الشفعة لغة ضم الشيء الى مثله، واصطلاحا حق استرجاع الشيء المشترك المبيع من المشتري الأجنبي، ولو جبرا عنه بنفس الثمن مع المصاريف (1). ويعرف ظهير 12 يونيو 1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة الشفعة في فصله 25 كما يلي: (الشفعة هي الحق الثابت لكل من يملك مع الآخرين على الشياع عقارات أو حقوق عينية عقارية ان يأخذ الحصة المبيعة بدلا من مشتريها، بعد أدائه المبلغ المؤدى في شرائها، وكذا مبلغ ما أدخل عليها من تحسينات وما أدى عنها من مصاريف لازمة للعقد. والشفعة سبب قانوني من أسباب اكتساب الملكية شأنها شأن البيع والهبة والإرث والوصية والحيازة.. وهي ثابتة بالسنة النبوية الشريفة، حيث وردت أحاديث كثيرة تتحدث عن مشروعية الشفعة وتحض عليها حفاظا على مصالح الاطراف لاضرر ولا ضرار (2). ***************** المختار السريدي مفتش إقليمي للضرائب وقد اتفق جمهور الفقهاء على أن حق الشفعة لا يثبت إلا في العقارات سواء كانت عقارات بطبيعتها أو بالتخصيص. أما في الميدان الجبائي فليس هناك تعريف دقيق ومحكم للشفعة كحق يمارس لفائدة الدولة، باستثناء ما نصت عليه المادة 143 من المدونة العامة للضرائب التي جاء فيها: (بصرف النظر عن حق المراقبة المنصوص عليه في المادة 217 أدناه، يجوز للوزير المكلف بالمالية أو الشخص الذي يفوض اليه ذلك، أن يمارس لفائدة الدولة، حق الشفعة على العقارات والحقوق العينية العقارية التي تكون محل نقل ملكية رضائي بين الأحياء، بعوض أو بغير عوض، باستثناء الهبات بين الأصول والفروع إذا بدا له ثمن البيع المصرح به أو التصريح التقديري لا يناسب القيمة التجارية للعقارات وقت التفويت، وأن أداء الواجبات المفروضة بناء على تقدير الإدارة لم يتأت الحصول عليه بالمراضاة. يمارس حق الشفعة المشار اليه اعلاه وفق الاجراءات والشروط المنصوص عليها في المادة 218 ادناه). وعليه تكون الشفعة بالمعنى الجبائي هي حق الدولة الثابت في استرجاع العقار أو الحق العيني العقاري من مشتريه، ولو جبرا عنه بنفس الثمن مع المصاريف إذا تبين لمفتش الضرائب المكلف بالمراقبة أن الثمن المصرح به أو المعبر عنه في العقد أو الاتفاق، لا يطابق القيمة التجارية الحقيقية في تاريخ التفويت، وان أداء الواجبات التكميلية المفروضة بناء على تقدير الإدارة الضريبية لم يتسن التوصل إليه بشكل ودي. يتضح إذن ومن خلال قراءة متأنية للمقتضيات الآنفة الذكر أن ثمة شروطا يجب توافرها من أجل ممارسة حق الشفعة لفائدة الدولة وهي: 1 ) أن تنصب الشفعة على عقارات أو حقوق عينية عقارية، إذ قال الإمام مالك: ( أنه بلغه أن سعيد بن المسيب سئل عن الشفعة هل فيها من سنة؟ فقال نعم الشفعة في الدور والأرضين..) (3) ويقصد بالعقارات الأراضي وما يتصل بها من بناءات وأغراس (4) أما الحقوق العينية العقارية فهي التي ورد ذكرها بالمادة 8 من ظهير 12 يونيه 1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة وهي: (ملكية العقارات وحق الانتفاع وحقي الاستعمال والسكنى وحق الارتفاق وحق السطحية والكراء الطويل الامد والرهن بنوعيه الرسمي والحيازي والحقوق العرفية والاسلامية كالهواء والزينة والجزاء والجلسة...) 2) أن تكون العقارات أو الحقوق العينية العقارية موضوع تفويت رضائي بين الاحياء، إذ الأصل في العقود التراضي والتوافق بين المتعاقدين وباتفاقهما على المحل ( وهو الشيء موضوع التفويت أو الحق والثمن وشروط العقد الأخرى) 3 ) أن تتم عملية التفويت بعوض أو بدون عوض، باستثناء الهبات بين الأصول والفروع أو بين الفروع والأصول، وهذا يخالف الشفعة في الشريعة الاسلامية التي توجب أن تتم عملية نقل الملكية بمقابل، أما إذا كانت بلا مقابل كالهبة والصدقة والوصية والإرث.. فلا شفعة. ونتساءل لماذا تم استثناء الهبة بين الأصول والفروع لوحدهم، دون أن يمتد الاستثناء الى غيرهم من المقربين كالهبة بين الأزواج، والهبة بين الإخوة والأخوات، عملا بقاعدة توحيد المقتضيات الجبائية وتجانسها، كما هو الشأن بالنسبة للهبة المعفاة من الضريبة على الدخل المترتبة على الأرباح العقارية المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة 63 من المدونة العامة للضرائب، والهبة التي تخضع لواجب التسجيل المخفض بنسبة 1.50% عوض نسبة 3% أو 6% بحسب الحالات المنصوص عليها في المادة 133 I ج 4 من نفس المدونة، وكلتا الحالتين تشترطان أن تكون الهبة مبرمة بين الأصول والفروع وبين الأزواج وبين الإخوة والأخوات. 4 أن يكو ثمن التفويت المصرح به أو المعبر عنه في العقود والاتفاقات لايطابق ولا يوافق القيمة التجارية الحقيقية للعقارات والحقوق العينية العقارية في تاريخ إجراء التفويت أو وقت نقل الملكية أو الحق. 5 أن يباشر عملية التصحيح والمراقبة للأثمان أو التصريحات التقديرية، مفتش الضرائب المكلف بالتسجيل، طبقا لمقتضيات المادتين 217 و 220 من المدونة العامة للضرائب، والذي يعمد بناء على عناصر المقارنة المتوفرة لديه الى تبليغ المفوت له بالأساس الجديد الواجب اعتماده وعاء لتصفية واجبات التسجيل و كذا مبلغ الضريبة التكميلي الناتج عن هذا الأساس، دون أن يتوصل معه الى أية تسوية ودية، بشرط أن تكون عناصر المقارنة المعتمدة في التصحيح قوية وواقعية ومتطابقة ويمكن الاحتجاج بها في حالة وقوع منازعة ما (5). 6 أن يطب وزير المالية أو المدير العام للضرائب أو من يفوض إليه ذلك، ممارسة حق الشفعة لفائدة الدولة كتابة، داخل أجل ستة 6 أشهر ابتداء من تاريخ تسجيل العقد أو الاتفاق، غير أنه في حالة نقل الملكية أو الحق تحت شرط موقف للتنفيذ لايسري الأجل المذكور إلا ابتداء من تاريخ تسجيل تحقق هذا الشرط، طبقا لمقتضيات الفقرة الأولى من المادة 218 من المدونة العامة للضرائب. 7 أن يتم تبليغ مقرر الشفعة وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 من المدونة العامة للضرائب (6) الى: كل طرف من أطراف العقد أو الاتفاق، ما لم يسبق إقامة صك للإثبات. قاضي التوثيق المختص، إذا تعلق العقد أو الاتفاق بعقارات غير محفظة، وتم تحريره من طرف عدلين. المحافظ على الأملاك العقارية التابع له موقع الملك موضوع الشفعة، إذا تعلق العقد أو الاتفاق بعقارات محفظة أو في طور التحفيظ. غير أنه إذا كانت العقارات المذكورة تقع في دوائر نفوذ عدة قضاة للتوثيق أو عدة محافظين على الأملاك العقارية وجب تبليغ مقرر الشفعة الى كل قاض أو محافظ يعنيه الأمر. وبمجرد تسليم تبليغ مقرر الشفعة تدرج حقوق الدولة في سجل التضمين الذي يمسكه قاضي التوثيق أو تسجل بسجلات المحافظة العقارية بحسب الوضعية التي توجد عليها العقارات محفظة أو غير محفظة أو في طور التحفيظ (الفقرة II من المادة 218 من المدونة العامة للضرائب). 8 أن يتسلم المفوت له المنزوعة منه العقارات أو الحقوق العينية العقارية موضوع الشفعة، خلال الشهر الموالي لتبليغه مقرر الشفعة (7) مبلغ الثمن المصرح به أو القيمة المعبر عنها بالعقدة أو الاتفاق بالإضافة الى: واجبات التسجيل ورسوم المحافظة العقارية المؤداة سلفا. تكاليف ومصاريف العقد القانونية، المحددة جزافا في نسبة 5% من الثمن او القيمة المصرح بها. ويترتب عن تمام هذه الإجراءات على الوجه القانوني الأكمل والصحيح، حلول الدولة محل المفوت له المنزوعة منه ملكية العقارات أو الحقوق العينية العقارية موضوع الشفعة، فيما يرجع للمنافع والتحملات الخاصة بالعقد أو الاتفاق ابتداء من تاريخ التفويت. وتعتبر كأن لم تكن جميع الحقوق في العقارات الممارس بشأنها الشفعة التي تخلى عنها المفوت له قبل ممارسة حق الشفعة، ويشطب عليها إذا سبق إدراجها في الدفاتر التجارية. هذا وأن العقارات والحقوق العينية العقارية التي صدر بشأنها مقرر الشفعة لفائدة الدولة لا يمكن بيعها من جديد إلا عن طريق المزاد العلني تماشيا مع مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 218 من المدونة العامة للضرائب، إذ لا يتصور بيعها بطريقة غير هذه الطريقة بعدما أصبحت في ملكية الدولة. أما النفقات المتعلقة بممارسة حق الشفعة لفائدة الدولة فيمكن إدراجها في الحساب الخصوصي للخزينة المسمى (الحساب الخاص باستبدال املاك الدولة). عصارة القول انه إذا كانت هناك رضائية في العقود وحرية في التعاقد فهذا لايعني إطلاق الأمور على عواهنها وترك الحرية المطلقة للأطراف لتفعل ماتشاء وتشترط ماتشاء وتصرح بما تشاء من القيم والأثمنة هروبا من الحقيقة وتمصاً من الضريبة دون حسيب ولا رقيب (فثمة رقابة النظام العام مادام الفرد يعمل في الجماعة ويتعين عليه ان يراعي المصلحة الجماعية العليا للمحافظة على التوازن الاقتصادي والاجتماعي ومن ثم لاحظنا تدخل الدولة في جوانب كثيرة من المعاملات رعيا منها لمبدإ التوازن بين مصلحة الفرد والجماعة، مع العلم ان الدولة وان تدخلت فان تدخلها لا يقصد مبدإ التعاقد في حد ذاته بل تنظيم هذه الحرية وتمكين خزينة الدولة من حقوق مالية قصد القيام بمصالح اجتماعية تعود بالنفع على الجميع (8). إن قاعدة الرضائية في هذه الحالة يتجاذبها مبدأ سلطان الإرادة من جهة ومبدأ النظام العام من جهة أخرى، لذلك فإن التصريح بالقيمة أو بالثمن في هذا العقد أو هذا الاتفاق ليس متروكا لحرية أو مزاج المتعاقدين، وإنما يجب أن يكون محددا تحديدا لا غشاوة عليه ومطابقا للقيم التجارية المتداولة والجاري بها العمل في سوق العقار، وإلا تدخلت الإدارة وفق مقتضيات القانون وطبقا لإجراءات ومساطر خاصة وأعادت الأمور الى نصابها حفاظا على حقوق الأطراف ودفاعا عن حقوق الخزينة لأن العبرة بالثمن الحقيقي لا بالثمن الظاهر والادارة تصحح هذا الوضع وتقومه بحسب المعطيات التي تتوفر عليها لتحول دون تحايل المتعاقدين على الواقع وعلى القانون في نفس الآن. ورغم وجود مقتضيات جبائية صريحة وواضحة فان ممارسة حق الشفعة لفائدة الدولة مازل شبه معطل ان لم نقل معطلا بالمرة، ويعزى هذا لعوامل متشابكة عدة منها الخصاص الكبير الذي تعرفه الموارد البشرية وعدم شجاعة وجرأة الادارة الضريبية في اتخاذ قرارات حاسمة ومناسبة من هذا القبيل وعدم توفرها على نفس طويل في سلوك مساطر قد تشغلها عن مهمتها الأساسية المتمثلة في ربط وتأسيس وتحصيل الضريبة بالاضافة الى التناقص في الأطر ذات الخبرة والتجربة والكفاءة في الميدان. وفي نظرنا فإنه يجب إيلاء أهمية كبيرة للخلايا والشعب والقطاعات المكلفة بالمراقبة وبتصحيح الأساس الضريبي ودعمها بالوسائل والامكانيات اللازمة والضرورية، حتى تؤدي مهمتها وعملها على الوجه القانوني الصحيح، مع ضرورة مكفأتها بناء على عدد الملفات التي انشغلت عليها والمداخيل التي نتجت عنها، بغية تحفيزها وتشجيعها على مواصلة العمل أكثر، كما نقترح إحداث فرق خاصة مكلفة بالمراقبة تكون تابعة تسلسليا للمصالح الجهوية للتحقيق وليس للمصالح الجهوية للوعاء الضريبي، وذلك من أجل توحيد العمل وتنظيم العمل وجني ثمار هذا العمل. ونحن على يقين بأنه اذا تم تفعيل المقتضيات الجبائية المتعلقة بممارسة حق الشفعة لفائدة الدولة، وعهد بذلك لهذه الفرق فاننا سنضرب عصفورين بحجر واحد، سنقضي على ظاهرة الصورية في التصريح بالقيم والاثمنة (9) وسنرفع من المداخيل الجبائية للدولة التي مافتئت تعلق عليها آمالها في تغطية النفقات الضرورية المتزايدة. هوامش: 1) محاضرات في الشريعة الاسلامية للدكتور محمد خيري كلية الحقوق بالدارالبيضاء السنة الجامعية 1990 1991. 2) انظر * صحيح البخاري المجلد الثاني كتاب الشفعة صفحة 386 دار صادر بيروت. * الموطأ للإمام مالك برواية يحي بن يحي بن كثير الليثي القرطبي كتاب الشفعة صفحة 398 الى 401 3) الموطأ للامام مالك المرجع السابق صفحة 398 4 الفصول 5 6 7 من ظهير 12 يونيه 1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة. 5 للمزيد من التفصيل انظر مقالنا المنشور بجريدة العلم عدد 20937 ركن المجتمع والقانون بتاريخ 9 يناير 2007 تحت عنوان القوة الثبوتية لعناصر المقارنة المعتمدة في تصحيح الاساس الضريبي. 6 انظر مقالنا المنشور بجريدة العلم عدد 20997 بتاريخ 19 مارس 2008 تحت عنوان اشكالية التبليغ في المادة الضريبية 7 من الافضل استبدال اجل الشهر باجل الثلاثين يوما وذلك حفاظا على وحدة الاجال في المجال الضريبي رغم ان المادة 132 من قانون الالتزامات والعقود تنص على انه عندما ما يكون الاجل مقررا بالأشهر فان المقصود بالشهر هو مدة 30 يوما كاملة. 8 محاضرات في القانون المدني للدكتور عبدالرحمان بلعكيد كلية الحقوق بالدارالبيضاء السنة الجامعية 1990 1991. 9 انظر المادة 142 من المدونة العامة للضرائب. ملحوظة من المحرر: نريد أن نفتح قوسا بهذه المناسبة للتساؤل عن الآثار القانونية المترتبة عن إهدار المال العام في حالة عدم قيام الموظف العمومي بالواجب من خلال الأجهزة التي أوكل لها المشرع حق الترافع أمام القضاء، وشعب المصالح الادارية القضائية، أو في حالة توكيل الإدارة محام، سواء في موضوع الشفعة وغيره من الملفات التي تكون فيها الدولة طرفا؟.