دون أن يأخذ في اعتباراته الفن الصحيح الذي يؤسس للحضارة ويشيد بوجود الإنسان، و هذا ما يؤدي إلى محو آثار الحضارة الوطنية والإنسية المغربية. فالموجات الشبابية التي تغزو الساحة الفنية الوطنية هي نتاج لهذه الدعاية التي تجعلها تبتعد باستمرار عن الهوية الوطنية وعن التراث المغربي الأصيل و تتوجه نحو أنواع وأشكال مبتذلة، بعيدة عن التقاليد و الأعراف الوطنية. لهذا أصبح من اللازم التفكير في طريقة نعمل من خلالها على تحصين الفن ببلادنا. يلخص السيد مصطفى بغداد، الأمين العام للنقابة الحرة للموسيقيين بالمغرب، الوضعية المزرية التي تعيشها الساحة الفنية في المغرب، من جهة، في عدم وجود الإطار القانوني المنظم للحفلات ولطريقة اشتغال الفنانين الأجانب داخل المغرب، ومن جهة ثانية، في عدم تطبيق القوانين المتعلقة بالمجال الفني وجهل أغلب الفنانين لها، مؤكدا على الدور الذي يجب أن تقوم به الهيئات الممثلة لأسرة الفن في هذا المجال. مما يجعل المجال الفني بالمغرب مفتوحا على مصراعيه أمام اللاهثين وراء الأرباح السريعة لاقتناص الفرص المواتية لكي يجلبوا أشباه الوجوه الفنية التي تعمل على تدمير الأذواق، وإفساد أخلاق الشباب من خلال ما تقدمه من فن سوقي ومسرحيات أقل ما يقال عنها أنها تخدش الحياء. وهذا ما يفسر الغبن الذي يحس به المبدعون المغاربة والإحساس بالمرارة التي تصيبهم، حيث يجدون أنفسهم في وضعية متأزمة بسبب عدم الاعتبار والتهميش الذي يطالهم، لأنهم لا يتمتعون بنفس الحظوة من طرف متعهدي الحفلات، ولا بنفس الأموال التي يحصدها نجوم الفن الأجانب في حفلاتهم بالمغرب. يعتبر السيد أحمد كويطع، الكاتب العام لوزارة الثقافة، أن اليوم الدراسي يدخل ضمن فرص الحوارات التي تهم الشأن الثقافي ببلادنا. فهو يهم إشكالية حقيقية ترصدها الوزارة باستمرار: إشكالية تتعلق بتنظيم المهرجانات و طرق إعدادها، وبالفنانين الأجانب وما ينتج عن ذلك أحيانا من تفاوتات مرتبطة بالآثار المالية التي تخلفها على المال العام وبمردودية ما يتلقاه المواطن المغربي. فالإشكالية، حسب السيد الكاتب العام، تهم محورين: محور يرتبط بتنظيم ممارسة المهن، التي تنظم بقوانين إطار أو بقوانين خاصة، وأعضاؤها ينظموا في إطار هيئات وطنية يسهل التعامل معها. و يعني هذا أن تنقل الدولة البعض من اختصاصاتها إلى هاته الهيئات. خاصة ما يتعلق بمراقبة وتنظيم المهنة وبممارسة الأجانب داخل الوطن. وانطلاقا من ذلك، فسيكون لإحداث هيئة وطنية خاصة بالفنانين المغاربة دور مهم في تمهيد الطريق نحو حل إشكالية التعامل مع الفنانين الأجانب، إذ سيسهل التواصل و التعامل مع مخاطب وحيد، وستسهل البرمجة و استهداف الاختيارات والبرامج والقيم المثلى التي يجب ترجيحها. يتعلق المحور الثاني بإشكالية تنظيم المهرجانات و طرق الإعداد لها و كثرة المتدخلين فيها والعشوائية التي تتحكم في اختياراتها و في تنظيمها. لكن بالرغم من الفوضى التي يتميز بها تدبير المهرجانات الثقافية، الوطنية منها والجهوية أو المحلية، فإن أغلبها تخلف آثارا إيجابية تظهر نتائجها على مستوى الجهات التي تنظم فيها، حيث تخلق رواجا اقتصاديا و اجتماعيا خلال الفترة التي تعقد فيها، بل أن صناعات ثقافية، و لو على بساطتها، ترى النور و أن شركات تنمو وتترعرع مع هذه المهرجانات. غير أن أغلب هذه المهرجانات لا تنظم انطلاقا من أهداف ومعايير موضوعية، بل يتم تهييؤها حسب ما يريد منها منظموها و حسب انتظاراتهم و ما يعتقدونه انتظارات الجمهور دونما أية مراعاة لا للأهداف المثلى ولا للقيم الحسنة. ولإعداد إطار قانوني ينظم تدبير المهرجانات الثقافية والتجارية وطريقة التعامل مع أهل الفن الأجانب، يقترح السيد الكاتب العام لوزارة الثقافة عقد مناظرة وطنية تكون الأرضية التي سوف يتم اعتمادها لبلوغ الهدف الذي تتوخاه الدولة و أسرة الفن المغربية والفعاليات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية الوطنية وتمهد للدخول إلى عهد جديد يتميز بالاحتكام إلى قانون ينظم مهنة تنظيم السهرات والمهرجانات. يرى السيد عبد الله الودغيري، المدير العام للمكتب المغربي لحقوق المؤلفين، أن الوضعية تستلزم مقاربة ومعالجة شمولية تستهدف ليس فقط تقنين أنشطة الفنانين الأجانب داخل المغرب وطريقة التعامل معهم، بل كذلك طريقة تنظيم المهرجانات وتحديد الأنشطة التي ستعود بالفائدة على المواطنين، وذلك بالاعتماد على بعض التجارب الدولية في الميدان، كما هو الحال بالنسبة لدولة مصر التي عمدت _ في إطار تقنين وتأطير المجال الفني لديها - إلى فرض بعض الإجراءات والتدابير على الفنانين الأجانب الذين يردون على مصر من أجل إحياء بعض السهرات، إذ أن المغني الأجنبي مثلا الذي يفد على أرض مصر ليس له الحق الكامل في تنظيم أية سهرة عمومية إلا بعد أن يخضع للعديد من الإجراءات القانونية الصارمة من طرف نقابة الموسقيين هناك، إضافة إلى التزامه بالعديد من الشروط المحددة. فهذه المقاربة، يقول السيد الودغيري، ستعود بنتائج حسنة على العطاء الفني الوطني، حيث أن كل الصناعات الثقافية سوف تتحرك بسبب الاقتطاعات من المداخيل الفنية للفنانين الأجانب. كما ستحدث مقاولات للإشراف على تنظيم الحفلات، منظمة في إطار قانون يرجح مبدأ الحصول المسبق على رخصة تنظيم الحفلات انطلاقا من دفتر تحملات خاص. وبذلك سوف يكون لمبدأ التعاقد الأثر الحسن على الفنانين، إذ سيمكنهم من الحصول على ضمانات وامتيازات مهمة. اعتبر السيد المدير العام للمكتب المغربي لحقوق المؤلفين أن الإشكالية التي يعاني منها الحقل الفني بالمغرب تعود أساسا إلى كثرة المقتضيات القانونية المتعلقة بالمجال والتي تعرف تشتتا يصعب على أسرة الفن الإلمام بها كلها. وهذا ما يجعل أن عددا مهما من هذه المقتضيات لا تجد سبيلها للتطبيق. لذلك وجب الاهتمام بتجميع هذه المقتضيات في قانون موحد يسهل معه تطبيق القانون. لقد أجمع جل المتدخلين على أنه أمام الزيارات المتكررة للفنانين الأجانب، و ما يخلفه ذلك من فوضى و عدم احترام للخصوصيات و القيم الوطنية المغربية، فقد بات من الضروري تقنين القطاع الفني بالمغرب وسن قانون منظم لحفلات الأجانب يحفظ للفنان المغربي حقوقه وينآى بالفن المغربي عن كل ما يمكن أن يسيء له أو يخدش كرامة المواطنين أو يمس قيمهم الوطنية. مؤكدين في نفس الوقت على أن الأسرة الفنية المغربية ليست ضد التبادل الثقافي والانفتاح على آراء وأفكار الآخرين، لكن شريطة أن يكون ذلك مؤطرا بقانون ينظمه. ويرى بعض المتدخلين أن الفوضى التي يعرفها الحقل الفني بالمغرب يساهم فيها بقدر وافر الأشخاص الذين يرشحون أنفسهم - بالرغم من عدم كفاءتهم في المجال الفني - لمناصب منظمين ومتعهدين للحفلات، أشخاص متطفلون وانتهازيون، يقتنصون الفرص لمراكمة الثروات على حساب قيم الفن. ففي غياب التأطير القانوني الذي تعاني منه الساحة الفنية ببلادنا، نجد أن متعهدي الحفلات يتمادون في محو آثار الحضارة الوطنية من أجل تحقيق أهدافهم بأسهل الطرق على حساب أهل الفن المغاربة الذين لا قوة لهم ولا قدرة لهم على مواجهة الإشكالية. ذهب بعض المتدخلين إلى القول أن المغاربة يملكون أيضا وطنا، وكيانا، وتراثا، وحضارة عريقة في المجد والسؤدد، ولديهم مبدعون سحروا بلاد العالم في مناسبات عديدة وبلغوا الأوج في العطاء وفي تقدير الآخرين لهم، فكان لا بد من الاهتمام بهم ومساعدتهم للخروج من الوضعية المزرية التي يعيشون فيها. وهذا ما يفسر لجوءهم للسلطة التشريعية عموما وللفريق الاستقلالي على الخصوص من أجل مواكبتهم قصد إيجاد حل للإشكالية التي تهدد مستقبلهم ومستقبل أبنائم، بل ومستقبل الفن عموما بالمغرب. فتفاعلا مع مطالب الفنانين المغاربة، واقتناعا منه بالإشكاليات التي يعرفها الحقل الفني الوطني، فإن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب سيعمل على فتح قنوات الاتصال مع كل الفاعلين في المجال الفني من أجل بلورة رؤية واضحة في اتجاه إعداد إطار قانوني ينظم التعامل مع الفنانين الأجانب وفي اتجاه إحداث مجلس أعلى للثقافة. وفي ختام هذا اللقاء، أصدر المجتمعون التوصيات التالية: ضرورة ملء الفراغ القانوني الذي يعتري القطاع الفني الوطني من خلال سن مقتضيات قانونية تقنن زيارة الفنانين الأجانب للمغرب، والذي بموجبه سيتم صيانة كرامة الفنان المغربي وحماية حقوقه وحقوق البلد، على غرار ما هو معمول به في عدد من البلدان. إحداث مجلس أعلى للثقافة يعمل على لم الشتات الذي يعرفه الميدان الفني وعلى إضفاء نوع من التوازن على الحقل الفني بالمغرب، تكون من اختصاصاته تنظيم وتأطير المهرجانات والحفلات داخل الوطن وخارجه. العمل على إحداث هيئة وطنية للفنانين المغاربة يسند إليها مهام تنظيم العمل الفني، من حيث تسليم البطاقة المهنية للفنانين، وإعداد البرامج والاختيارات، و تحديد المهرجانات وتواريخها وأماكن انعقادها وتنظيمها، والترخيص للأجانب للعمل داخل التراب الوطني. تجميع كل المقتضيات المتعلقة بالحقل الفني في قانون موحد يسهل تطبيقه مع تحيينها. عقد مناظرة وطنية حول وضعية الفنان المغربي والإشكالات المرتبطة بالمجال الفني.