عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنّ رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: «أيّ الإسلام خير؟ قال: تطعم الطّعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف». من أسماء الله الحسنى الجواد والكريم والمعطي والوهّاب، أسماء جمال تتجلى أنوارها على الخلائق عطاءً وإحساناً. قال تعالى : (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق. وكان الإنسان قتورا) [الإسراء:100] وقال: «وهو خير الرازقين» (المومنون: 73) وقال: «ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض. للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله. إن الله كان بكل شيء عليما» (النساء: 32)، وقال : «ذلك الفضل من الله، وكفى بالله عليما» (النساء: 69) ، وقال «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء: والله ذو الفضل العظيم» (.الجمعة 4) وقال: «إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب» (آل عمران: 37) وأكرم الناس، وأشرفهم من كان له حظ من التخلق بهذه الأسماء الحسنى والتحلّي بالأخلاق الربّانية التي اشتملت عليها. وخلق الجود من أسمى الأخلاق الإنسانية في الإسلام، ورحم الله ابن رشد إذ قال عن أبي العبّاس السّبتي «هذا رجل مذهبه أنّ الوجود ينفعل بالجود». ولعلّ هذه القولة الحكيمة تندرج ضمن مفهوم قول الله سبحانه: «من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة. والله يقبض ويبسط. وإليه ترجعون» (البقرة: 243)، وقوله: «مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة. والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم» (البقرة: 260) فمع الجود الإنساني انفساح في الوجود، وسعة في الرّجاء، وفيض من العمل الصالح والإحسان، وسموّ إلى الكمال. و«إذا جاد الله، جاد عمر» كما قال الخليفة الراشد الفاروق رضي الله عنه، بمعنى أنّ الجود الإنساني من نبع الجود الإلهي، وهو سبب لزيادة هذا الجود الذي لا يحدّ ولا يُعَدّ، قال تعالى: «وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد» ( إبراهيم: 9) وقال: «فاذكروني أذكركم، واشكروني ولا تكفرون» (البقرة: 151)؛ فمع الشكر الزّيادة، ومع الجود فيض الوجود، والسعادة. هذا العطاء من العباد المؤمنين الشاكرين نابع من العطاء الإلهي إذ هو من تجليات اسم الله «الجواد»، ولا ينحصر في المعاملات الإنسانية ضمن دائرة الإنفاق المالي، بل هو واسع يشمل مختلف وجوه الجود، وأنواع العطاء. وفي مقدّمة هذه الوجوه والأنواع الكلمة الطيّبة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الكلمة الطيّبة صدقة» وفي مقدمة الكلمات الطيّبات «السّلام». ولهذا عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيّ الإسلام خير؟ قال: «إطعام الطعام» (الجود المادّي) « وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» (الجود اللساني القلبي). ولم يخصّص الحديث إفشاء السلام بفئة خاصة دون فئة أو فئات أخرى، بل جعله عامّا شاملا يستغرق كافة خلق الله. «وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف». إذ صلة التّراحم بين المخلوقات هي العمدة في صلاح الحياة بإذن الله تعالى، «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» والسلام أو إقراؤه مفتاح كل أشكال صلات التّراحم. وهو من تجلّيات اسم الله تعالى «السّلام»، ومن تخلّق الإنسان بأخلاقه. لقد راعى النبي الأكرم في هذا الحديث الشّريف الجانبيْن: الجانب الحيوي (المادي) الذي يلبي حاجاته المادّية: إطعام الطعام (الإنفاق المادّي)، والجانب الاجتماعي النفسي (المعنوي) الذي يلبي حاجاته المعنوية: إفشاء السلام. وهذا من جوامع الكلم المحمدي.