جاء في دراسةِ أجرتْها الباحثتانِ الاجتماعيتان الأمريكيتان ماريا كانشين، وديبورا ريد "وهما من اللواتي لهنّ خبرةٌ في التزوُّجِ" ونشرتاها في كتاب "تغيير الفقر.. تغيير السياسات"، أنّ من الأمور التي تزيدُ من نسبةِ الفقرِ في العالَمِ انخفاضُ مُعَدَّلات الزواج، وارتفاعُ مُعَدَّلات الطلاقِ. بل وزادَتا قولَهما في شيءٍ من الحكمةِ "تَزوَّجْ، تَزْدَدْ ثراءً". ولكنّ الباحثتَيْن لم تُفَسِّرا معنى الثراءِ المقصودِ من فعلِ الزّواجِ. ذلك أنّ أرصدةَ بعضِ الرِّجالِ المتزوِّجين مليئةٌ بالخَيْباتِ والصُّكوكِ التي دون رَصيدٍ والسُّلْفةِ دونَ حياءٍ. بل إنّ الزَّواجَ مثّلَ للبعضِ طريقًا لجحيمِ على غرار زواج قابيل من جُهانةَ، إذْ تلطّختْ صفحةُ سيرةِ الرَّجُلِ البيضاءَ بدمِ أخيه هابيلَ وعادَ إلى ربِّه مُثْقَلاً بالأحزانِ والحَيْرةِ. > لا أحدَ يُنْكِرُ أنّ الزواجَ فعلةٌ تفتحُ أمامَ الرّجُلِ أبوابَ السماءِ وتمكّنُه من أنْ يَطْرُقَ منها ما يشاءُ وِفْقَ رِغبتِه في الجنة أو في الجحيمِ. وله في هذه الأبواب مساربُ يصلُ منها دُعاؤُه بالخلاص من قفصه العائليِّ المُذَهَّبِ بالنِّفاقِ الاجتماعيِّ إلى عرشِ الرحمانِ دون ضرائبَ جُمركيّةٍ ولا تنقيحٍ في بِنْيةِ النصِّ ودلالاتِه الثاويةِ في بُطونِ جُمَلِه تلك التي يتفطَّنُ إليها بعضُ الإنسِ من نَقَدَةِ الكلامِ فيمنعُون مرورَها إلى هناكَ من بابِ حمايةِ الأوطانِ من المارِقينَ وأصحابِ النوايا السيّئةِ والمُفْسِدين في الأرضِ والمتطرِّفين وباقي الأوصافِ التي أمدّتنا بها أدبياتُ العولمةِ. ويبقى الزّواجُ، وِفْقَ ما نعرِفُ مَنْ تجارب المتزوِّجين الذين يسكتون عنها ويُغطّونَها بالابتساماتِ، مؤسّسةً تتغيَّا تصنيعَ الحُبِّ المُعلَّبِ الخالي من جنونِ العواطِفِ. بل هو المؤسَّسةُ الوحيدةُ التي لها أهليّةُ مَنْحِ الرّجلِ وِسَامَ الذُّكورةِ وومن ثمّة تُحمِّلُه مسؤولياتٍ تاريخيّةً واجتماعيّةً وأخلاقيّةً لا يمكنُه التهرُّبُ من أدائها إلاَّ متى خرجَ من الدُّنيا عارِيًا من مَتَاعِها. > يُقالُ: الزواجُ ثروةٌ معنويّةٌ، ونقولُ: الزواجُ يُفْلِسُ الرّجُلَ من كلِّ شيءٍ: يُفْلِسُ نفسَه من أحلامِها في الأرضِ حتى لا يُصابَ بخَيْباتِ الأملِ المريرةِ، ويُفْلِسُ جسدَه من شهواتِه حتى لا تتفشّى فيه أمراضُ الأرَقِ والرُّهابِ من الأيّامِ والسُكّريّ والسِّمْنةِ وارتفاع ضغط الدّمِ فيقلُّ رجاؤُه في الآخرةِ وِفْقَ قولِ عمرٍ رضي الله عنه "مَنْ كَثُر أكلُه لم يَجِدْ لِذِكْرِ الله لذَّةً"، كما يُفْلِسُ جيوبَه من "المَصاري" كَيْلاَ يُسْرِفَ في الصَّرْفِ فيصيرَ سَفِيهًا واللهُ لا يُحبُّ السُّفَهاءَ المُبَذِّرين أموالَ المسلمينَ من عِبادِه على حدِّ قولِه تعالى في الآية 31 من سورة الأعرافِ: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ".