ظاهرة غريبة أصبحت تجتاح المجتمع المغربي في الآونة الأخيرة تذكرنا بأيام السيبة التي عرفها المغرب في تاريخه القديم والمتمثلة في استعمال العنف والتهديد بالسلاح واستعماله ضد أعوان القوات العمومية من درك ملكي وأمن وطني وأفراد القوات المساعدة ورجال السلطة الإدارية، وهي ظاهرة إن دلت على شيء فإنما تدل على تحول خطير في سلوك المواطن المغربي. وتطالعنا وسائل الإعلام بجميع أصنافها عن العنف الذي يجابه به حماة الأمن والاستقرار من طرف بعض الفئات الاجتماعية التي يغلب عليها السلوك الجرمي، ويكفي الإشارة في هذا الصدد كيف تحول تدخل رجال الأمن الوطني بقرية سيدي موسى بعمالة سلا مؤخرا إلى مواجهة عنيفة بين هؤلاء ومروجي المخدرات أسفرت عن استعمال السلاح الناري، كما أن أحد المسؤولين عن التعمير لقي حتفه بالدار البيضاء بعد أن تلقى ضربة غدر مميتة من طرف أحد العاملين بورشة البناء. ناهيك عن الانتهاكات الجسيمة ضد الموظفين العموميين داخل الإدارات العمومية والأسواق والطرق وحتى الموانئ والمطارات سواء بطريقة وجاهية أو عبر استغلال النفوذ. ومما يحز في النفس أن الجمعيات الحقوقية لا تتدخل للتنديد بالانتهاكات ضد حقوق الإنسان إلا إذا كان المجني عليه مواطنا عاديا أما إذا كان من أعوان السلطة العمومية فقلّ أن نسمع بتنديد أو إدانة للفعل الجرمي وكان هؤلاء لا يدخلون ضمن زمرة المعنيين بحقوق الإنسان. ومما ينبغي التأكيد عليه في هذا الصدد بأنه لا يستقيم إقرار الأمن والطمأنينة في غياب التشارك والتمازج مع أعوان السلطة العمومية ورجال القضاء انسجاما مع مبدأ أن هيبة الدولة من هيبة رجالها، ولا وجود لحقوق بدون التزامات تتلخص في إحقاق الحق والحفاظ على الأمن بمفهومه العام ومن تم فهم في خدمة القانون الذي يعد أسمى تعبير عن إرادة الشعب. وكم يحز في النفس أن تعاين أن بعض المواطنين يصطفون إلى جانب الخارجين عن القانون كلما همت دوريات الأمن إلقاء القبض على أحدهم، ويظهر هذا بالملموس في الأحياء الآهلة بالسكان عند الرغبة في تنقيتها من مروجي المخدرات والكحول أو الحبوب المهلوسة، بل هناك من لا يتردد في التستر على المجرمين وكأن القبض عليهم هو الجرم وليس أفعالهم المشينة. كما أن هناك فئة من المواطنين لا تتورع في مقابلة الأفعال الجرمية التي تكون شاهدة عليها باللامبالاة، والدليل على ذلك ما يقع جهرا أمام الملأ من نشل وسرقة وتحرش بالمارة وتدنيس للقبور وإتلاف للأملاك العامة ورشق القطارات والحافلات العمومية بالحجارة دون أن يدخل أي مواطن لتغيير المنكر ولو بالتبليغ عن الجاني. والحاصل أن هناك خللا في المجتمع المغربي يتمثل في تنامي السلبية والرغبة في تدمير الذات والمحيط الخارجي على حد سواء وكأن البعض في حرب على القانون، وما ظاهرة حرب الطرق والبناء العشوائي والدعارة والاختلاس والأعمال الإرهابية إلا صور دالة على تقهقر المفاهيم الإنسانية والدينية بل وحتى الروح الوطنية لدى البعض. وللتذكير فإن القانون الجنائي المغربي يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من 250 إلى 5000 درهم كل من أهان رجال القضاء أو الموظفين العموميين أو رجال القوة العمومية أثناء قيامهم بوظائفهم أو بسببها وذلك بقصد المساس بشرفهم أو بشعورهم أو الاحترام الواجب لسلطتهم. وإذا وقعت الإهانة على رجال القضاء أو الأعضاء المحلفين فإن الحبس يكون من سنة إلى سنتين (الفصل 263 من القانون الجنائي) . كما أن المشرع يعاقب على كل هجوم أو مقاومة بواسطة العنف أو التهديد به أو الإداء ضد موظفي أو ممثلي السلطة العامة القائمين بتنفيذ الأوامر أو القرارات الصادرة من تلك السلطة أو القائمين بتنفيذ القوانين أو النظم أو أحكام القضاء أو قراراته أو الأوامر القضائية، وتكون العقوبة الحبس من شهر إلى سنة وغرامة 200 درهم كحد أدنى. وإذا وقعت جريمة العصيان من شخص أو شخصين، وإذا كان مرتكب العصيان مسلحا فإن العقوبة الحبسية تكون من 3 أشهر إلى سنتين والغرامة من 200 إلى 500 درهم. أما في الحالة التي يقع العصيان من أكثر من شخصين مجتمعين فإن العقوبة هي الحبس من سنة إلى 3 سنوات وغرامة من 200 إلى 1000 درهم، ويكون الحبس من سنتين إلى 5 سنوات والغرامة من 200 إلى 1000 إذا كان في الاجتماع أكثر من شخصين يحملون أسلحة ظاهرة. وإذا وجد أحد الأشخاص حاملا لسلاح غير ظاهر فإن العقوبة المذكورة أعلاه تطبق عليه وحده (الفصول 300 إلى 302 من القانون الجنائي). ويقصد بالسلاح جميع الأسلحة البيضاء والنارية والمتفجرات. وصفوة القول فإن المطلوب أن تتضافر الجهود من أجل احترام القانون وهيبة الدولة دون المساس بكرامة المواطن.