غاصت مناقشات دورة المجلس الوطني الثالثة في إحدى أهم القضايا التي تشغل باب المغاربة وتتعلق بحرية التعبير وأداء الصحافة الوطنية في هذه الظروف الدقيقة التي تمر منها البلاد. وتضمن بيان هذه الدورة فقرة أكدت مايلي: «وحزب الاستقلال إذ يسجل أجواء الحرية السائدة في البلاد خصوصا في مجال حرية الصحافة والانفتاح السياسي فإنه يدعو الى التحلي بالمسؤولية والتعقل لضمان مزيد من شروط إنضاج التجربة». ويصادف اهتمام المجلس الوطني بهذه القضية التي يعتبرها حزب الاستقلال مقدسة، مستجدات كثيرة عجت بها الأوساط السياسية والحقوقية والاعلامية. وحرصت هذه المناقشات على التأكيد على الأدوار الطلائعية الهامة التي قام بها حزب الاستقلال ولايزال يؤدي بصددها مسؤوليته كاملة، واستحضرت هذه النقاشات بكامل الاعتزاز أن أول قانون متقدم في حينه ينظم ممارسة هذه الحرية صدر في 15 نوفمبر 1958 في عهد حكومة الفقيد أحمد بلافريج الأمين العام لحزب الاستقلال في ظروف تاريخية كانت غاية في الصعوبة، في بلد خرج لتوه من الهيمنة الاستعمارية وكان يبحث في إطار الخلاف والتعدد وحتى النزاع عن كيفية بناء استقلال يستجيب لتطلعات وانتظارات المغاربة. كما استحضرت هذه النقاشات التضحيات الجسام التي دفع الاستقلاليون ثمنها غاليا من الهجوم العنيف على مطبعته وجريدته ومحاكمة العديد من صحافييه وأطره وجميع أشكال التضييق التي حاولت جاهدة إسكات الصوت الاستقلالي ، وكان هذا الأداء يتعلق بفضح التجاوزات وإبداء الرأي حول تدبير الشؤون العامة والدفاع عن الديمقراطية وقيام مؤسسات دستورية حقيقية ذات سيادة، ولم يسجل في أية لحظة أن حزب الاستقلال حصر معركة حرية التعبير والصحافة في المس بالاشخاص وتوزيع التهم والادعاءات. هذه النقاشات ترد على من لم يسعفه عمره الآن المشاركة أو على الأقل تسجيل الحضور في حقب من زمن سياسي كان يتسم بالخطورة، وهي طبعا لاتقتصر على استعادة الماضي فقط، بل إنها تؤكد الشرعية التاريخية التي تميز الأداء الاستقلالي في هذا الصدد. اليوم يجدد الاستقلاليون العهد مع تقديس حرية الصحافة وحرية التعبير، ويعتبرونها مكسبا لا تملك أية جهة شرعية أو أحقية الردة عنها. ولكن أيضا يؤكد الاستقلاليون بأن الحرية لاتعني السيبة والفوضى ورمي الأشخاص بمختلف أشكال السب والقذف واختلاق القصص والروايات، فحرية الأشخاص أيضا مقدسة ولا يحق لأية جهة وإن كانت صحافة أن تمس بها أوحتى تخدشها. ثم إن الحرية لايمكن أن تختزل في معالجات تبدو وكأنها مصرة على استهداف المؤسسات الدستورية بهدف تقويضها، بل الحرية الحقيقية هي التي تسعى الى تقوية هذه المؤسسات وتحصينها. نعم، نفرق بين الحق في انتقاد هذه المؤسسات والاختلاف في رؤى تدبير شؤونها، وهذا ما يندرج في إطار النقد العمومي الذي يجب ان يسود ويندرج في صلب وكنه ممارسة حرية التعبير وتصريفها، ولكن الاستقلاليين يميزون بين هذا الحق المقدس وبين الالتفاف عليه واختزاله في الادعاءات والقذف. ولذلك كله وضع المجلس الوطني لحزب الاستقلال كلمة المسؤولية مرادفة للحرية في هذا الصدد، وطبعا فإن المجلس الوطني للحزب لايقصد المسؤولية بمفهومها الأمني والضبطي الذي قد يفهم منه التضييق على هذه الحرية، بل يقصد بالمسؤولية المفهوم الذي تضمنته المواثيق الدولية لحقوق الانسان سواء تعلق الأمر بالاعلان العالمي لحقوق الانسان أوالعهد الدولي للحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.