عرفته منذ حوالي أربعين سنة، في القرن الماضي عندما كان التلفزيون بالأبيض والأسود، وكانت أحلامنا كذلك بالأبيض والأسود. كنا نلتقي في شوارع سلا العتيقة أو في مقهى في الرباط فتحه صاحبه نهار ليل، وهكذا ظل في ذلك الزمن البعيد يستقبل السياسيين وأشباه السياسيين، رجال أعمال ورجال إعلام كذلك، التقينا كذلك في مقهى كنا نسميه بالنقابة ولا أدري لماذا كان يسمى بالنقابة، ولكن كؤوس شايه كانت عملاقه وكان بطله هو الحسين السلاوي كل مساء حتى مطلع الفجر. هكذا تعود الذكريات بالأبيض والأسود فيها نوع من الضبابية، كانت آخر مرة التقينا فيها (أظنك تذكر ذلك أخي عبدالجبار) يوم 12 ماي، شهرين بالتمام والكمال، حين كان لطيفا، وحين التقينا في المسجد الأعظم بسلا وتعانقنا، قدم لي التعازي في وفاة والدي رحمه الله، خلال هذه الأربعين سنة لم نلتق إلا مرات قليلة. كانت كثيفة مركزة، كانت تجمع بين الاعلامي والابداعي. وكانت كذلك فترة اجتازها عبدالجبار في جريدة العلم، كان يكتب في الصفحة الأخيرة، وربما كانت أجمل صفحات العلم هي الصفحة الأخيرة. في الأيام الأخيرة بدأ يكتب في الصفحة الأولى، لا أدري لماذا؟ أرجوك أن تعود إلى صفحتنا المتميزة التي نعشقها دائما. ورغم ذلك اسمح لي عبدالجبار أن أقول لك: أنت لست علميا نسبة إلى العلم، اسمح لي كذلك أن أقول لك: أنت لست استقلاليا بالمفهوم الحزبي للكلمة، لو أخذنا صورك بالأبيض والأسود في الستينيات لوضعناك في خانة اليسار، ولو أخذنا صورك اليوم بالألوان رغم الشيب و »الشيب ليس عارا« كما قال الشاعر العراقي يوم كانت العراق عراقا، لوضعناك في اليمين، ولكنك عزيزي عبدالجبار أنت، أنت زاهد في مكانك.