س: تتعدى تجربة المراكز الجهوية للاستثمار الست سنوات بالمغرب، فماهو تقييمكم لحصيلة تجربة المركز الجهوي للاستثمار لمكناس تافيلالت؟ ج: يمكن القول إنه بعد 6 سنوات من العمل من الضروري تقييم حصيلة المركز الجهوي للاستثمار والوقوف على طبيعة الإنجازات التي قام بها المركز، وهي في تقديري قابلة للتصنيف إلى مستويين. المستوى الأول يتعلق بإنشاء المقاولات، وهو إنجاز تلتقي فيه جهود كل المراكز الجهوية للاستثمار بالمغرب، خاصة عبر وضع شباك وحيد لإنشاء المقاولات. في هذا الإطار، وبما أني أتحدث باسم جهة مكناس تافيلالت، قام المركز حتى نهاية 2008 بمساعدة 7500 شخص لتأسيس مقاولاتهم سواء ذات طبيعة معنوية في شكل شركات أو ذات طبيعة ذاتية. وقد بذل المركز جهودا حينما سجل ظاهرة الميول الى إنشاء مقاولات ذات طبيعة ذاتية بشكل أوسع. ففي سنة 2003 بلغ عدد هذا النوع من المقاولات حوالي 1000 بينما لم تكن تتجاوز المقاولات ذات الطبيعة المعنوية 200 مقاولة، بعد ذلك وبفضل الجهود التي سبق وأشرت إليها أصبح الاقتناع راسخا بأهمية الشركات، وفي سنة 2008 تم تأسيس 700 مقاولة ذات طبيعة معنوية و 690 مقاولة ذات طبيعة ذاتية، هذا التغيير في المنحنى بين 2003 و 2008 يعكس الثقافة المقاولاتية الجديدة لدى شباب المنطقة الذي أصبح يغلب التدبير المهيكل والجماعي والذي يؤثر أيضا على دينامية توفير فرص الشغل. وبذلك فإن 7500 مقاولة التي تم إنشاؤها منذ 2002 توفر 30 ألف منصب شغل مباشر، ومعلوم أن كل منصب شغل مباشر يعطي ثلاثة أو أربعة مناصب شغل غير مباشرة. المستوى الثاني للحصيلة يهم المشاريع الاستثمارية خاصة في ميادين فُوضت فيها السلط للولاة، وأصبحت الجهة بالتالي تتوفر على اختصاصات مهمة لها ثقل وفعل اقتصادي واجتماعي، كمنح رخص مشاريع السياحة واستغلال المعادن وكراء أو بيع أراضي الدولة. وهذه السياسة كانت من دوافع إنشاء المراكز الجهوية للاستثمار. وقد بلغت المشاريع الاستثمارية بالجهة منذ إنشاء المركز الجهوي للاستثمار لمكناس تافلالت 1300 مشروع استثماري، ووصل الحجم الكلي لهذه الاستثمارات 23 مليار درهم، ومن المنتظر أن توفر المشاريع هذه 60 ألف منصب شغل مباشر. وفي هذا الاتجاه نحن نحضر عدة ملتقيات اقتصادية دولية ومغاربية للتعريف بمؤهلات الجهة على المستوى الاستثماري، وكانت آخر مشاركة لنا في الجماهيرية الليبية لتقديم عدد من الفاعلين الاقتصاديين بجهة مكناس تافلالت لنظرائهم الليبيين والتعريف بالفرص الاستثمارية، وقد تمكنا بفضل السياسة الانفتاحية للمركز الجهوي للاستثمار من ربط علاقات مع فاعلين في الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا. س: ماهي طبيعة القطاعات الأكثر استقطابا لهذه المشاريع الاستثمارية بالجهة؟ ج: بالنظر إلى الطبيعة الجغرافية للجهة فإن القطاع الأول الذي استوعب أكبر عدد من المشاريع هو القطاع الفلاحي والقطاع المرافق له أي تحويل المنتجات إلى مواد غذائية واستهلاكية، وجهة مكناس تافيلالت تشتهر في هذا المجال، وهذا ما يؤكده تنظيم المعرض الدولي للفلاحة الذي ينعقد في مكناس منذ أربع سنوات. وسيتم تمتين الجانب الاقتصادي بالجهة عبر مشروع مهيكل تحت اسم AGROPOLIS والذي ستنجزه مؤسسة MEDZED فرع صندوق الإيداع والتدبير، وهو مشروع من نوع جديد يغطي 630 هكتار، وسيشكل قطبا اقتصاديا وصناعيا تنافسيا حيث سيدمج فيه البحث والتكوين وكل المصالح التي تساعد الصناع والفاعلين الاقتصاديين وتسهل مأموريتهم. وقد رصدنا جزءا من العقار لاستقبال مشاريع خاصة بتجهيزات البلدية كالمجازر وسوق الجملة حتى نساهم في هيكلة المدينة بشكل ملائم. القطاع الآخر الذي استوعب المشاريع الاستثمارية هو القطاع السياحي، فالجهة خزان ثقافي تاريخي وعمراني وبشري، تحتضن أكبر عدد من المآثر التاريخية والأماكن الروحية والمواسم، إضافة الى بقايا أترية رومانية، كل هذا إذا تم استغلاله بالشكل المطلوب يمكن أن يشكل رافعة أخرى بالجهة، فوليلي مثلا تستقبل 250 ألف سائح في السنة، وهذا العدد قابل للارتفاع بشكل كبير. كما تمتاز الجهة بغابات وجبال تعرف تساقطات ثلجية هامة ومحطة للتزلج وعدد كبير من البحيريات في خنيفرة وإفران. كما تحتضن الجهة واحات ذات صيت عالمي يقصدها السياح للنزهة والتطبيب في المفاصل والعظام. هذه المؤهلات شجعت مستثمرين عرب وأجانب من إقامة مشاريع مهمة، وخاصة من الشرق الأوسط وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا. قطاع المعادن كان بدوره محفزا على الاستثمار بالجهة، وهناك ما يقرب من ألف مؤسسة تشتغل إما في التنقيب عن المعادن أو استغلال مواقع معدنية. وهناك أيضا مشاريع في الصناعة التقليدية والطاقات المتجددة. أما فيما يخص علاقتنا مع المؤسسات العمومية فنحن نعمل بشكل وثيق مع وزارة الطاقة والمعادن ووزارة السياحة ووزارة التجارة الخارجية ووزارة الداخلية، ولنا مشروع جهوي كبير مع وزارة السياحة يتمثل في المخطط الجهوي للتنمية السياحية والذي دخل مراحله الأخيرة. كما أن علاقتنا مميزة مع المؤسسات المصرفية التي عملت وتعمل على تمويل الشباب حامل المشاريع، والذي تفوق بعضهم في برنامج «شالنجر»، ولتعزيز هذا التعاون عملنا على وضع لجنة جهوية لتقديم الإرشادات للشباب. س: أمام هذه الإنجازات التي تحدثت عنها بتفاؤل ، هل يمكن أن نقول إن كل شيء جيد؟ ج بالطبع أنه رغم هذه الإنجازات لا نستطيع القول إن كل شيء جيد. فهناك عدد من الأمور تستدعي التحسين. مثلا مجموعة من المقررات تتطلب وقتا طويلا، والمستثمرون الأجانب لا يفهمون وكيف ولماذا ستستغرق رخصة بناء 6 أشهر، فهم يأتون إلى المغرب للإستثمار وهم مقتنعون بأن المساطر خضعت للتبسيط بفضل إنشاء الشباك الوحيد كمخاطب لكل مستثمر، فيصطدمون بتعقيدات في بعض التراخيص من جهة معنية، ونحن لا ننكر وجود تعقيدات على مستوى تعبئة العقار لفائدة المستثمرين ، وكمغاربة يمكن أن نتفهم مثل هذه الإشكاليات، لكن هل يتفهمها المستثمرون الأجانب؟ لذلك فهذا الجانب نعتبره أساسيا وينبغي معالجته بشكل سريع. ثم هناك إشكالية التمويل، فرغم المجهودات التي تبذلها الأبناك، من الممكن العمل على تحسين مستوى مساعدة الشباب، فأنا أتفهم تخوفات المصارف لأن مجموعة من الشبان أسسوا مقاولات ولم يلتزموا حيال مؤسسات التمويل، لكن علينا نحن أن نجتهد لخلق آليات تساعد الشباب على التسيير، والتدبير، وهو جانب ينقصهم بلا شك. س: هل يقوم المركز الجهوي للاستثمار بإنجاز دراسات لفائدة المنعشين والمستثمرين؟ ج: عمليا يجب أن تكون بين أيدينا كل العناصر الضرورية لإرشاد المستثمرين، لذلك أقمنا عددا من الدراسات والورقات، مثلا طلبنا من المجلس الجهوي تمويل دراسة حول المشاريع الممكن إنجازها بالمنطقة، وسهر على إعدادها طاقم تقني من جامعة المولى اسماعيل، ومضمون الدراسة جاهز وسننشره في الموقع الالكتروني للمركز الجهوي للاستثمار. كما أعطينا الانطلاقة لدراسة مهمة حول الأعشاب الطبية لأن الجهة تزخر بها، وعلينا أن نضبط أنواعها وأماكن وجودها وحجمها، وكما سبق أن أشرت طلبنا من المجلس الجهوي ووزارة السياحة تمويل المخطط الجهوي للتنمية السياحية، وقدمنا طلب عروض في هذا الشأن فاز به مكتب الدراسات الإسباني «Tourism and leisure» المعرف عالميا، وهذه الدراسة في مراحلها النهائية، وستمكن الجهة من التوفر على تصور واضح بخصوص آفاق السياحة ومؤهلاتها بالمنطقة. س: أثرتم إشكالية المساطر وإشكالية التمويل البنكي، هل يمكن أن نضيف إليهما إشكالية الاقتصاد غير المهيكل وشساعة تراب جهة مكناس تافيلالت؟ ج: في الحقيقة ، يطرح الاقتصاد غير المهيكل مشاكل للاقتصاد الوطني ككل، لذلك أؤكد على أهمية المقاولات المعنوية لدعمها الهام للنسيج الاقتصادي الوطني، وضمان هيكلة وتنظيم للمؤسسات الإنتاجية، ويبقى فعلا تهريب المواد والسلع مشكلا حقيقيا تعمل السلطات المختصة على وضع الآليات الضرورية للتصدي له وحماية المقاولات المنظمة والاستثمار. فيما يخص ترامي أطراف الجهة ، فهي تشكل بالفعل 10 في المائة من التراب الوطني، يفوق سكانها 2 مليون ونصف مليون نسمة ، وهذا ما يجعل الساكنة تواجه إكراه التشتت وصعوبة توفير شروط الحياة الحديثة والتجهيزات الضرورية للسكان، هناك مجهودات لمواجهة هذه المعيقات. وما يمكن قوله هو أن الجهة واجهت في مرحلة سابقة اهتماما محدودا بالرغم من الاستثمارات العمومية، لأن الجهود كانت مركزة أكثر على مناطق أخرى كمراكش والدار البيضاء وأكادير وطنجة، لذلك كانت المنطقة تجلب عددا ضئيلا من المستثمرين والآن بدأت الأمور تتغير ونأمل مضاعفة الجهود لاستقطاب مزيد من الاستثمارات وتوفير مناصب الشغل بالجهة.