لمحة موجزة عن قراءة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه. ا) من هو، رضي الله عنه؟ ٭ هو علي بن أبي طالب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب أمير المؤمنين أبو الحسن الهاشمي رضي الله عنه. أحد السابقين الأولين؛ لم يسبقه إلى الإسلام إلا أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها. واختلف فيه وفي أبي بكر رضي الله عنهما أيهما أسلم أول؛ لكن إسلام الصديق كان أنفع للإسلام وأكمل لأن عليا بن أبي طالب، رضي الله عنهما أسلم وله ثمان سنين. عاش سبعاً وخمسين سنة. أجمع المسلمون على أنه قتل شهيدا يوم قتل، وما على وجه الأرض بدري أفضل منه، ضربه ابن ملجم المرادي صبيحة سابع عشر من رمضان سنة 40 من الهجرة بالكوفة، وكان قد جمع القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. هنا أمر مهم وقد يكون غريباً، على الأقل بالنسبة لي له علاقة بجمع القرآن الكريم يطلعنا عليه الشعبي؛ يقول الشعبي: «لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء الأربعة إلا عثمان». لكن علي بن رباح يقول لنا: «جمع القرآن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أربعة: علي وعثمان أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود. وسأل، من جهة أخرى، يحيى بن آدم أبا بكر بن عياش فقال له: «تقولون إن عليا، رضي الله عنه لم يقرأ القرآن «قال: «أبطل من قال هذا». وفي البخاري أيضا عن أنس، قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد؛ قال: ونحن ورثناه» وفي أخرى قال: مات أبو زيد ولم يترك عقبا وكان بدرياً، اسم أبي زيد سعد بن عبيد». قال ابن الطيب رضي الله عنه: لا تدل هذه الآثار على أنّ القرآن لم يحفظه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمعه غير أربعة من الأنصار كما قال أنس بن مالك. وذكر أبو بكر الأنباري في كتاب الرد عن سويد بن غفلة قال: سمعت عليا بن أبي طالب، كرم الله وجهه، يقول: يا معشر الناس: اتقوا الله وإياكم والغلو في عثمان وقولهم: حراق المصاحف فو الله ما حرقها إلا عن ملإ منا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وعن عمير بن سعد، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان. وعن عامر بن وائلة قال: «شهدت عليا بن أبي طالب، رضي الله عنه يخطب فسمعته يقول في خطبته: سلوني، فوالله لاتسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به؛ سلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل نزلت أم في جبل؛ فقام إليه ابن الكواء، فقال: «يا أمير المؤمنين، ما الذاريات ذرواً وذكر الحديث. وروى عاصم بن أبي النجود عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: «مارأيت أحدا كان أقرأ من علي». قال سعيد بن أبي سكينة: بلغني أن عليا بن أبي طالب رضي الله عنه نظر إلى رجل يكتب «بسم الله الرحمن الرحيم» فقال له: «جودها فإن رجلا جودها فغفر له» ب) قراءاته التي هي في معظمها من التفسير من فاتحة الكتاب روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاتحة الكتاب وآية الكرسي وشَهدَ اللهُ أنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ وقل اللَّهُمَّ مَالكَ المُلْكِ، هذه الآيات معلقات بالعرش ليس بينهن وبين الله حجاب. من سورة البقرة قرأ علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، الآية 55 من سورة البقرة التي هي: «وإذْ قُلْتُمْ يامُوسى لنْ نُؤمنَ لكَ حتَّى نرَى اللهَ جهْرَة فأخذْتُكمُ الصَّاعقَةُ وأنتُمْ تنْظرونَ»؛ أقول: قرأ هكذا: «وإذْ قُلْتُمْ يامُوسَى لنْ نُؤْمنَ لكَ حتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فأخذتْكُمُ الصَّعْقَةُ وأنْتُمْ تَنْظُرونَ» بالقصر وسكون العين. وهي قراءة ابن محيصن في جميع القرآن. قال النحاس: هي لغة تميم وبعض بني ربيعة. يقال: صَعَقَتْهم السماء إذا ألقت عليهم الصاعقة. والصاعقة أيضاً صيحة العذاب. قال الله عز وجل في الآية 17 من سورة فصلت «وأمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فاستحَبُّوا العَمَى علَى الهُدَى فأخَذتْهُمْ صَاعِقةُ العذابِ الهُون بما كانُوا يكْسبُونَ». ويقال: صعقَ الرَّجُل صعقةً وتصْعاقاً، أي: غُشيَ عليه، ومنه قوله تعالى في الآية 143 من سورة الأعراف: «وخرَّ مُوسَى صَعقاً» أي: مغشياً عليه وقيل ميتاً. شارك عليا رضي الله عنه في هذه القراءة كل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما. كما قرأ علي، كرم الله وجهه، الآية 158 من سورة البقرة حسب مايرويه لنا عطاء عن عبد الله ابن عباس هكذا: «إنَّ الصَّفَا والمَرْوَة منْ شعائِر اللهِ فمَنْ حَجَّ البَيْتَ أو اعْتَمرَ فلا جُنَحَ علَيْهِ ألاَّ يطَّوَّفَ بِهمَا». ظهر من هذه القراءة التي قرأ بها علي بن أبي طالب ومن قراءة من شاركه في قراءتها أنه مفسوح له في ترك ذلك كما قد يفسح للإنسان في بعض المنصوص عليه المأمور به تخفيفا، كالقصر بالسفر وترك الصوم ونحو ذلك من الرخص المسموح بها. وقد يمكن أيضا أن تكون «لا» على هذه القراءة زائدة. وعليه يصير تأويل هذه القراءة وقراءة الجماعة التي سأشير إليها بعد قليل تأويلا واحدا؛ حتى كأنه قال: فلا جناح عليه أن يطوف بهما، وزاد «لا» كما زيدت في الآية 29 من سورة الحديد؛ قال سبحانه وتعالى فيها: «لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله؛ أي: ليعلم. اندرج مع علي بن أبي طالب في هذه القراءة كل من عبدالله بن مسعود وعبدالله بن عباس بخلاف عنه وسعيد بن جبير وأنس بن مالك وأبو بكر بن أبي عمرة البصري المعروف أكثر بمحمد بن سيرين وأبي بن كعب وميمون بن مهران. أما قراءة الجماعة فكما يلي: «فلا جنح عليه أن يطوف بهما»، أي : فلا جناح عليه أن يطوف بهما تقربا بذلك إلى الله تعالى ، لأنهما من شعائر الحج والعمرة؛ ولو لم يكونا من شعائرهما لكان التطوف بهما بدعة لأنه إيجاب أمر لم يتقدم إيجابه، وهذا بدعة كما لو تطوف بالبصرة أو بالكوفة أو بفاس أو بمراكش أو بغيرها من الأماكن على وجه القربة والطاعة. ويروى أنها في مصحف أبي كذلك. وما قرأ به هؤلاء وما يوجد في مصحف أبي بن كعب خلاف ما في المصاحف؛ وعندنا أنه: «لا يترك ما قد ثبت في المصحف إلى قراءة لا يدري أصحت أم» وكان عطاء، رضي الله عنه يكثر الإرسال عن ابن عباس من غير سماع. وقرأ خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه اللفظ «خطوات» في الآية 168 من سورة البقرة التي هي: «يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين» أقول: قرأ هذا اللفظ هكذا «خطوات» بضمتين وهمزة على الواو. أما أبو الفتح عثمان بن جني فحكم على هذه القراءة قائلا: هي مرفوضة وغلط. أما الهمز في هذا الموضع فمردود لأنه من «خطوت» لا من «أخطأت». و«خطوات» جمع خطوة وخطوة بمعنى واحد. دقق الفراء هذا أكثر، فقال: «الخطوات جمع خطوة بالفتح، وخطوة بالضم: ما بين القدمين». وقال الجوهري: وجمع القلة «خَطْوَات» و «خُطْوَات» و «خَطَوَات» بالتحريك وخِطَاء مثل ركْوَة وركَاء. شارك عليا بن أبي طالب في هذه القراءة كل من قتادة والأعرج وعمر بن ميمون والأعمش. ذهبوا بهذه القراءة الى أنها جمع «خَطيئة» من الخطإ لا من الخَطْو. والمعنى على قراءة الجمهور: «ولا تقفوا أثر الشيطان وعمله» وما لم يرد به الشرع فهو من الشيطان. قال ابن عباس: «خُطُوَات الشيطان» أعماله، وقال مجاهد: هي أعماله وقال السدي: هي طاعته. وقال آخر: هي النذور في المعاصي. وسيقرأ هؤلاء القراء وعلى رأسهم الإمام علي بنفس الشكل اللفظ «خَطَوات» في الآية 142 من سورة المائدة. وقرأ علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أيضا في الآية 234 من سورة البقرة التي هي عند الجمهور (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا..) أقول: قرأ اللفظ «يتوفون» المضموم الياء، المبني للمعلوم؛ يقرأه هو «يتوفون» بفتح الياء مبنيا للفاعل. ومعنى هذه القراءة أنهم يستوفون آجالهم، وإعراب «الذين» مبتدأ؛ واختلف أنه خبر أم لا فذهب الكسائي والفراء إلى أنه لا خبر له بل أخبر عن الزوجات المتصل ذكر هن ب «الذين» لأن الحديث معهن في الاعتداد بالأشهر، فجاء الخبر عما هو المقصود؛ والمعنى: «من مات عنها زوجها تربصت». هذه القراءة التي يقرأ بها هنا الإمام علي، كرم الله وجهه، رواها لنا أبو عبدالرحمن السلمي عنه. لكن ابن مجاهد قال عنها: «لا يقرأ بها». قال أبو الفتح (نجد مقولة أبي الفتح ابن جني هذه في محتسبه، صفحة 125 من الجزء الأول): «هذا الذي أنكره ابن مجاهد عندي مستقيم جائز وذلك أنه على حذف المفعول، أي: والذين يتوفون أيامهم أو أعمارهم أو آجالهم كما قال سبحانه في الآية 117 من سورة المائدة: فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم» وفي الآيتين 27 و 32 من سورة النحل «الذين تتوفاهم الملائكة». وحذف المفعول كثير في القرآن وفصيح الكلام وذلك إذا كان دليل عليه. وأعتقد، والله أعلم، أن رد أبي الفتح عثمان بن جني للحكم الذي أبداه ابن مجاهد هو الصواب. لست أقصد بقولي هذا أن قراءة علي متواترة يتعبد بها؛ لا، أبدا. وإنما أقصد أن عليا قرأ بها على سبيل التفسير وتقريب المعنى المراد من كلام الله في الآية المذكورة لأن الذي رواها عنه صادق فيما يرويه لم نجرب عليه الكذب أبدا.