لا تكفي عبارات التنديد والاستنكار لإدانة الجريمة الوحشية التي هزت مشاعر الشعب المغربي جراء ما اقترفه المجرمون العتاة في حق شابتين تحبان الحياة، مهما تضمنته من جمل وكلمات وحروف من شحنة ردة الفعل لأنها بحق جريمة نكراء يعجز اللسان عن استيعابها أو التعليق عليها. إنها جريمة تتفوق على الوصف وتفسير بشاعة ما وقع يجب أن يبدأ بفتح العيون جيدا على الأسباب التي أدت إليها. ليس كافيا القول في هذه اللحظة التي تتسم بالقساوة إن الأجهزة الأمنية لا تذخر جهدا في التصدي لظاهرة الإرهاب المقيتة، ولا أيضاالقول بأن المنظومة الأمنية الوطنية تمثل قوة رادعة للإرهاب الخبيث، فكل هذا صحيح وثابت، ولكن الظاهرة الإرهابية ليست تنظيما فحسب يمكن مواجهته بترسانة قوية ومتماسكة، بل إنه في حقيقته بذرة خبيثة يمكن أن تستنبت في تربة فاسدة لأسباب تربوية وثقافية واجتماعية تنمو فيها أفكار وقناعات منفلتة عن السياق العام الذي تبدو فيه كل الأشياء والأمور سليمة وصحيحة. لا أحد يمكنه أن يفسر بسهولة و ببساطة طرق ومناهج الشحن الإيديولوجي الذي يقنع شخصا ما أو مجموعة ما باقتراف تصرفات مرعبة تحقد على الإنسان وعلى الحياة على حد سواء، ولا أحد يستطيع ببساطة أن يستوعب تحويل كائن بشري إلى كتلة من الإجرام بمبررات دينية، لذلك فإن ما اقترفه الجناة العتاة في حق شابتين في ريعان الشباب لا يمكن أن بجد له موقعا في التفسيرات والشروحات والتبريرات الجاهزة التي ترتكز على التسطيح أكثر مما تطلب الأسباب في عمقها ومنابعها. مهم جدا أن ننتبه إلى ردود الفعل الغاضبة التي اجتاحت جميع الأوساط والفئات المغربية، حيث أكدت حصول إجماع وطني على نبذالعنف وإدانة الإرهاب، وأن ننتبه أيضا إلى سيادة شعور عام لدى جميع المغاربة بالحزن والأسى والتذمر والغضب تجاه ما أقدم عليه المجرمون العتاة، مما يؤكد بالوضوح الكامل أن ما حصل لا يمت بصلة لقناعات المغاربة كافة، ولا ينتمي إلى السلوك العام السائد لدى شعب يحب الحياة ويتشبث بالفهم الصحيح للقيم والتعاليم الإسلامية السمحة، لأنه رغم التسليم بكل ذلك فقد حصل ما حصل، ولا يمكن استبعاد أن يحصل ما حصل في الزمن المنظور والمتوسط والبعيد، مما يعني بأننا مستهدفون كغيرنا في مشروعنا المجتمعي الذي يعتز بفهمه الصحيح للدين الإسلامي الحنيف، والمستند إلى الوسطية والاعتدال والاعتراف بالتنوع والاختلاف، والعيش المشترك القائم على التسامح والتساكن. ولذلك كله يجب أن نسعى إلى تحقيق أعلى مستوى من التحصين علىالمستويات كافة. إن النبتة الفاسدة التي تحدثنا عنها تجد تربتها التي تضمن لها النمو في الجهالة و في مظاهر التهميش وفي فساد منظومة التربية و الإعلام، و نعترف أنه ليس من السهل و البساطة ضبط كل هذه الروافد لأنه ثمة تغيرات اجتماعية منفلتة بطبيعتها عن السياق العام ، و ثمةتحولات تكنولوجية تساعد هذه النبتة على النمو بسرعة فائقة ، و لكن مع ذلك فمن مسؤولية المجتمع على أبنائه ضمان التخفيف من تداعيات كل ذلك بواسطة المدرسة والأسرة والإعلام والمسجد. إننا في غاية الحزن لما حصل للشابتين، ونحن نشعر بنفس الأسى الذي يغمر أقاربهما و ذويهما لأن الجريمة حصلت بين ظهرانينا و فوق هذه الأرض الطيبةوالآمنة، مما يلقي علينا المسؤولية، و لأن الجناة الذين اقترفوا الجريمة النكراء من بني جلدتنا و نحن أبعد ما نكون عما اقترفوه، لذلك لا تكفي عبارات التعازي والمواساة لعائلتي الضحيتين وللشعبين الدانماركي والنرويجي الصديقين والذين نحن على قناعة أنهما متيقنان أن هذه البلاد الطيبة ليست بالصورة التي قدمها لهم المجرمون العتاة، بل إنها أرض تعايش و تسامح و تعدد و أمن و استقرار، وإنه وطن يعتز بما تبذله أجهزته الأمنية لاستتباب الأمن والطمأنينة وتجفيف منابع التطرف والغلو، وأن هذا الشعب ليس كما قدمه إليهم المجرمون الإرهابيون، بل هو شعب مسالم يقدس الحياة ويتمسك بها. لذلك، نعود ونقول لن تكفينا كل الكلمات والجمل للتعبير عن إدانتنا لهذا الجرم الفظيع.