حظيت بشرف مناقشة قانونية بين بعض الزملاء العاملين في مجال القضاء والمحاماة حول مقتضيات الفصل 111 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه يقبل التدخل الإرادي ممن لهم مصلحة في النزاع المطروح. وقد تمحور النقاش حول مدى صحة التدخل الإرادي في الدعوى في مرحلتها الاستئنافية، فهناك من يرى أن التدخل الارادي يكون فقط في المرحلة الابتدائية دون المرحلة الاستئنافية واستدل على رأيه ببعض القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف سواء العادلة أو الإدارية، بينما الرأي المقابل يرى أن الاتجاه السابق غير مستند على أساس قانوني سليم واستدل بدوره بقرارات قضائية معاكسة للقرارات السابقة صادرة كلها عن القضاء المغربي. وقد جاء التدخل الإرادي في الدعوى في الباب الرابع من القسم الثالث من قانون المسطرة المدنية تحت عنوان المسطرة أمام المحكمة الابتدائية، وهو ما دفع ببعض الشراح وكذا بعض المحاكم إلى القول بأنه لا يحق سلوك هذه المسطرة إلا أمام المحكمة المذكورة وعلى هذا الأساس قضت محكمة الاستئناف ببني ملال بتاريخ 26 دجنبر 1990 على أن التدخل الإرادي يخول لمن له مصلحة مشروعة في النزاع ويجب أن يقدم ابتدائيا (1). غير أن هذا الاتجاه لا نراه سليما من الناحية القانونية، ذلك أنه طبقا للفصل 350 من قانون المسطرة فإنه تطبق أمام محكمة الاستئناف مقتضيات الفصل 108 وما يليه إلى الفصل 123. وبهذه الطريقة استعمل المشرع تقنية الاحالة بحيث اعتبر الفصل 111 من المساطر المطبقة حتى أمام محكمة الاستئناف وبالتالي لا مجال للقول بأن هذه المسطرة تخص فقط المحاكم الابتدائية دون المحاكم الاستئنافية، بل إن المجلس الأعلى في مجموعة من قراراته منها القرار الصادر في الملف عدد 7202 85 قضى بأنه يقبل التدخل الإرادي لأول مرة لدى المجلس الأعلى من طرف شريك لم يقع استدعاؤه في أي طور من أطوار الدعوى الرامية إلى إجراء قسمة بيسة في عقار (2). والجدير بالملاحظة أن التدخل الإرادي مخول قانونا لكل من له مصلحة في النازلة المعروضة أمام القضاء وهو إما أن يكون انضماميا أي لتعزيز مزاعم أحد الخصوم أو هجوميا، حيث يأخذ المتدخل في الدعوى دور المدعي، إذ يقدم طلبات مستقلة خاصة به. وقد قضى المجلس الأعلى بأن التدخل الإرادي مخول قانونا لكل من له مصلحة في النازلة المعروضة أمام المحكمة، وهو إما أن يكون انضماميا أو إختصاصيا يأخذ فيه المتدخل دور المدعى يحق له أن يقدم طلبات مستقلة خاصة به إذا كان ممن لهم الحق في أن يستعملوا مسطرة التعرض الخارج عن الخصومة ولا تعد طلباته هاته من الطلبات الجديدة الممنوعة تقديمها استئنافيا (3). لذا يتعين على المحكمة أن تراقب حتى توافر شروط قبول الدعوى المنصوص عليها في الفصل 1 من قانون المسطرة المدنية وهي الصفة والأهلية والمصلحة. ومن تم فان التدخل الارادي الذي يعطي للشخص امكانية الحفاظ على حقوقه يختلف عن التعرض غير الخارج عن الخصومة المنصوص عليه في الفصول 303 إلى 305 من قانون المسطرة المدنية (4) ذلك أن التعرض الغير الخارج عن الخصومة هو طريق استثنائي للطعن في الأحكام القضائية يمارسه بصريح الفصل 303 من قانون المسطرة المدنية كل شخص حسب الحكم المطعون فيه بحقوقه إذا لم يستدع هو أو من ينوب عنه في الدعوى. ومن تم لا مجال لممارسة هذا الطعن من طرف كل شخص كان ممثلا في الدعوى بصفته مدعيا أو مدعى عليه، كما يمنع على خلفه الخاص أو العام ممارسة هذا الحق. ويضيف القضاء إلى جانب هذين الشرطين شرط ثالث يتمثل في عدم قبول الطعن بالتعرض خارج الخصومة إذا كانت الدعوى جارية ابتدائيا أو استئنافيا (5). ومجمل القول فإن التدخل الارادي في الدعوى إما ان يكون انضماميا أو اختصاصيا يأخذ فيه المتدخل دور المدعي ويكون انضماميا إذا اقتصرت طلبات المتدخل على تأييد طلبات الخصم الذي حصل الانضمام إليه ولم يطلب الحكم لنفسه بحق شخصٍ يدعيه في مواجهة أطراف الدعوى الأصليين. لكن هل يحق للمتدخل في الدعوى الطعن بالتعرض خارج الخصومة؟ أمام صراحة النص نرى أنه لا يحق لمن تدخل في الدعوى أن يتعرض تعرضا خارج الخصومة مادام أنه كان ممثلا في الدعوى كمنظم. وهذا ما أكد عليه المجلس الأعلى عندما قضى بأنه لا يقبل تعرض الغير الخارج عن الخصومة إلا من طرف شخص وقع المس بحقوقه ولم يكن طرفا في الدعوى ولا ممثلا فيها من طرف شخص آخر (6). وخلاصة القول فانه لا مجال للتمسك بإمكانية الطعن بالتعرض الغير خارج الخصوم للحكم بعدم قبول التدخل الارادي في الدعوى، لأن الطعن الأول هو طعن استثنائي، أما التدخل الارادي فهو مسطرة قانونية تخول المتمسك به أن يعضد موقف أحد أطراف الدعوى أو هجوميا ويتعين على المحكمة المنظورة أمامها الدعوى قبوله لارتباطه بدعوى قائمة مقبولة شكلا. هوامش: (1) قرار صادر في الملف 1068 90 منشور بمجلة الاشعاع عدد 5 ص 130 2) قرار بتاريخ 23 ابريل 1987 صادر عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى منشور بمجلة رسالة المحاماة عدد 8 ص 149 انظر كذلك الحسن البوعيسي: كرونو لوجيا الاجتهاد القضائي في قانون المسطرة المدنية ص 86. 3) قرار رقم 54 صادر في 2 مارس 1979 ملف مدني عدد55336 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 28 ص 154. انظر كذلك الحسن البوعيسي المرجع السابق ص 86. 4) أنظر أدولف ريبوله، تعريف وتحيين إدريس ملين قانون المسطرة المدنية في شروح مشروع منشورات المعهد الوطني للدراسات القضائية طبعة 1996 ص 105. 5) راجع عبد الكريم الطالب: الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية طبعة 2001 المطبعة والوراقة الوطنية مراكش ص 283 6) القرار رقم 303 بتاريخ 17 اكتوبر 1991 من الملف الإداري عدد 10205 90 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 46 ص 211