لم نكن نعتقد في لحظة من اللحظات أن شحن رزمة من الفنانين ونقلهم على وجه السرعة إلى مدينة الحسيمة يمكن أن يكون وصفة صالحة لإخماد لهيب حراك الريف. نشفق على حال فنانين لم يروا أي حرج في شحنهم كأي سلعة من السلع وتسفيرهم إلى الحسيمة وإسكانهم في فندق مصنف، لأنهم يقبلون بعرض لا يليق برسالة الفن، ويسلمون لخدمة لاتشرف قيمة الفن. فالفنان لايمكن أن يتحول إلى إطفائي توكل إليه وظيفة إخماد الحرائق، الفنان الحقيقي يتفاعل مع نبضات المجتمع وتحتم عليه قيمة الفن الانتماء إلى انشغالات المجتمع، ولذلك كان من المفروض أن نجد امتدادا حقيقيا لحراك الريف في انتاجات هؤلاء الفنانين، لا أن يتحولوا إلى مجرد قطع شطرنج يحركها لاعب ما في الرقعة كما يقدر ذلك. الآن نفهم جيدا لماذا يغيب فنانون على جميع التعبيرات الاجتماعية من مسيرات واعتصامات وغيرها، وعملية الشحن هذه تبين لنا بالملموس سبب ابتعاد انتاجات فنانينا عن الانشغالات الحقيقية للمجتمع ولماذا انغمست في السطحية والتفاهة، وبالتالي فإن عملية الشحن تساهم إلى حد بعيد في تعرية العوامل الحقيقية التي أجبرت الجمهور على إدارة ظهره للعديد من الإنتاجات الفنية التي لاتحمل من الفن غير الاسم. طبعا، لحد الآن وبعد مرور أيام كثيرة لم نجد أثرا لهؤلاء الفنانين الذين شحنوا في الحياة اليومية في الحسيمة، ولا أثر لهم في حراك الريف، كل ما عايناه لحد الآن احتفاء هؤلاء الفنانين «بسلفيات» تظهرهم في حالة انشراح يزيدون بها تنامي الغضب الشعبي ضدهم. وأخيرا لابد من أن نقف إجلالا وتقديرا لذاك الشخص أو المسؤول الذي تفتقت عبقريته عن هذا الحل السحري لحراك الريف، ولهذه الفكرة الاستثنائية التي لايمكن أن تصدر إلا عن شخص يمتلك جميع مواصفات النبوغ. *** بقلم // عبد الله البقالي *** للتواصل مع الكاتب: [email protected]