لن أتحدث عما تحدثه الأمطار من أضرار وخسائر تنجم عنها تصدعات وشقوق وحفر في الأرصفة والشوارع والطرقات، ومستنقعات وبرك مائية في الأحياء الشعبية واختناق في مجاري الوادي الحار وبالوعات المراحيض واختلال في نظام حركة المرور وأحيانا انهيار منازل متهالكة في المدينة القديمة وعمالة الفداء.. كل هذه الأضرار والخسائر ناتجة عن أخطاء بشرية بسبب الإهمال والتقصير وغياب التفكير الاستباقي لدى المسؤولين لمواجهة غزارة الأمطار قبل حلول فصل الشتاء ولانعدام ثقافة بيئية لدى المواطنين الذين يلقون بالنفايات والازبال والمتلاشيات في كل مكان. ولكنني سأكتب عن أمطار الخير التي نستبشر بها - مثل جميع المغاربة - ويعتبرونها نعمة ورحمة ويفرحون برؤية قطراتها الفضية واشعاعات بروقها وفرقعات رعودها. فالانسان خُلق من طين، والطين يلين عندما يبلله الماء، وعندما تهطل الأمطار على مدينة الدارالبيضاء تسترخي أعصاب البيضاويين وتنشرح صدورهم وتتسع شرايين عروقهم. عندما تهطل الأمطار تغسل الأشجار والجدران والشوارع والأزقة وتتسلل المياه الى صدور الناس لتغسل قلوبهم من غبار هموم الحياة ومن صدأ الغم والحزن، فتشرق الوجوه بنور المحبة وتعلو الابتسامات الشفاه وتتجلى »التغوبشة والخنزرة« ويسود التسامح في المعاملة. عندما يهطل المطر.. بهدأ قلق السائقين وتختفي نرفزاتهم وحزازاتهم فتراهم يسوقون على مهل ويحترمون علامات المرور. عندما يهطل المطر يلجأ المشردون و»الشماكريا« والسكارى الى مخابئ تقيهم البلل فيستريح السكان من صراخهم وضجيجهم وصراعاتهم الليلية.. عندما يهطل المطر تقلل العصابات من تحركاتها واعتداءاتها الاجرامية على المواطنين. عندما تهطل الأمطار تختفي كراسي المقاهي من الأرصفة وقد كانت تعرقل مرور المواطنين.. عندما تهطل الأمطار يصبح الزحام في الحافلات مصدر دفء ومحبة وترى الركاب منسجمين في أحاديث كلها شكر وحمد لله على هذه الخيرات. وعندما تهطل الأمطار يشعر الانسان كم هو قريب من الله.. اللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك واحيي بلدك الميت.