عباس عشاق وصف الله نبيه الكريم سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم بأوصاف جليلة عظيمة بلغت حد المهابة والجلالة ومنتهى الحسن والجمال والبهاء والكمال وأعطاه من الخير الكثير ما لم يعط لأحد من خلقه زيادة على أن الله عز وجل رفع ذكره وأعلى قدره وشانه وأكرمه بمعجزات حتي أوصله إلى مكان عال لم يصل إليه ملك مقرب ولا نبي مرسل فكان بفضل الله هو صاحب لواء الحمد والمقام المحمود والحوض المورود والشافع المشفع وسيد ولد ادم وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة وهو خاتم الأنبياء والمرسلين وإمام المتقين وجعل أمته خير امة أخرجت للناس وانزل عليه كتابه الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وجعله نبي الرحمة المهداة ورءوفا رحيما ووصفه بالعبودية في اشرف المقامات ووصفه بالخلق العظيم وبالسراج المنير والبشير النذير وجعل طاعته في طاعته وسخطه في سخطه فقال: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) [الآية رقم 79 من سورة النساء]. كما جعل بعثته منة على المومنين فقال عز من قائل «لقد من الله على المومنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين» .[الآية 164 من سورة أل عمران] وشرح صدره ووضع وزره وعلمه ما لم يكن يعلم وكان فضله عليه عظيما وغير ذلك مما فضل الله به نبيه الكريم على سائر الخلق في عالم الدنيا والدين ونحن هنا لسنا بصدد عرض كل الأوصاف والفضائل والخصائص التي خص الله بها نبيه فهذا مما لا يسمح به المقام في مثل هذا المقال الذي يفرض علينا قصر المادة واختصار الكلام لعلنا نوفق في تحقيق ما قيل في باب الإيجاز والاختصار خير الكلام ما قل ودل ولذلك سنحاول أن نكتفي ببعض الإشارات غايتنا في ذلك التذكير بها لاستخلاص العبر والعظات واستلهام الهداية والتوفيق وفقا لقوله تعالى: «وذكر فان الذكرى تنفع المومنين) [الآية رقم 55 سورة الذاريات] وقوله عز وجل (وذكرهم بأ يام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور» [الآية 7 سورة إبراهيم]. هذا ومن بين ما أكرم الله به نبيه المصطفي الأمين انه حسن خلقه وخلقه حيث أكرمه بحسن الهيئة والصورة فكان آيات في الحسن والجمال وأضفى عليه من الهيبة والجلال والوقار والأنوار ما يسر الناظرين إذ كان كل من رآه يهابه ويجله ويوقره ويحترمه حتى إن بعض الناس اعتنق الإسلام بمجرد النظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث امن بعض الأعراب وأهل الكتاب بالنظر إليه وحينما سئل احدهم عن السبب قال لما نظرت إليه قلت ليس بوجه كذاب. قال حسان بن ثابت رضي الله عنه في وصفه للنبي صلى الله عليه وسلم. وأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء خلقت مبرأ من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء وقال عمه أبو طالب في حقه: وابيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل وقال علي بن أبي طالب يقول عنه ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله أي يقول ذلك عند العجز عن وصفه وقال أبو هريرة رضي الله عنه ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجه »رواه الترمذي والبيهقي واحمد وابن حبان» . وقال البراء بن عازب رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا ليس بالطويل الذاهب ولا بالقصير البائن) [رواه البخاري ومسلم]. وقال وهب بن منبه قرأت في واحد وسبعين كتابا أن الله لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله صلى الله عليه وسلم إلا كحبة رملة بين رمل من جميع رمال الدنيا [رواه أبو نعيم في الحلية ]وروى البخاري في هذا السياق عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال (لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قلت اخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة قال اجل والله انه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) وحرزا للاميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم الله به الملة العوجاء بان يقولوا لا اله إلا الله ويفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا). هذا وأمام جمال صورته وحسن هيئته وقوة شخصيته وقف بين يديه صلى الله عليه وسلم رجل وهو يرتعد فقال هون عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد وفي وصف دقيق لامرأة عاقلة جلدة برزة تكنى أم معبد الخزاعية وهي المرأة التي ذكرتها كتب السيرة والتي مر النبي صلى الله عليه وسلم بخيمتها وهو في طريقه من مكة إلى المدينة في موكب كريم كان يتألف منه ومن أبي بكر الصديق ومن عامر بن فهيرة وعبد الله بن اريقط وكان على دين قومه وبما انه كان ثقة وله خبرة بالمسالك وبالطرق المؤدية إلى المدينةالمنورة و كان هذا الرجل خريتا ودليلا له مهارات في هذا المجال فقد أمنه النبي صلى الله عليه وسلم فاستعان به على معرفة الطريق الذي يجنبه مطاردة قريش ورصدها له ففي طريق الهجرة مر بهذه المرأة فوصفته صلى الله عليه وسلم لزوجها فقالت «ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة، وسيم، قسيم، في عينيه دعج، وفي اشفاره وطف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطع، احور، أكحل، أزج، اقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وان تكلم علاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فصل لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم، يتحدرن ربعة، لا تقحمه عين من قصر، ولا تشنؤه من طول، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله: وإذا أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس ولا مفند». ووصفه الله بالسراج المنير وهو المصباح الذي يسرج بالليل كما وصفه بالنور ووصفه بالرأفة و الرحمة فكان رحيما بالخلق حتى شملت رحمته كل أهل الأرض قال تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [الآية رقم 106 سور الأنبياء] ووسعت رحمته كل ذي كبد رطبة وكان يقول: إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم) قال المناوي رحمه الله في تفسيره لهذا الحديث أي في الشفقة وفي تعليم ما لا بد منه فكما يعلم الأب ولده الأدب فانا أعلمكم ما لكم وما عليكم كما كان أحسن الناس عشرة لأزواجه ولخدمه قالت عائشة رضي الله عنها «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط لا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله» [رواه مسلم]. وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال «لقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فو الله ما قال لي أف قط ولا قال لشيء فعلته لما فعلت كذا ولا لشيء لم افعله إلا فعلت كذا» [رواه مسلم] .وعنه أيضا قال: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا لعانا ولا سبابا كان يقول عند المعتبة ما له ترب جبينه» [رواه البخاري] ومما ورد في رحمته للحيوان والطيور والوحوش ما رواه الحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن رجلا أضجع شاة يريد أن يذبحها وهو يحد شفرته فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتريد أن تميتها موتات هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها». وما رواه مسلم عن أبي يعلى شداد بن اوس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته » وما رواه أبو داوود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: « كنا مع رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش أي ترفرف فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها). فما أحوج الناس اليوم إلى هذه الرأفة والرحمة والخلق الكريم والمعاملات الحسنة وما أحوجهم إلى التحلي بهذه الأخلاق الكريمة في وقت طغت فيه المادة وانساق الناس مع شهواتهم وأهوائهم حتى اختلت الموازين والقيم وسقط الناس في الهاوية إلا من رحم الله فبالرجوع إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتخلق بأخلاقه والتحلي بصفاته لإحياء سنته ولاقتداء به والنهل من منابعه الصافية يعالج الناس وتذهب أمراضهم قال تعالى (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمومنين) [الآية 57 من سورة يونس]. هذا ولا يليق بعاقل أن يسيء إلى هذا النبي الكريم الذي شملت رحمته الإنس والجن والحيوان والطيور والوحوش والمومن والكا فر فمن أساء إليه فقد أساء إلى العالم كله انسه وجنه مومنيه وكافريه ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.