وضعٌ فريدٌ يعيشه مسلمو ألمانيا في التصدي لقضايا الهوية والاندماج والمواطنة, فالجاليةُ الإسلاميةُ هناك تُقدّر بنحو 3.5 ملايين مسلم, مما يعطيها قيمةً كبيرة في أحد أكبر دول أوروبا الغربية من حيث عدد السكان المسلمين بعد فرنسا. وعلى عكس لندن وباريس, فقد تأخرت برلين للغاية في الاعتراف ب "العمال الزائرين" - موجات كبيرة من المهاجرين – الذين قدموا للبقاء، كما تنفرد ألمانيا أيضًا بأن الغالبية العظمى من المسلمين الألمان, هم من الأصول التركية, وهذه نقطة أخرى هامة. تكوين المجتمع غاب مسلمو ألمانيا عن مسرح الأحداث لأكثر من أربعين عامًا, ولكن في النهاية، خرج مجتمعهم للنور، فعندما ننظر في التاريخ نجد أنهم وصلوا إلى ألمانيا في الستينيات, ومعظمهم كانوا من العمال ذوي الأصول التركية والشمال إفريقية. وقد شهدت السنواتُ العشر الأخيرة وثبةً قوية للمسلمين بألمانيا في سبيل تكوين مجتمعهم, وبرغم أنهم 4 بالمائة من سكان ألمانيا، يمثلون ثالث أكبر مجموعة دينية في ألمانيا بعد البروتستانت والكاثوليك الرومان، فإنهم يواجهون الكثير من التحديات، وفقًا لسليمان ويلمس، مدير تحرير مجلة جلوباليا، فإن 84 بالمائة من مسلمي ألمانيا لديهم الاستعداد الكامل للبقاء في ألمانيا, منهم 17 بالمائة (حوالي ستمائة ألف) مواطنون ألمان بالفعل. ويُشكّل الأتراك الأغلبية العظمى في أوساط المسلمين بألمانيا, وقدموا إلى هناك خلال الستينيات والسبعينيات, حيث كانت ألمانيا تعاني وقتها من نقص العمالة بعد الحرب العالمية الثانية، فقد جاءوا لسد هذه الفجوة، وكان من المقرَّر أن يعودَ العمال إلى أوطانهم بعد انتهائهم من مهامهم، ولكن بمرور الوقت، وبدلًا من العودة، استقدم الأتراك أسرَهم وذويهم. ظهور الإسلام وباعتبار مسلمي ألمانيا أقلية دينية في مجتمع علماني، فلم تكن المظاهر الدينية موضع ترحيب في الميادين العامة، وبسبب بروز الإسلام مؤخرًا في السنوات العشر الماضية، فقد أُثير جدل واسع في ألمانيا بشأن الإسلام، وقد حاول المسلمون هناك الانسجام قدر المستطاع، إلا أن العديد من التحديات كانت تقف لهم بالمرصاد. وعلى الرغم من هذه التحديات، شُيِّدت العديد من المساجد وأنشئت الكثير من المنظمات الإسلامية, وبدأ المسلمون يمارسون صلواتِهم وشعائرَهم الدينية في غُرف قليلة وبسيطة، أما الآن فلديهم أكثر من ألفي مكانٍ لأداء الصلاة، لذا فقد صار الإسلام مميزًا وظاهرًا في ألمانيا. فضلًا عن ذلك بدأ المسلمون في تأسيس المنظمات والجمعيات الإسلامية, وتعتبر أقوى هذه المنظمات أربعة منها, "الاتحاد الإسلامي التركي للشئون الدينية"، والذي يُعدّ إحدى أكبر المنظمات الإسلامية في ألمانيا، وتأسست عام 1984 بوصفها فرعًا لهيئة الشئون الإسلامية، ومقرها مدينة "كولونيا". أما المنظمة الثانية, فهي "الاتحاد المستقل لمراكز الثقافة الإسلامية", والذين برزوا وتفوَّقوا بسبب العديد من المساجد في هذه المؤسسات الثقافية، إلى جانب ذلك يأتي "المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا"، وكذلك "المجلس الإسلامي في ألمانيا"، وهما منظمتان بارزتان بين تشكيلات المسلمين في ألمانيا. وقد أنشأ المسلمون وغير المسلمين الكثير من المنظمات للتعريف بالإسلام من خلال الثقافة والأنشطة السلمية، مثل منظمة "ايسان"، وتعمل هذه المؤسسات على خدمة المسلمين وغير المسلمين أيضًا، فالمناقشات والحوارات التفاعلية، والعمل الخيري، هي بعض من أنواع الأنشطة التي تستوعبها وترعاها هذه المنظمات. المشهد السياسي والمشهد السياسي في ألمانيا يُؤثر بشكل ما على أوضاع المسلمين, وأحد العوامل الرئيسية في هذا السياق هي قوانين وإجراءات الهجرة, فقد جعلت الحكومة هناك اللغة الألمانية إلزامية على الأزواج من غير مواطني الاتحاد الأوروبي، بزعم أنها تعتبر وسيلة أساسية للاندماج في المجتمع، لذا فقد خصصت 155 مليون يورو لدورات تعلم اللغة الألمانية, كما تفرض الحكومة أيضًا غراماتٍ على أولئك الذين يرفضون أخذ دروس في اللغة الألمانية. وفي مقالٍ نُشِر في مجلة "ذي إيكونومست", ذكر أن ألمانيا أصدرت قوانين من شأنها تعسير الأمر على المهاجرين في الاندماج والقدوم إلى ألمانيا, حيث ينبغي على الزوجات اللاتي ترغبن في الانضمام لأزواجهن في ألمانيا أن يجتازوا اختبار اللغة، كما يشترط ألا يقل عمرهن عن 18 عامًا. وفي السابق كان غير الألمان يواجهون مشكلةً يصفونها بالاجتماعية، ولكن مع حلول عام 2000، كان من حق أي طفل يُولد بألمانيا أن يحصل على جنسيتها، إلا أنه عند بلوغ الأطفال الثمانية عشر عامًا، فكان يتحتَّم عليهم الاختيار بين الجنسية الألمانية، وجنسية والديهم، الشرط الذي صعَّب الأمر على الشباب للاختيار بين الجنسيتين، مما أدى إلى تعقيد مسألة اندماج الشباب في المجتمع. وبالرغم من أن هذه القوانين المقيدة للحريّات تستهدف كل الأقليات العرقية في ألمانيا، إلا أن هذه التدابير تستهدف المسلمين خاصةً ولا سيما الأتراك, الذين يشكِّلون الأغلبية منهم. المصدر بالإنجليزية http://www.themuslimweekly.com/DetailView.aspx?NEWSID=TW00014159