ينتهز بعض المناوئين للغة الوطنية الرسمية بموجب المادة الخامسة من دستور المملكة المغربية ل2011؛ أي اللغة العربية؛ مناسبة عرض القانون الإطار رقم 17.51، المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي على المناقشة في مجلس النواب؛ حيث أحالته الحكومة يوم الأربعاء 5 شتمبر2018، على مجلس النواب؛ وبالضبط على أنظار لجنة التعليم والثقافة والاتصال يوم الأربعاء 12 شتمبر 2018؛ من أجل قراءته وتقديم التعديلات المقترحة قبل المصادقة عليه، وذلك بعد أن صادق عليه كل من المجلس الحكومي بتاريخ يوم 4 يناير 2018، والمجلس الوزاري في 20 غشت 2018؛ أقول ينتهزونها – بعضهم- فرصة لتصفية بعض حساباتهم الشخصية والتاريخية مع هذه اللغة التي تعايش معها المغاربة قاطبة منذ تأسيس أول دولة في تاريخنا وإلى اليوم. ولا يجد هؤلاء مدخلا للنيل من تاريخها المشرق والمقلق في الآن نفسه، كالتعريب؛ الذي رفع شعارا، واتخذ سياسة؛ منذ الاستقلال في إطار إصلاح منظومة التربية والتكوين. يحاول بعض هؤلاء الزاعمين المنافحة عن حقوق الإنسان؛ والحقوق اللغوية خاصة؛ استثمار اشتداد النقاشات التي حمي وطيسها بين أعضاء الفرق البرلمانية من الأغلبية الحكومية ومن المعارضة؛ في لجنة التعليم والثقافة والاتصال، والوزير الوصي على القطاع، لاستباق أي تعديل جوهري يمس المادة 31 خاصة؛ والمتعلقة بالهندسة اللغوية وتدريس اللغات ولغات التدريس. من أجل ذلك يبذلون جهودا كبيرة من أجل الترويج لفشل سياسة التعريب، بل ويذهب هؤلاء مذهبا بعيدا حين يحملون تلك السياسة دون غيرها المسؤولية الكاملة عن الفشل الذريع لمنظومتنا التعليمية؛ وينبري بعضهم للرد بقسوة على زعيم أحد الأحزاب السياسية الذي اعتبر تدريس المواد العلمية بالفرنسية “خطأ وجريمة في حق المتعلمين والتلاميذ المغاربة” ؛ ويحملون حزبه المسؤولية التاريخية عن تقهقر التعليم والتربية والتكوين، لماذا؟ بسبب رعاية ذلك الحزب يوم كان يرأس الحكومة المغربية، وقام بتنفيذ سياسة التعريب. إن السياق الذي يجري فيه إطلاق هذه التوصيفات وإرسال هذه الأحكام، ونشر هذه المواقف، يحمل أكثر من دلالة، ويكأنه يستعجل أعضاء لجنة التعليم والثقافة والاتصال، وكذا النواب البرلمانيين والفرق البرلمانية، لاتخاذ موقف مضاد للغة العربية، وتعزيز مكانة اللغة الأجنبية في الهندسة اللغوية ضمن المادة 31 من القانون الإطار؛ ضدا على نواب حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية الذين راج أنهم متمسكون باللغة العربية لغة لتدريس المواد العلمية في إطار الجدال حول التناوب اللغوي. في الحقيقة، لا يهمنا كثيرا في هذا السياق/ المقام؛ التفصيل مواقف الأحزاب السياسية وتحليلها؛ سواء المنتمية للأغلبية الحكومية أو تلك المنتمية للمعارضة؛ ومدى وجاهة حجاجها واستراتيجيتها الدفاعية على اللغة العربية أو على اللغات الأجنبية؛ علما أن مجلس النواب قد شهد نقاشا ساخنا حين حمل أحد نواب حزب الأصالة والمعاصرة التعريب مسؤولية فشل التعليم؛ مما دفع رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية للرد عليه في الحين؛ مذكرا إياه بالدستور والهوية ووو….ولكننا هنا نحاجج أؤلئك الذين يقولون إن التعريب هو الذي أفشل منظومتنا التعليمة؛ وهو المسؤول الوحيد عن تقهقر هذه المنظومة؛ فهل صحيح ما يزعمون؟ معظم التقارير الدولية الصادرة عن البنك الدولي؛ لاسيما تقريره المعنون ب: “الطريق غير المسلوك إصلاح التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” البنك الدولي للإنشاء والتعمير 2007، وآخر تقرير له حول التعليم صادر في 2019، والتي تصف أسباب تخلف التعليم المغربي عن الإسهام في رفع معدلات التنمية؛ ناهيك عن التقارير الوطنية التي أصدرها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي منذ 2008، وهي تقارير أنجزت ولاشك بمنهجية علمية صارمة وفق مقاربات موضوعية تعتمد على أدوات البحث الرصين البعيد عن الايديولوجيا والنظرة الأحادية؛ كلها لا تتحدث عن مسؤولية التعريب في النتائج المحققة من لدن منظومتنا التعليمية التعلمية؛ كما أنها قاربت أحوال منظومتنا وفق مقاربة شمولية غير تجزيئية تنظر للإشكالية والإكراهات في تظافرها واجتماعها وتشكيلها لنسق كلي يفترض تأثيره في سيرورة وضعية المنظومة وصيروتها. نحن لانبحث هنا عن براءة سياسة التعريب في بلادنا؛ أو عن أقساط مسؤوليتها وحجمها؛ لكننا نعتبر أن عزو الفشل للتعريب وحده بمعزل عن باقي الأسباب والسياسات العمومية فيه مخالفة وابتعاد عن المنطق والصواب والحقيقة؛ لأن قطاع التربية والتكوين بالمغرب ومنذ الاستقلال؛ لم يكن بمنأى عن تأثيرات القطاعات الأخرى؛ والقرارات التي اتخذت في إطار التدبير العام والعمومي. وللأمانة والموضوعية؛ يجب أن نجري بحثا موضوعيا نظير البحوث التي يقوم بها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي حول حالة المنظومة قبل إصدار الأحكام الجاهزة والتي تحركها الرؤية الايديولوجية بدل الرؤية العلمية. وعلى أمل القيام بهذا الإجراء؛ تراودنا هنا مجموعة من الأسئلة الممضة الآتية: هل أرسينا سياسة التعريب وفق المعايير والشروط التي تم سنها في البدء؟ لماذا لم نعمم التعريب من الابتدائي للتعليم الجامعي؟ هل فشل التعريب في تجويد المنظومة أو أفشل بسبب عوامل مختلفة؟ هل يحوز علميا وعمليا محاكمة سياسة التعريب من خلال رؤيتنا اليوم للواقع والتحديات وانتظاراتنا وإملاءات السوق والتنمية، وإغفال شروط لحظة إقراره في بلادنا وظروفها وسياقاتها؟ هل التعريب جزء من المشكل أو هو سبب كل المشاكل؟ إن مثل الذي يُحمِّل التعريب مسؤولية تردي أحوال المنظومة اليوم، كمثل الذي يتوقف عند ” ويل للمصلين”؛ دون إتمام الآية؛ مما يحدث لدى المتلقي لبسا واضطرابا كبيرا في الفهم والتأويل! ! ! لا أظن البتة أن هناك من يأتيه الخجل أو يراوده القلق؛ إن تبث فعليا وعلميا وليس ايديولوجيا أو عاطفيا؛ أن سياسة التعريب هي السبب الرئيس في ما آلت إليه منظومتنا التعليمية؛ وعليها يجب أن يقع وزر تردي أحوال التربية والتكوين؛ لكن أن يستثمر بعضنا النقاش العمومي الحزبي والنيابي والمجتمعي والإعلامي؛ حول المادة 31 من القانون الإطار رقم 17.51، المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي؛ ليشن هجوما لاذعا وممنهجا؛ على لغة مرسمة بموجب الدستور الذي صوت لصالحه المغاربة بالإجماع؛ من خلال تحميل سياسة التعريب المسؤولية الكاملة لتقهقر تعليمنا وتكويننا؛ هو شيء وسلوك لا يقبله المنطق والعقل؛ وهو هروب من التشخيص الموضوعي الذي يستحضر المناهج والبرامج والبيداغوحيات والوسائل والموارد البشرية والتكوين الأساسي والتكوين والتأهيل المستمر والتجديد البيداغوجي والابتكار التربوي والحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة والتدبير بالنتائج والاكتظاظ….إلخ. إن الدعوة لإلقاء مزيد من الضوء على سياسة التعريب في تاريخ تعليمنا بعد الاستقلال؛ ليس الغرض منه التنكر لفوائد تدريس اللغات الأجنبية؛ وليس عداء ضد الانفتاح على اللغات المتطورة في المعجم والتواصل والبحث العلمي والاقتصاد؛ وأتصور أن نهج الوزارة الوصية وسعيها السابق في التعليم الثانوي التأهيلي لإرساء مادة الترجمة في الشعب العلمية؛ سلوكا ناجعا وإجرائيا لا ندري أسباب توقفه؛ من أجل إعداد متعلمينا وتأهيلهم للانفتاح على لغات العالم والعلم؛ فمن جهة نضمن ارتباطهم بأصولهم وثقافتهم الوطنية؛ ومن جهة أخرى نمكنهم من مسايرة ثقافة عصرهم؛ لاسيما المتطورة والمنتجة للتكنولوجيات وللمعرفة. وأظن أننا في غنى عن مزيد من التشخيصات لمنظومة التربية والتكوين؛ وما أحوجنا للاقتراحات البناءة؛ العلمية والإجرائية للنهوض بمنظومتنا وتكويننا بعيدا عن الأهواء والرؤى الضيقة والعصبيات المتشنجة؛ ولاشك أن إغناء شخصيات متعلمينا وطلبتنا وتعزيز رصيدهم المعرفي؛ يمر عبر تنوع وتنويع الروافد والمصادر والمنابع؛ فنحن في أمس الحاجة من أجل تحقيق التنمية للوطن والمواطنين، لتظافر مكونات الهوية الوطنية والعربية والثقافات المتطورة التي بلغت شأوا بعيدا في الاقتصاد والتكنولوجية والابتكار والإبداع.