هل ستصبح لحاجة اليوم إلى دسترة مؤسسة جديدة إسمها « رئيس الحكومة السابق « بمنطق عبد الإلاه بنكيران كل شيء ممكن … فهجومه الأخير على سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية و التكوين المهني و التعليم العالي و البحث العلمي بكونه يريد تمرير تدريس المواد العلمية باللغات الأجنبية تفاعلا مع المناقشة التي شهدها القانون الإطار داخل قبة البرلمان في الأسابيع الأخيرة.. اختار بنكيران ، الذي غادر موقعه بالغرفة الأولى بالبرلمان، و هي المكان الطبيعي للمحاججة السياسية ، توجيه مدفعيته الهجومية عبر الإعلام من أجل تبليغ أكثر من رسالة لمن يهمه أمر مستقبل التعليم ببلادنا ، معتبرا أن محاولة المسؤول الحكومي عن قطاع التربية و التكوين «لف ودوران و مكر و غير معقول و غير مقبول» …جازما على أن الفشل سيكون حليف تدريس المواد العلمية باللغات الأجنبية ….مصمما ، فيما يشبه لغة الوصاية ، على أن حزب العدالة و التنمية، «غير مستعد للتنازل على هوية المغاربة مهما كلفه من ثمن ، موهما الرأي العام بوجود لوبي معروف يريد الفرنسية كلغة للتدريس و ذلك من أجل فرض لغة موليير في حياة المغاربة لفرض هيمنتهم حسب قوله…» !!. و تعقيبا على ذلك ، و إسهاما في بناء تصور ناضج لإشكالية لغة التدريس ببلادنا ، و خاصة بالنسبة للمواد العلمية بعيدا عن المزايدة السياسية ، و خيارات التشويش عن كل محاولات الإصلاح لترميم أعطاب منظومة التربية و التكوين ببلادنا ،نتقاسم مع القراء الملاحظات التالية : أولا يعلم الرأي العام أن عبد الإلاه بنكيران ليس أمينا عاما لحزب العدالة و التنمية في المرحلة الراهنة ، وأن لهذا الحزب مؤسساته الناطقة بإسمه والمفوض لها بتصريف مواقفه ، و بالتالي فإن التطاول على مؤسسة الأمين العام لحزبه والحديث في قضايا استراتيجية تهم مستقبل التعليم ببلادنا ، قد يراد منه فقط إعادة التموقع في المشهد السياسي أكثر منه الدفاع عن إشكالات جدية تعاني منها منظومة التربية و التكوين والتي سترهن مستقبل الأجيال القادمة . ثانيا السيد بنكيران ليس هو رئيس الحكومة ، ليسائل أو «يهاجم» وزيرا في حكومة يقودها حزب العدالة و التنمية ، ليس داخل قبة البرلمان و لكن في واجهة الإعلام ، وذلك بمناسبة مناقشة القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية و التكوين و البحث العلمي ، علما أن القانون الإطار هو مشروع قدم باسم الحكومة و ليس باسم الوزير الوصي بالقطاع … !! ثالثا يعرف بنكيران جيدا أن القانون الإطار 17.51 هو خلاصة تفكير عميق للمجلس الأعلى للتربية والتكوين و البحث العلمي ، والمجلس اليوم هو مؤسسة دستورية تتكون من كفاءات وطنية مشهود لها بالإسهام العلمي في الحقل التربوي ، وقد تمكن المجلس من بلورة رؤية استراتيجية لإصلاح منظومة التعليم ببلادنا تمتد من 2015 إلى 2030 ، و قد تم عرض هذا القانون الإطار في دورة سابقة للمجلس الحكومي ، و من بعدها في دورة للمجلس الوزاري الذي ترأسه جلالة الملك احتراما لمقتضيات الدستور ، و قد اختارت الحكومة أن يكون هذا القانون في إطار تعاقد وطني ملزم للدولة و لباقي الفاعلين والشركاء باعتباره سيصبح مرجعية تشريعية ملزمة ، رابعا يؤكد القانون الإطار ضمن توجهاته الكبرى على اعتماد هندسة لغوية في المناهج و البرامج و التكوينات بإعطاء الدور الوظيفي للغات المعتمدة في المدرسة من أجل ترسيخ الهوية الوطنية و تمكين المتعلم من اكتساب المعارف والكفايات ، وتحقيق انفتاحه على محيطة المحلي و الكوني و ضمان اندماجه الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و القيمي ، و تمكن الهندسة اللغوية المتعلم من إتقان اللغتين الرسميتين و اللغات الأجنبية ، و لاسيما التخصصات العلمية والتقنية مع مراعاة مبادئ الإنصاف و تكافؤ الفرص ، بالإضافة إلى إعمال مبدأ التناوب اللغوي في تدريس بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد بلغة أو بلغات أجنبية ..و تنويع الخيارات اللغوية في المسالك و التخصصات و التكوينات و البحث على صعيد التعليم العالي . خامسا السيد بنكيران يعلم جيدا أن ورش الهندسة اللغوية دشنه المجلس الأعلى للتعليم منذ عشر سنوات ، وكانت أولى محطات هذا الورش الندوة العلمية الدولية التي شارك فيها خبراء مغاربة و أجانب بتاريخ 20/21 أكتوبر 2009 بعنوان «تدريس اللغات و تعلمها في منظومات التربية و التكوين: مقاربات تشخيصية واستشرافية « و خلصت الندوة إلى أن التمكن من اللغات يعد سبيلا أساسيا للتشبع بالمكونات المتعددة للهوية الوطنية الموحدة بثوابتها الراسخة ، في تفاعلها مع التنوع الثقافي و اللغوي ، و في انفتاحها على العالم . كما أنه يشكل أساس تنمية الكفايات اللازمة لمختلف التعلمات والمعارف ، وأحد المحددات الرئيسية للنجاح الدراسي ، وبناء الشخصية ، والاندماج في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ،والانفتاح على العالم و فهمه و التفاعل معه … سادسا بالنسبة لمسألة التعريب ، و بشهادة المجلس الأعلى للتعليم ، فقد وقع تداخل بين سياسة التعليم وسياسة التعريب ، كما ورد في عدد من النصوص المكتوبة ،وإذا كان مخطط التعريب قد تم إقراره مبكرا بعيد إنشاء اللجنة الملكية لإصلاح التعليم سنة 1957 ، فإنه لم يتم إنجاز التعريب نسبيا في التعليم المدرسي إلا في سنة 1990 . وكان السبب الأساس لهذا التأخر هو التردد و التذبذب اللذين اتسم بهما تنفيذ مخطط التعريب . و خلص تشخيص المجلس الأعلى إلى تحديد مظاهر التأخر في أسباب موضوعية منها غياب استراتيجية واضحة حول التعريب مع وجود تباعد في الرؤى حول هذه المسألة : هل ينبغي إجراء تعريب شامل أم جزئي ؟ فوري أم على مراحل ؟ تعريب بالترجمة أو تعريب بالتحويل ؟ كانت هذه الرؤى المتباعدة تخفي وراءها رهانات متباينة حسب نمط التعريب المتبنى .. !!! أخيرا ، و بعيدا عن لغة المزايدة و الوصاية على الهوية المغربية ، فإن إشكالية لغة التدريس بكل حياد معرفي ، تتعلق بإحدى القضايا الأفقية الحاسمة للمنظومة التربوية ببلادنا ، كما أنه سؤال يقع في صميم التفكير البيداغوجي و انشغالات الفاعلين التربويين و شركاء المدرسة المغربية ، بل و في قلب اهتمامات المجتمع و أسئلة النقاش العلمي و العمومي ، لأن حالة التعدد اللغوي التي يعرفها المغرب – كما يؤكد ذلك الدكتور مصطفى الغربي في إحدى دراساته القيمة – قابلة لأن تشكل مصدر للذكاء والخيال و التقدم لفائدة البلاد . و ذلك طبعا إذا تم استغلالها بذكاء و بعد نظر ….