عالم الشعارات ورفع أعلام لقيم إنسانية رفيعة هو ما يصدق على العالم اليوم وهذا ما يلاحظه الإنسان وهو يتتبع ما يجري أو على الأقل جزء مما يجري في عالم اليوم، فأمام المذابح والمجازر التي يعرفها العام في كثير من أجزائه ومناطقه، وأمام دوس الإنسان وكرامته وحرمانه من لقمة العيش حيث مآت الملايين مهددة بالموت جوعا ولا تجد لقمة تسد بها الرمق، وتحول بينها وبين الموت المؤكد، وأمام تفاحش الأمراض وانعدام الدواء وغلاء تكاليفه، وتدفق ملايين اللاجئين هنا وهناك لأسباب وعوامل متعددة في هذا الجو وهذا الوضع اللاإنساني تبرز إلى السطح وعبر وسائل الإعلام لجنة تدعوا لإحياء "يوم عالمي للكرامة". إن الإنسان مهما كان وأحرى إذا كان يعتقد دينيا أن الكرامة جزء من الوجود الإنساني لا يسعه إلا أن يبارك كل خطوة من شأنها أن تدعم هذه الكرامة التي هي جزء من فطرة الإنسان وتكوينه، هذا من حيث المبدأ غير أن الأسماء التي برزت في هذه الدعوة تدعو إلى التساؤل فهي أسماء وازنة ومسؤولة في دولها، وهو أمر يدعو إلى التساؤل كما قلت لماذا لا يدفع هؤلاء الناس في دولهم إلى أن تكون هذه الدول هي الداعمة الأولى للكرامة الإنسانية في دولها وفي العالم. إن الكرامة والعيش الكريم للجميع شعار جيد ويعبر عن نوايا حسنة ولكن اين نحن من شعار قديم هو حقوق الإنسان؟ فالكرامة نتيجة تلقائية لحماية حقوق الإنسان حماية حقيقية، ولعل أن تكون الدعوة القديمة لاحترام حقوق الإنسان واتخاذها شعارا لبعض الدول بل شرطا في تقديم العون والمساعدة لم تعد تؤثر وتوتي نتيجتها ما دامت الممارسات التي كشف عنها ورفع الستار حولها والتي كانت أسس سياسات بعض هذه الدول التي جعلت الشعار القديم لاحترام حقوق الإنسان عنوان سياستها الخارجية؟ ومهما كانت الملاحظات أو الانتقادات التي توجه للحكومات والدول في مخالفة الفعل للقول، فإن الحملة من أجل التوعية بالكرامة الإنسانية أمر ايجابي في حد ذاته، وهي حملة إذا نجحت ستكون أول عمل عالمي إنساني يمكنه أن يشعر معه الملايين من الناس بأن العالم استيقظ وبدأ يتحدث عن شيء واضح غير قابل للتأويلات أو الخصوصيات، لقد كان شعار الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات يتم التنصل منه برفع شعار الخصوصية الوطنية أو الدينية أو هما معا للفرار من الالتزام بهذا الحق أو بتلك الحرية أو بتمتيع الشعب باختيار حكامه وممثليه في المؤسسات التقريرية بكل حرية ونزاهة. وهذا ما يدفع الناس أو الناقدون لقبول مبرر الخصوصية ولو كان زائفا ما دامت العهود و المواثيق الدولية نفسها تتيح حق التحفظ باسم الخصوصية وبالأخص الدينية، وما أكثر الحقوق التي ضاعت تحت هذا الشعار، لقد تم تزوير الانتخابات وقمع جماعات وأحزاب هنا وهناك بذريعة احترام الخصوصية القومية أو الدينية، ولا يهم ان يتم تجاوز هذه الخصوصية فيما إذا كان ذلك مما يدخل في دعم الممارسات التي تصدر عن الجهات النافذة في هذه الدولة أو تلك. اما شعار الكرامة فهو فيما يظهر شعار واضح فلا كرامة بدون حرية ولا كرامة بدون عمل ولا كرامة دون سكن لائق، ولا كرامة دون تعليم ولا كرامة دون أمن الإنسان على كل شيء له مساس بحياته الخاصة والعامة، وبإجمال فالكرامة عنوان الإنسان الذي يتمتع بكل الحقوق التي وهبها الله له يوم خلقه مكرما عزيزا فأكد هذه الحقيقة في قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً). وحبذا لو كان شعار حملة التوعية التي يقوم بها هؤلاء الناس هو هذه الآية الكريمة التي تربط بين الكرامة والعيش الطيب الكريم.