على امتداد معرضه الأخير المقام بقاعة السيدة الحرة بمدينة شفشاون ، نعثر ضمن لوحات الفنان الشاب عمر سعدون على مزيج من الألوان والرموز والتشكيلات ، هادئة ومتمردة أحيانا، حاملة لتصورات واختيارات جديدة ، تجعل من اللوحة أفقا لونيا يتدفق في كل اتجاه .. هكذا يبحث الفنان عن طرائق ومساحات تكون هي فضاءه الهارب نحو الدهشة .. وهكذا حدثنا في هذا الحوار ************************ كيف جاءت فكرة بلورة أعمالك الفنية الأخيرة؟ تبلورت فكرة معرضي هذا منذ سنة 2007 ، بعدما استفزتني العديد من مشاهد القتل والانفجارات الإرهابية على شاشات القنوات الفضائية وعبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة . ويمكن اعتبار المعرض نوعا من الاحتجاج على هذا الوضع ، وهو احتجاج استمد مقوماته من توظيف اللون كمجال للتخييل ، عبر ربطه بإيحاءات رمزية ووفق مساحات مفتوحة على أفق التأويل. يعد اللون عنصرا مهيمنا في لوحاتك ، ما الذي يمثله لك هذا التجلي؟ اللون بالنسبة لي عنصر حسي ونفسي قبل أن يكون مادة أو أداة فنية، فكل فنان يعمل على تطويعه حسب هواجسه ورؤاه . والأهم من كل هذا هو كيفية بناء تصورات واختيارات تقوم بتطوير تجربة الفنان ضمن مساحات فنية هاربة نحو الدهشة. فأحيانا أجعل اللون هو الذي يحفر سياقاته ومجراه ، ولا أكون أمام قماش اللوحة إلا مكملا لهذا الفعل ولهذا الحدث .. هكذا تجعلني الألوان أتدفق معها في كل اتجاه. نلمس أيضا ضمن بعض لوحاتك استحضار بدايات طفولتك عبر رموز توحي بذلك؟ أكيد أنني عشت طفولة تماهت ضمنها جملة من التقاطعات والصور ، منذ مرحلة القصر الكبير مسقط الرأس ، إلى مرحلة الدراسة بشفشاون وتطوان ، وأعتقد أنها كلها عوامل عملت على استحضارها إن بشكل أو بآخر من خلال توظيفها ضمن مجموعة من الرموز. مما يعني أن شطحات الذاكرة تظل مسيطرة على حواس الفنان مهما بلغت درجات سفره داخل سياقات العمل التشكيلي. كما أن انتقالي إلى مدينة شفشاون ، غير من إيقاعات الألوان لدي ، حيث وجدتني داخل فضاء استثنائي ومختلف ، وبالتالي حصل لي انتقال مابين الألوان البنية الساخنة التي كانت تعبر عن مدينة القصر الكبير إلى الألوان الزرقاء الباردة التي يتميز بها المكان/ شفشاون والتي حاولت توظيفها عبر تجليات أخرى كالمعمار وبعض الأشكال الالتفافية. لكل فنان أفق اشتغال ومساحات للمغامرة . ماهي مشاريعك المستقبلية؟ على مستوى التشكيل ، أسعى دائما إلى تطوير تجربتي لتعكس مساحات أخرى من انشغالات التفكير والرؤى ، بعدما تلقيت من زوار ومتتبعي المعرض بعض الآراء والتحيينات التي سأعمل على توظيفها في المستقبل. وبالموازاة مع ذلك لي اهتمامات أخرى كالاشتغال بفن الأداء الذي يتقاطع مع فني المسرح والسينما، إذ شاركت مؤخرا ضمن ملتقى بكاطالونيا الاسبانية عبر تقديم مشهد أمام الجمهور ينتقد الحياة اليومية ، وهي تجربة استفدت منها عبر احتكاكي بفنانين متمرسين في هذا المجال.. فضلا عن اهتمامي بإعداد مجوعة من الأفلام القصيرة التي تمس مواضيع وقضايا مرتبطة بالواقع والإنسان والأمكنة ، إذ سبق لي أن نلت عن فيلمي القصير « أحلام صامتة» جوائز لجنة التحكيم بكل من الرباط وضمن ملتقى سينما الهواة بتونس.