استقبلت ألمانيا منذ بداية ستينيات القرن الماضي آلاف المهاجرين المغاربة، قدم معظمهم بعقود عمل تحت إشراف الإدارة المغربية للعمل مباشرة في المناجم الألمانية. أطلق الألمان عليهم، وعلى أقرانهم من جنسيات مختلفة، «العمال الزوار»؛ لاعتقادهم أن حاجة ألمانيا إلى اليد العاملة ضرورة مؤقتة. إلا أن هؤلاء «الزوار» طال مقامهم ليصبح استقرارا، خلف أجيالا يشكلون الآن أكبر تجمع عربي في ألمانيا. مغاربة الظل وقد كشف تقرير ألماني حديث أجرته مؤسسة التعاون التقني (GTZ) التابعة للحكومة الألمانية، أن الجالية المغربية بألمانيا التي يصل عددها102 ألف شخص تختفي وراء الجالية التركية التي تصل قرابة 3 ملايين. وفي تصريح لإذاعة هولندا العالمية قالت الدكتورة ختيمة بوراس، وهي أستاذة بجامعتي بوخوم وإسن بألمانيا، إن هناك مشاكل عديدة، ترتبت عن الهجرة كظاهرة اجتماعية لم تكن مؤطرة ولم تحظ بالعناية اللازمة؛ إذ كان ينظر إليها على أنها ظاهرة مؤقتة، وبالتالي كان الوعي بعواقبها، بسبب نقص التجربة، شبه منعدم. وتضيف د. ختيمة التي صدرت لها مؤخرا دراسة لسانية وسوسيولوجية حول الوضعية المدرسية لأبناء المهاجرين المغاربة بألمانيا، أن مشاكل الهوية والفشل الدراسي والمهني هي عناصر إذا اجتمعت ولم تعالج في حينها، قد تؤدي بسهولة إلى الانحراف الأخلاقي والاجتماعي. وتسترسل د. ختيمة قائلة، إن الأحداث التي تقع بين الفينة والأخرى فوق التراب الهولندي وتكون من توقيع المغاربة، تسيء للأسف لصورتنا كمغاربة. وفي هذا المنحى أستطيع أن أقول بخصوص السلوكيات الاجتماعية أو صورة الشباب المغاربة داخل ألمانيا، إنها أفضل بكثير من مثيلاتها في هولندا وفي باقي الدول الأوربية. بل حتى بالمقارنة مع الجنسيات الأخرى المقيمة في ألمانيا. فالتحديات التي تطرح الآن أمام الإدارة الألمانية، تتركز بالخصوص على الجاليات التركية أو الروسية أو الإيطالية. جرائم من الدرجة الثانية وكشف أحدث تقرير أنجزه المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة حول الجرائم المرتكبة من قبل الأجانب في ألمانيا، تربع الجالية التركية على رأس القائمة، متبوعة بالجالية الروسية والبولونية. كما بيّن تقدم الجالية اللبنانية والعراقية على المغربية التي جاءت في المراتب الوسطى. ويقول رشيد أولاد يوسف، ويعمل مربيا اجتماعيا بمؤسسة ألمانية تعنى بالشباب ذوي الاحتياجات الاجتماعية: «إذا ما ألقينا نظرة على مناصب مختلف المؤسسات الاجتماعية، نلاحظ تركيز الإدارة الألمانية على موظفين من أصول تركية مثلا أو أفغانية، لوعيها تماما بحاجة هذه الأقليات إلى المساعدات الاجتماعية». وقد أظهرت دراسة أعدها معهد برلين للسكان والتنمية في بداية العام الحالي، أن الأتراك هم أقل المجموعات الأجنبية اندماجا في ألمانيا، وتسجل في صفوفهم نسب عالية من الفشل المدرسي والبطالة. واستنادا إلى ذلك يقول رشيد: «طبعا هناك أحداث تقع هنا في ألمانيا يكون أبطالها شباب مغاربة، لكن ذلك لا يصل إلى حجم الجرائم المرتكبة من قبل الأتراك أو الروس أو البولونيين أو حتى اللبنانيين. كما أن الجرائم التي يكون وقعها صادما ومثار لغط بين جميع مكونات المجتمع، مثل جرائم الشرف وغسل العار والزواج القسري، يرتكبها أتراك أو أكراد أو أفغان، وليس مغاربة». الاندماج عملية طويلة الأمد تتحدث بعض الدراسات عن فشل اندماج المهاجرين، مثيرة جدلا متواصلا تزكيه بعض التيارات السياسية. وتعتبر الحكومة أن مسألة الاندماج عملية طويلة الأمد، وتستوجب إشراكا شاملا لجميع الأشخاص الذين يعيشون بصفة دائمة وقانونية في ألمانيا في الحياة العامة، بموازاة مع إلزامية تعلم اللغة الألمانية ومعرفة واحترام الدستور والقوانين الجاري بها العمل. يقول الشاب المغربي يونس وقاس رئيس الاتحاد التلاميذي التابع للحزب الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل، إن ألمانيا في ظل الحكومة الجديدة أصبحت تولي هذه القضية عناية كبرى وتأخذ المشاكل المترتبة عنها محمل الجد، بحيث تتيح للشباب المهاجر نفس الفرص في التعليم. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تسعى جاهدة إلى عدم إنشاء تجمعات سكانية خاصة بالأجانب وتكوين بعض الأحياء الهامشية (الغيتو)، كما هو الحال بالنسبة لبعض الدول الأوربية الأخرى. وبخصوص أقرانه من الشباب المغاربة داخل ألمانيا، يقول يونس (20 سنة) إنهم يتميزون عموما بعقلية منفتحة على الآخر، وتحدوهم رغبة أكيدة في الاندماج يقل نظيرها عند الأقليات الأخرى كالأتراك مثلا، حيث تسود اللغة التركية كلغة للتواصل، في الوقت الذي تدعم فيه الدولة بل وتؤكد على ضرورة تعلم اللغة الألمانية باعتبارها مفتاحا للاندماج. إضافة إلى ذلك يقول يونس إن الأقلية المغربية منشغلة بأعمالها، وهي نقطة تؤكدها إحصائيات سابقة لمكتب الشغل الألماني التي أفادت أن «51 % من المغاربة لها عمل قار» من دون احتساب أصحاب المهن الحرة. صورة على المحك يشتكي الكثير من المغاربة من تعامل وسائل الإعلام الألمانية التي تروّج أحيانا تقارير سلبية ترسم صورة سوداوية تعتمد التعميم والأحكام المسبقة، وتستند على كليشيهات وصور نمطية غير موضوعية وغير عادلة، تحشر الجميع في سلة واحدة تختزلهم غالبا في العنف والإرهاب. لكن البعض الآخر يرى أن «ليس هناك دخان من غير نار»، ويعتقد أن خدش هذه الصورة ابتدأ مباشرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 الدامية، والتي أفرزت تورط مغاربة فيها، منهم منير المتصدق الذي لا زال يقبع في سجن هامبورغ، فضلا التهديدات الأخيرة التي أطلقها البكاي الحراش المعروف بأبي طلحة الألماني، والأخوان منير وياسين عبر رسائل فيديو مصورة في الجبال الأفغانية. وعلى الرغم من كل ذلك، يتمنى الكثير من المغاربة أن تظهر ألمانيا رغبة أكثر صدقا في التعرف على قيمهم وتقاليدهم. ويرون أن من واجب الإعلام أن يعمل على إظهار التعدد، وإتاحة الفرصة للجميع لرسم صورة أخرى مغايرة.