تعج محاكم المملكة بقضايا المسكّرات والمخدرات من خمر، وشيرا، وكوكا يين، وهيروين، و«سيلسيون» و«معجون» وقرقوبي بمختلف الأنواع والأصناف. إن تداعيات هذا الوباء لا تقتصر على الإدمان والتورط في الإتجار واستهلاك هذه المواد، والإصابة بالأمراض النفسية والعقلية، وبالتالي تأثير ذلك على تكلفة مرفق الصحة العامة وعائلات والضحايا، وإنما تمتد إلى انحرافات وجرائم مرتبطة كالقتل لأتفه الأسباب، والاعتداء على الأصول والفروع، واحداث العربدة، وخلق عاهات مستديمة ... بل إن الخمر مثلا يأتي على رأس أسباب حوادث السير حسب تصريح لوزير العدل السابق. كما أن تداعيات هذه الموبقات /المخدرات لها كلفة على ميزانية الدولة بالنسبة لإدارة السجون، ووزارة الصحة بوجه خاص، ومساهمتها في ارتفاع حالات الاعتقال ومعضلة اكتظاظ السجون وارتفاع حالات العود... إضافة إلى طرح بعض الإشكالات هي من قبيل مفارقات غريبة وعجيبة كالتنصيص على معاقبة بيع الخمور للمسلمين في الوقت الذي تعرف هذه التجارة ازدهارا ونشاطا يدر مداخيل مهمة حتى على «الكرابة». وفي انتظار أن نحل مثل هذه الألغاز والإنكباب على أسباب الجريمة ندرج فيما يلي نموذجا لقضية قتل بسكين نتيجة جلسة «مخمرة»: *********** طعنة قاتلة في القلب نتقلت عناصر الدرك الملكي لبوقنادل على إثر مكالمة هاتفية لمسرح جريمة قتل بلّغ عنها شاهد عيان، فوجدوا الهالك جثة هامدة تحمل جرحا غائرا على مستوى جنبه الأيسر أسفل القلب، حيث أكد التشريح الطبي أن الوفاة كانت نتيجة طعنة بواسطة السكين (سلاح أبيض) على مستوى القلب. سكر مفرط ومعاينة أفاد الشاهد أنه كان يعاقر الخمر رفقة الضحية والمتهم ووقعت مشاداة كلامية بينهما بشأن اقتناء مزيد من الخمر، وتدخل لكي يذهب كل واحد لحال سبيله إلا أنهما رفضا، مما حذا به إلى أخذ الدراجة النارية للمتهم لعل هذا الأخير يلتحق به، إلا أنه بعد ابتعاده عن رفيقيه بمسافة 100 متر التحق به هذا الأخير يلهث وفي حالة هيستيرية ليأخذ دراجته وينطلق بسرعة، وعند رجوعه لمكان الحادث وجد الضحية ملطخا في الدماء ويصارع الموت نتيجة طعنه بسكين، اعتاد المتهم على تحوزه... وأكد بعض الشهود أن «الشّلة» كانوا داخل مقهى يعاقرون الخمر وفي حالة سكر مفرط ومباشرة بعد مغادرتهم المحل سمعوا ضجيجا وعاينوا الضحية يصارع الموت بجانب صديقه والمتهم هارب في اتجاه دراجته النارية... القتل العمد والسكر العلني البيّن: أوضح المتهم أنه لم يتذكر واقعة مشاجرته وطعن الهالك بسكين، لكونه كان في حالة سكر مفرط... في حين أشار في تصريح آخر إلى واقعة المشاداة الكلامية وطعن الهالك دون نية قتله... وخلص قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بملحقة سلا إلى متابعة المتهم ، المزداد سنة 1981 (عازب، مياوم) بتهمة القتل العمد والسكر العلني البيّن، طبقا لمقتضى الفصل 392 من القانون الجنائي، ومرسوم 14/11/1967 (دون تحديد للمقتضى على وجه الدقة). استفزاز ودفاع شرعي أكد دفاع المتهم، المعين في إطار المساعدة القضائية أمام غرفة الجنايات بملحقة سلا، أن مؤازره كان في حالة استفزاز بعد تعرضه للضرب من طرف الضحية الذي كان يحمل سكينا ولم تكن له نية القتل، بل كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه، مضيفا أن الشهود المستمع إليهم مجرد شهود سماع، ملتمسا لموكله أقصى ظروف التخفيف، بعد مطالبة النيابة العامة إدانة المتهم وفق فصول المتابعة. 12 سنة سجنا قضت هيئة الحكم بمؤاخذة المتهم ب 12 سنة سجنا بعد إعادة تكييف التهمة إلى الضرب والجرح المؤدي إلى الوفاة بواسطة السلاح الأبيض، وأدائه لكل واحد من والدي الضحية مبلغ 20 ألف درهم. وبعد نقض الحكم من قِبَل المجلس الأعلى ومناقشته من طرف غرفة الجنايات الاستئنافية بذات المحكمة خفظت العقوبة إلى 10 سنوات سجنا طبقا للفصل 403 من القانون الجنائي، الذي ينص في فقرته الثانية على الضرب والجرح المفضي إلى الموت، مع تمتيع المحكمة المتهم بظروف التخفيف. واعتبرت المحكمة أن المتهم لم تكن له نية إزهاق روح الهالك وأن حالة الدفاع الشرعي عن النفس غير متوفرة، لكون حالة توفرها توجب أن يكون التَّناسب بين حالة الدفاع وخطورة الاعتداء، وأن يكون الخطر موجودا لا محتملا، خاصة أن الضحية لم يُعرّض المتهم للضرب أو العنف الجسيم، ولم يكن حاملا لسكين، والذي كان بحوزة هذا الأخير.