شهد المغرب في السنوات الأخيرة احتجاجات في عدد من المناطق بسبب ندرة المياه، وهو ما يثير مخاوف من اندلاع أزمة مائية في البلاد. لكن عبد القادر اعمارة، الوزير الوصي على تدبير قطاع الماء يبعث رسائل طمأنة، رافضا توصيف الوضعية المائية ب"الأزمة"، حيث يرى أن الوصف الأقرب للواقع هو "تدبير الندرة"، ويقدم في هذا الحوار تفاصيل البرامج والمشاريع التي ستعمل على ثمين أفضل للمتاح قبل اللجوء إلى تعبئة الموارد غير الاعتيادية كاستعمال المياه العادمة أو تحلية مياه البحر. الوزير عبد القادر اعمارة يكشف سلاح المغرب للمواجهة المائية 15 سدا كبيرا دفعة واحدة ما بين 2020 و2022 بما يناهز الألفي مليار لمواجهة ندرة الماء بين الفينة والأخرى، تشهد بعض المناطق احتجاجات بسبب ندرة المياه، فهل المملكة مهددة بأزمة مائية في المستقبل؟ أظن أن وصف الوضعية المائية في المغرب ب»الأزمة المائية» مجانب للصواب وغير ملائم، والتوصيف الأقرب للواقع هو «تدبير الندرة». الشيء الذي يفرض علينا تبني سياسة لترشيد الاستعمال وتثمين أفضل للمتاح، قبل اللجوء إلى تعبئة موارد إضافية، بما فيها الموارد غير الاعتيادية كاستعمال المياه العادمة أو تحلية مياه البحر. ما عاشه المغرب من خصاص مائي في السنوات الأخيرة في عدد من مدن المملكة راجع في جزء كبير منه إلى ضعف التساقطات المطرية. أما الجزء الآخر فيعزى إلى الهشاشة اتجاه الجفاف في بعض المناطق، خصوصا المعروفة بوفرة المياه والتي لم تتعود على توالي سنوات طويلة من الجفاف، فيما ارتفعت الحاجيات واقتربت التجهيزات المنجزة من مستوى التشبع. وهنا لابد من الإشارة إلى أن الحكومة بصدد معالجة هذه الإشكالية عبر تقوية البنية التحتية المائية، وتنويع مصادر التزود بالماء، وأيضا عبر اللجوء إلى المياه غير الاعتيادية. وهذا يفسر لكم القرارات التي اتخذتها وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، وأعلنت عنها مؤخرا بالبرلمان، والتي تتعلق أساسا بإسناد صفقات تشييد خمسة سدود كبرى سنة 2020 دفعة واحدة بقيمة 7.8 ملايير درهم وسعة إضافية للحقينة المائية ب 2.3 مليار متر مكعب، وهذا غير مسبوق في تاريخ بناء السدود ببلادنا. كما برمجنا إسناد صفقات خمسة سدود أخرى خلال هذه السنة (2021) بقيمة 4.8 ملايير درهم وسعة إجمالية للحقينة تقدر ب552 مليون متر مكعب، ونحن الآن بصدد برمجة إسناد صفقات خمسة سدود كبرى لسنة 2022 إن شاء الله. كما اتخذ القرار لإنجاز محطة لتحلية مياه البحر بالدار البيضاء بطاقة إنتاجية تناهز 300 مليون متر مكعب في السنة، ونحن بصدد الدراسات التقنية التفصيلية التي تخصها. وهنا لابد من الإشارة إلى أن بلادنا محظوظة لتوفرها على شواطئ تمتد لما يقارب 3500 كلم، مما يؤهلها رغم ضعف احتياطاتها من الطاقة الأحفورية المستكشفة حتى الآن لتوفير جزء هام من حاجياتها المائية بواسطة تحلية مياه البحر، وخصوصا إذا وضعنا في الحسبان إمكانياتنا الهائلة في مجال الطاقات المتجددة والتي يمكن استغلالها لتحلية مياه البحر. ما هي الإجراءات التي يتم تنزيلها لتجاوز تحدي «ندرة المياه» ومواجهة حالات الخصاص أثناء فترات الجفاف؟ تبعا لما جاء في الجواب على السؤال السابق، ومن أجل تجاوز تبعات الفترات الصعبة التي تعرفها بلادنا على المستوى المائي، ومواجهة حالات الخصاص أثناء مواسم الجفاف، نهج المغرب منذ مدة طويلة سياسة تعتمد على: تحسين معرفة الدورة المائية، التخطيط الاستباقي، سياسة البرامج الطموحة، تقليص الهشاشة إزاء الجفاف عن طريق تنزيل إجراءات التخطيط الاستباقي وتنويع مصادر التزود بالماء بما فيها اللجوء إلى الموارد المائية غير الاعتيادية لا سيما تحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه العادمة بعد معالجتها، ثم تدبير الظروف الاستثنائية أثناء فترات الجفاف الحادة عن طريق إطلاق البرامج الاستعجالية، لا سيما مد القنوات الاستعجالية، وحفر آبار لتعزيز الموارد المائية المعبأة، وتزويد المناطق المتضررة بالشاحنات الصهريجية، وتدبير الطلب على الماء من خلال محاربة الهدر والتبذير. وتطبيقا لهذه السياسة، ومن أجل تجاوز آثار الوضعية الهيدرولوجية الصعبة التي عاشتها بلادنا، خاصة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، واستحضارا للتوجهات الملكية السامية، تمت بلورة برنامج وطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي يمتد من 2020 إلى 2027 ويتضمن خمسة محاور، وهي كالتالي: – تنمية العرض المائي من خلال تشييد أو تعلية السدود الكبرى والصغرى والتلية، وتعبئة مياه جوفية جديدة، وإنشاء محطات تحلية مياه البحر إن اقتضى الحال، بالإضافة إلى اتخاذ عدة إجراءات وإنجاز مشاريع تهدف إلى دعم تأمين التزويد بالماء الصالح للشرب. – تدبير الطلب وتثمين الماء من خلال مواصلة الجهود المبذولة لتحسين مردودية شبكات التوزيع وترشيد استعمال الماء، وكذا تثمين المياه في المجال الفلاحي. – تقوية التزويد بالماء الصالح للشرب بالوسط القروي من خلال دمج كل المراكز القروية في أنظمة التزويد المهيكلة للماء الصالح للشرب بهدف تحسين نسبة الولوج لهذه المادة الحيوية والقضاء على الهشاشة التي تعرفها بعض المناطق في هذا المجال. – إعادة استعمال المياه العادمة لا سيما لسقي فضاءات الكولف. – التواصل والتحسيس، من أجل ترسيخ الوعي بأهمية الحفاظ على الموارد المائية لدى الجميع، خاصة الأجيال الصاعدة. وفي إطار تفعيل مضامين هذا البرنامج، ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، يوم الاثنين 13 يناير 2020، بالقصر الملكي بالرباط مراسيم توقيع الاتفاقية الإطار لإنجازه. ولمواجهة قلة التساقطات المطرية التي شهدتها مختلف مناطق المملكة، صادقت لجنة القيادة برئاسة السيد رئيس الحكومة، على مجموعة من القرارات المهمة، وخاصة المتعلقة بإنجاز مشاريع استعجالية وتعبئة 1100 مليون درهم الضرورية لتأمين تزويد كل من مدن طنجة والدار البيضاء وتارغيست وأكادير بالماء الصالح للشرب، وتزويد الساكنة القروية بالماء الصالح للشرب بالشاحنات الصهريجية وكذا استكشاف وتجهيز أثقاب جديدة لاستغلال المياه الجوفية. أما بخصوص الآفاق المستقبلية، ولتدبير الندرة وتأمين تزويد البلاد بالماء على المدى البعيد، فقد تم إعداد مشروع المخطط الوطني للماء في أفق 2050، تطبيقا لمقتضيات القانون 15-36 المتعلق بالماء من أجل دعم المكتسبات ومواكبة التطور الاقتصادي والاجتماعي لبلادنا، وتحديد الإطار المرجعي للسياسة المائية الوطنية للثلاثين سنة المقبلة. ومن أجل ضمان الأمن المائي وتقليص الراهنية مع تقلبات المناخ، أعطى مشروع المخطط الوطني للماء 20-50 توجهات واضحة للاستعانة ببدائل غير اعتيادية لدعم العرض المائي وذلك، باللجوء عند الاقتضاء إلى تحلية مياه البحر للتوفر على طاقة تحلية تبلغ مليار متر مكعب كسعة قصوى في أفق 2050، وذلك حسب مستوى تأثير تغير المناخ على الموارد المائية. وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة خاصة لسقي المساحات الخضراء وملاعب الكولف. رغم ما تحقق وما تمت برمجته كمشاريع، هل تعترضكم تحديات في تنزيل البرنامج الحكومي في قطاع الماء؟ في إطار تنزيل البرنامج الحكومي في قطاع الماء، والمتعلق أساسا بتنمية العرض المائي، تواصل الوزارة تنفيذ هذا البرنامج وفق ما تم الالتزام به. ففي ما يتعلق بإنجاز المخطط الوطني للماء وتطبيقا لمقتضيات قانون الماء والمراسيم التطبيقية الخاصة بوثائق التخطيط، تم تقديم ومدارسة مشروع المخطط الوطني للماء 20-50 خلال أشغال اللجنة الوزارية للماء بتاريخ 25 دجنبر 2019 من أجل تجويده وإغنائه، وذلك في أفق عرضه على أنظار المجلس الأعلى للماء والمناخ خلال دورته المقبلة. أما في ما يخص تعبئة الموارد المائية فإن وتيرة إنجاز المشاريع المبرمجة تسير وفق البرنامج المسطر، سواء في ما يتعلق بتعبئة الموارد المائية الاعتيادية (لاسيما السدود) أو الموارد المائية غير الاعتيادية (تحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه). منذ الاستقلال، تبنى المغرب سياسة بناء السدود لمواجهة ندوة المياه، هل مازال المغرب يعتمد هذه التجربة؟ وهل أثبتت نجاعتها؟ كما جاء في سؤالكم، ارتكزت السياسة المائية ببلادنا على تعبئة الموارد المائية السطحية عن طريق السدود، وهو ما أسهم بشكل واضح في تأمين تلبية مختلف الحاجيات المائية وحماية الأفراد والممتلكات من الفيضانات، وبالتالي فقد أثبتت هذه السياسة نجاعتها. أما في ما يخص استمرارها من عدمه فمع الاقتراب من تعبئة حجم المياه القابل للتعبئة وتناقص المواقع الملائمة لبناء السدود والارتفاع المتزايد لكلفتها أصبح لزاما وفي إطار التدبير الأمثل للموارد المالية للدولة تبني مقاربة جديدة لبناء السدود تجعل منها مكونا من ضمن مكونات أخرى وحلول مندمجة تضمن تنويع مصادر التزويد وتضم الاقتصاد في الماء والتدبير الأمثل للمياه المعبأة. وفي هذا المجال تتوفر بلادنا وبفضل ارتفاع وتيرة إنجاز السدود على 149 سداً كبيرا بسعة إجمالية تفوق 19 مليار متر مكعب، الشيء الذي مكن من تأمين تلبية الحاجيات المائية في ظل ظروف صعبة تتسم بعدم انتظام التساقطات، وخلال فترات جفاف كانت شديدة في بعض الحالات. وكان من نتائج هذه السياسة: توفير الماء الشروب والصناعي، الشيء الذي ساهم في تحسين مستوى عيش السكان، ففي المجال الحضري بلغت نسبة التزويد 100 في المائة بينما بلغت في المجال القروي 97 في المائة، مع بعض التفاوت بين الجهات خاصة بالمناطق الجبلية التي ما تزال نسبة التزود فيها أقل من المعدل الوطني. -تطوير السقي على نطاق واسع، عن طريق تهيئة مدارات سقوية، حيث بلغت المساحة المسقية أزيد من 2 مليون هكتار، ساهمت بشكل كبير في تأمين الحاجيات الغذائية لبلادنا. كما ساهمت في الرفع من دخل الفلاحين وتحسين الظروف المعيشية للساكنة القروية. وبالإضافة إلى ذلك، فالسدود تلعب أدوارا أخرى من أبرزها: تحسين مستوى حماية السكان والممتلكات من الفيضانات، حيث لعبت المنشآت المنجزة دورا فعالا في التخفيف من حدة الآثار السلبية للفيضانات التي شهدتها مختلف مناطق المملكة. – إنتاج الطاقة الكهرمائية حيث تساهم المركبات الهيدرومائية المنجزة والمجهزة بطاقة إجمالية تقدر ب 1700 ميغاواط، أي حوالي 10 في المائة من الإنتاج الوطني في سنة هيدرولوجية عادية. ويروم كل من البرنامج الوطني للتزويد بالماء (2020-2027) والمخطط الوطني للماء 20-50، (بالإضافة إلى السدود الأحد عشر التي توجد قيد الإنجاز بسعة 2.5 مليار متر مكعب) إنجاز 50 سدا كبيرا، في أفق سنة 2050 من أجل بلوغ سعة تخزينية إجمالية تقدر ب 32 مليار متر مكعب. ومن أجل دعم التنمية المحلية، يقترح البرنامج رفع وتيرة إنجاز السدود الصغرى بغلاف مالي يقدر ب 600 مليون درهم في السنة في إطار تشاركي بين جميع الأطراف المعنية. وتتم برمجة هذه المشاريع في إطار لجنة «بين وزارية» تضم القطاعات الوزارية المعنية وذلك بناء على اقتراحات اللجان الجهوية. وقد باشرت هذه اللجنة أشغالها لتحديد معايير البرمجة وطريقة عملها مع اللجان الجهوية، وكذا برنامج عمل 2021 لإنجاز سدود صغرى جديدة وتثمين السدود المنجزة خاصة في المجال الفلاحي وإرواء الماشية وتطعيم الفرشات المائية الجوفية.