انطلاقا من الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية، 14 أكتوبر 2022 والذي خصص جزء هام منه للحديث عن التعاطي مع ندرة الماء وشح الأمطار ببلادنا، الشيء الذي يهدد الفرشات المائية ببلادنا. ويزداد الأمر سوءا مع الاستغلال العشوائي الذي يهدد باستنزافها. حيث قال جلالته: "... لذا ندعو بأخذ إشكالية الماء في كل أبعادها اللازمة ولاسيما عبر القطع مع أشكال التدبير والاستغلال العشوائي وغير المسؤول لهذه المادة الحيوية". وبناء على النداء الذي أطلقه الأخ الكاتب العام للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية الدكتور لحسن مادي والذي جاء تحت عنوان: نداء من أجل المساهمة في تغيير السلوكات تجاه التعاطي مع ندرة الماء، والمنشور بجريدة العلم 19 أكتوبر 2022 وبمواقع إلكترونية متعددة، انخرط فرع العصبة بطنجةأصيلة في هذه الديناميكية، وعقد ندوة تحسيسية بالمناسبة تعرضت لهذا الموضوع من مختلف جوانبه. الندوة التي جاءت تحت عنوان: من أجل ثقافة جديدة للتعامل مع الماء، أطرها الدكتور الناجي الدرداري عضو المكتب التنفيذي للعصبة والخبير في علم الجيولوجيا محمد بنمخلوف الأستاذ بكلية العلوم جامعة عبد المالك السعدي بتطوان. وقد قدمت لها الكاتبة والباحثة في التاريخ الحديث الأستاذة خديجة بكة الكاتبة الإقليمية للعصبة بطنجةأصيلة، وأدارت الندوة باقتدار كبير الإعلامية المقتدرة الأستاذة نزهة بنادي، واختتمت بتدخل للدكتور نجيب الجباري بمداخلة متميزة جمعت بين تقييم عمل الندوة وخلاصاتها وتوصياتها. الندوة التحسيسية نحو ثقافة جديدة للتعامل مع الماء انطلقت بالنشيد الوطني ثم عرضت مقتطف من الخطاب الملكي السامي أمام عضوات وأعضاء غرفتي البرلمان يوم 14 أكتوبر 2022، ومقتطف من كلمة السيد نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء خلال البرنامج التلفزيوني حديث مع الصحافة على القناة الثانية يوم 19 أكتوبر 2022، وهي الندوة قدمت لها الأستاذة خديجة بكة، التي انصب حديثها حول انخراط العصبة فرع طنجةأصيلة بالديناميكية الوطنية التي تشهدها العصبة حول موضوع ذا حيوية كبيرة، كثيرا ما كان محط اهتمام العصبة. وهو الموضوع الذي خصص له جلالة الملك حيزا مهما من خطابه السنوي بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان 14 أكتوبر 2022. والعصبة تقول الأستاذة خديجة بكة فخورة أن تكون سباقة للتفاعل مع الخطاب الملكي السامي وتعمل على تنزيل مضامينه على أرض الواقع عبر ندوة اختار لها المكتب الإقليمي طنجةأصيلة عنوان: من أجل ثقافة جديدة للتعامل مع الماء، واستدعت لها نخبة من الفاعلين والمهتمين تأطيرا وحضورا، والغاية كما أكدت الأستاذة خديجة بكة نقل ثقافة جديدة للتعاطي مع ندرة الماء لكل مكونات المجتمع. وبعد المداخلة التقديمية كان الحضور على موعد مع مداخلة الأستاذ محمد بنمخلوف الخبير الجيولوجي والأستاذ بكلية العلوم جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، حيث كانت مداخلته معززة بالأرقام والإحصائيات. وأبرز فيها مكامن الخلل والتهديدات التي تواجه الأمة المغربية فيما يتعلق بالتعاطي مع موضوع ندرة الماء. كما عدد مجموعة من الاختلالات التي عرفتها السياسات العمومية فيما يتعلق بالتعامل مع ندرة الماء. حيث أبرز الخبير الجيولوجي أن هذه السياسات لم تكن توازي بين المناطق التي تعرف تساقطات مطرية وثلجية مهمة وأماكن إقامة المنشآت الكبيرة لتخزين الماء ببلادنا، وهكذا تم بناء مجموعة من السدود الكبيرة بمناطق لم تعد التساقطات المطرية والثلجية بها كافية لملئها. فالمطلوب حسب الدكتور محمد بنمخلوف بناء السدود الكبيرة والمتعددة بشمال المملكة حيث كثرة التساقطات. والعمل على تحويل فائض الماء من الشمال نحو الجنوب بشكل يضمن الاستفادة من كل ثرواتنا المائية. وهو الأمر يسمح أيضا بتطعيم الفرشات المائية الوطنية، و دعمها في مواجهة الاستغلال المتزايد والعشوائي. فالقطاع الفلاحي حسب الأستاذ بنمخلوف لوحده ببلادنا يستهلك 85 % من المياه المستغلة، والاستهلاك المنزلي تصل نسبة استهلاكه 12 %، و03 % تستهلك من قبل باقي القطاعات. وبذلك وحسب الأرقام فالمجال الأكثر استنزافا للماء ببلادنا هو الفلاحة. وفي هذا المجال يجب أن تنصب الجهود الأكبر من أجل الحفاظ على الإنتاج الوطني الفلاحي من جهة ومن جهة ثانية الحد من الاستغلال المفرط للماء. وهذا حسب الدكتور بنمخلوف يتطلب تضافر الجهود بين مختلف الفاعلين، والاستغلال الأمثل لنتائج البحوث العلمية بمختلف مراكز البحث العلمي، وبمختلف الجامعات المغربية، والغاية استغلال نتائج هذه البحوث في مواجهة ندرة الماء، لما فيه فائدة على الوطن والمواطن. وفي مداخلته نوه الدكتور الناجي الدرداري بمضامين الخطاب الملكي السامي، حيث وضع جلالته الأصبع على الخلل في موضوع ذا أهمية قصوى في حياة الأمية المغربية، إذ أكد جلالته على استخراج البرنامج الوطني للماء 2020- 2027 كما كان الحرص من جلالته على استمرار بناء السدود حوالي 70 سدا خلال الخمس وعشرين سنة الماضية، 50 منها أنجزت و20 في طور الإنجاز. ويضيف جلالته: " إن مشكلة الجفاف وندرة المياه لا تقتصر على المغرب فقط، وإنما هي ظاهرة كونية، تزداد حدة، بسبب التغيرات المناخية. كما أن الحالة الراهنة للموارد المائية تسائلنا جميعا، حكومة ومؤسسات ومواطنين، وتقتضي منا التحلي بالصراحة والمسؤولية، في التعامل معها، ومعالجة نقط الضعف التي تعاني منها". وفي هذا الإطار جاءت الحملة التحسيسية التي تقوم بها العصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية، ومنها هذه الندوة المباركة. وحسب الفاعل الجمعوي الدكتور الناجي الدرداري مشكلة الماء وجب التعامل معها من خلال الحملات التحسيسية المنظمة عبر كل المواقع وبمختلف الوسائل. حيث وجب التنبيه لثوابت ديننا الحنيف خلال هذه الحملات، على اعتبار أن شريعتنا الحنيفة تحارب الغلو والإسراف في كل شيء، ومنه الإسراف في استهلاك الماء بمختلف المجالات. كما أن الحفاظ على الثروة الوطنية من الماء يتطلب إعادة النظر في بعض المزروعات التي تعد آفة حقيقية للماء وخصوصا منه المياه الجوفية التي تضررت بشكل كبير نتيجة الاستغلال المفرط والعشوائي لهذه الفرشات. ولتخفيف الضغط على هذه الفرشات وجب أيضا إنشاء محطات لتحلية مياه البحر واستغلالها للشرب وللري. ومعلوم أن تطعيم الفرشات أضحى ضرورة ملحة حسب الدكتور الدرداري ويجب أن يتم ذلك عن طريق تحويل مجاري الأنهار من الشمال نحو الجنوب، وعبر وبناء سدود تلية مجاورة لهذه الفرشات المائية، خصوصا بالمناطق التي تتساقط بها كميات أمطار وثلوج محدودة. وأحاطت مداخلة الدكتور نجيب الجباري بموضوع ندرة الماء، وقدمت لخلاصات وتوصيات الندوة، وبعد نقاشات موسعة بين مختلف الكفاءات التي حضرت أشغال الندوة والدكاترة المحاضرين، تم حصر توصيات الندوة كالتالي:
1- اعتبار الخطاب الملكي السامي 14 أكتوبر 2022 أمام غرفتي البرلمان مرجعا أساسيا لجميع السياسات الوطنية في مجال التعامل مع ندرة الماء، 2- إيلاء العناية اللازمة لدور الفاعل الجمعوي في كل سياسة وطنية للتعاطي مع ندرة الماء، خصوصا وأن اهتمام المجتمع المدني بهذا الموضوع نابع من تجارب ميدانية رائدة، ويتوفر على أفكار مهمة نعدها ثروة وطنية حقيقية تجمع بين الماضي الضارب بجذوره في التاريخ والحاضر الذي يعرف شحا وخصاصا كبيرا للماء بمناطق ما كانت يوما كذلك. كما أن مساهمة المجتمع المدني بالحملات التحسيسية الوطنية المتعلقة بالحفاظ على الماء، وترشيد استغلاله، وتنويع مصادره والحفاظ على جودته، وكذا الوقوف سدا منيعا تجاه كل استغلال مفرط وغير مشروع لهذه المادة ينبع من كون المجتمع المدني يعايش ندرة الماء عن قرب ويختبر الوسائل والسبل الكفيلة بالحد من مخاطر هذه الآفة. 3- الانفتاح غير المشروط على البحث العلمي بمختلف مشاربه العلمية، واستغلال النتائج المتوصل لها، وتنزيلها التنزيل السليم خدمة للوطن والمواطن، إذ الواقع اليوم يشير إلى قطيعة شبه مطلقة بين مراكز البحث العلمي والجامعات المغربية والقطاعات المشرفة على الماء ببلادنا، وهي المجالات الحيوية التي بإمكانها إعطاء الكثير من الحلول العلمية والعملية المدروسة للكثير من الإشكالات المطروحة في المجال، 4- التنويه بسياسة بلادنا فيما يتعلق ببناء السدود بما فيها السدود التلية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه المنشآت يجب تشييدها بالتدرج من حيث الحجم والعدد من شمال المملكة حيث التساقطات أكبر في اتجاه الوسط والجنوب حيث تقل التساقطات وتنعدم، 5- القطع مع سياسة هدر الماء، ومنها ربط الوديان المغربية ببعضها من الشمال نحو الجنوب بشكل يسمح بالاستغلال الأمثل لهذه الثروة المهمة للحياة، والعمل بجد ومسؤولية على معالجة المياه العادمة وإعادة استغلالها بشكل فعال، حيث نسبة المعالجة والاستغلال اليوم ضعيفة جدا من حيث الكم، معالجة واستغلالا. ومن حيث المقارنة مع دول أخرى رائدة في هذا المجال، 6- فسح المجال أمام القطاعات العمومية المعنية بموضوع الماء للعمل مع مختلف الشركاء بشكل يسمح لجميع الفاعلين ولكل القطاعات بالمساهمة كل من جانبه في الاستغلال الأمثل للمتوفر من الموارد المائية المتاحة، حيث تشير المعطيات المتوفرة أن السياسات المائية هي قطاعية وعمودية، ومن الضروري اليوم تنزيل سياسات عمومية أفقية تشرك قطاعات واسعة في مجال اتخاذ القرارات المتعلقة بالماء، 7- العمل على خلق موارد مائية مهمة وإضافية خصوصا وأن بلادنا تتوفر على كم هائل من الفرشات المائية المالحة ونظيرتها الناقصة الملوحة والتي تتطلب تحليتها كلفة أقل بكثير من نظيرتها البحرية، كما أن انفتاح بلادنا على أزيد من 3500 كلم من الشواطئ البحرية يحتم علينا الانخراط في مشاريع ضخمة لتحلية مياه البحر واستغلالها، 8- الاهتمام بالبيئة والحفاظ عليها، إذ أنها المسؤول الأول عن التغيرات المناخية التي يشهدها عالمنا، على قدر حجم التلوث تحل الكوارث المناخية، وعلى رأسها شح التساقطات أو ارتفاعها بشكل مهول، 9- الحد من الاستنزاف المبالغ فيه للفرشات المائية، عبر استغلال مجموعة من الآبار القانونية منها والعشوائية، حيث يتم استغلال الكثير من المخزون المائي الوطني بشكل يضر باحتياطات بلادنا من هذه المادة التي لا حياة بدونها. 10- ضرورة التصدي للفلاحات التي تستنزف الثروة المائية الوطنية، وهي الفلاحات المعدة أساسا للتصدير، مقابل تشجيع الزراعات الاستراتيجية التي تضمن الأمن الغذائي الوطني وتستهلك مياه أقل. وبهذه التوصيات اختتمت ندوة طنجة التي أقيمت تحت عنوان: نحو ثقافة جديدة للتعامل مع الماء، ندوة كانت من تنظيم فرع العصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية طنجةأصيلة، الندوة التي احتضنت أطوارها قاعة دار الشباب طنجة البالية مشكورة، على أمل أن يستمر عمل فرع العصبة بطنجة حول هذا الموضوع بعقد لقاءات وشراكات مع فاعلين آخرين من ذوي الاهتمام المشترك لما فيه فائدة للوطن والمواطن.