* بقلم // عمر بلخمار ستنطلق مساء يومه السبت أنشطة الدورة 23 لمهرجان تطوان الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط التي ستدوم إلى غاية فاتح أبريل القادم، وهي مناسبة أخرى للاستفادة من مختلف الأنشطة الموازية لعروض أجود الأفلام المتوسطية المختارة في إطار المسابقتين الرسميتين أو خارجهما، وهي دورة تتميز عن سابقاتها بحذف مسابقة الأفلام القصيرة. مسابقة الأفلام الروائية الطويلة ستشمل 12 فيلما من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان وتركيا وصربيا والدانمرك ولبنان وتونس ومصر والمغرب الممثل بفيلم "ضربة في الرأس" للمخرج هشام العسري، ويترأس لجنة تحكيم هذه المسابقة المخرج المصري يسري نصر الله. أما مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة فتشمل هي أيضا 12 فيلما من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا وكرواتيا والجزائر ومصر ولبنان والمغرب الممثل بفيلم "أحلام تتحرك" للمخرج خالد الحسناوي، ويترأس لجنة تحكيم هذه المسابقة المخرج الفرنسي توماس بوير. المثير للانتباه هو أن برنامج هذه الدورة يتضمن عرض الفيلم المصري "مولانا" الذي أثار في مصر ضجة كبيرة وانتقادات كثيرة داخل اللجنة الدينية بمجلس النواب وخارجها وطالب البعض بمنع توزيعه و عرضه بدعوى أنه يشوه صورة الأئمة والدعاة، وقد سبق عرضه في مهرجان دبي دون أن يفوز بأية جائزة، وتعرض لأعطاب تقنية أثناء عرضه في الأسبوع الماضي بمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية الذي فاز فيه بجائزة الجمهور و جائزة الإسهام الفني المتميز للممثل عمرو سعد مناصفة مع الممثل مجد مستورة في الفيلم التونسي "نحبك هادي"، وقد شارك المغرب في هذا المهرجان بفيلمي "الحياة" لرؤوف الصباحي، و"البحث عن السلطة المفقودة " لمحمد عهد بنسودة ولكنه خرج منه خاوي الوفاض. فيلم "مولانا" من كتابة وإخراج مجدي احمد علي، وهو مأخوذ عن الرواية التي تحمل نفس العنوان من تأليف الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى الذي شارك في الفيلم بكتابة الحوار. النجم المصري عمرو سعد هو الذي قام ببطولته و شخص فيه دور الشيخ حاتم الشناوي (مولانا) الذي تحول من إمامة الصلاة إلى داعية ونجم في برنامج تلفزيوني مشهور، الأمر الذي أغرى السلطة بالاستعانة به وتوظيفه لمصالحها. يتناول الفيلم التناقضات التي يعيشها "مولانا" في حياته الشخصية من خلال علاقته بزوجته "أميمة" (الممثلة التونسية درة) وابنه عمر المصاب بغيبوبة شديدة، وبنساء أخريات، وعلاقته بأقاربه وأبناء منطقته وجمهوره وبالسلطة أيضا، وسيجد نفسه بين المسلمين والمسيحيين وبين السنة والشيعة وبين المعتزلة والصوفية. سيتصل به "جلال" نجل رئيس الجمهورية، وسيطلب منه المساعدة في شأن شقيقه "حسن" الذي يعاني من اضطرابات نفسية جعلته يعتنق الديانة المسيحية ويطلق على نفسه إسم "بطرس"، وسيحاول "مولانا" بدون فائدة إقناعه بالرجوع إلى الطريق الصواب، بل إن الأمور ستتطور سلبا و سيقوم بطرس بتفجير إحدى الكنائس قبيل النهاية. موازاة مع كل هذا يتناول الفيلم علاقة سرية بين "مولانا" وشابة جميلة تتظاهر له بعشقها له وبإعجابها به، وهو لا يعلم بان السلطة هي التي كلفتها بهذه المهمة لتوريطه وابتزازه، وهو أمر سيوتر علاقته بزوجته وسيسيء لسمعته ليصبح في النهاية داعية من صناعة أمنية وخادم للسلطة. يتطرق الفيلم بنوع من الجرأة لصراع فكري مشحون بالحساسيات، مما جعله يخلق ضجة لعبت لصالحه في استقطاب عدد كبير من المشاهدين وتحقيق نجاح تجاري ملموس. تضاربت الآراء في شأنه بين مؤيد ومعارض إذ شن بعض كبار رجال الأزهر والأوقاف وحتى أعضاء في مجلس النواب المصري حملة على الفيلم مطالبين بمنع عرضه بالرغم من كونهم لم يشاهدوه من قبل. الشيخ خالد الجندي من علماء الأزهر أشاد في تصريح ( ورد في موقع "اليوم السابع" ليوم الأحد 8 يناير 2017) ببعض الأمور التي راقته في الفيلم من بينها سماحة الإسلام وقبول الآخر وأن معظم حالات الردة هي حالات نفسية، ولكنه عبر عن عدم رضاه على بعض ما ورد في الفيلم مثل قضية تدوين السنة و التشيع و فرقة المعتزلة، وعن وجود بعض الأخطاء في التلاوة القرآنية من الناحية النحوية واللغوية، وعن مصادر الشرع التي أشار الفيلم في شأنها إلى الوجوب والندب والإباحة وتغافل عن الكراهة والتحريم، ولم يرقه أيضا أن يتم اتهام نبي الله إبراهيم بأنه مر بمرحلة الشك قبل نبوته لأنه كان مثالا لليقين الإيماني الراسخ، ولم ترقه كذلك قبلة الفتاة لمولانا والتي كان يمكن حسب رأيه الاستغناء عنها. النائب اللواء شكري الجندي، عضو مجلس النواب وعضو اللجنة الدينية بمجلس النواب، و الدكتور منصور مندور، كبير الأئمة بوزارة الأوقاف طالبا بمنع الفيلم ووقف عرضه بذريعة أنه يشوه صورة الأئمة. المخرج مجدى أحمد علي أشار إلى عدم التطابق الكلي بين الفيلم والرواية، واعتبر فيلمه يتناول تابوهات مرفوضة في المجتمع المصري ويتطرق لقضايا مختلفة موجودة في مصر من بينها الفهم الخاطئ والخلط بين الدين والسياسة، ولم يكن يهدف إلى خلق الضجة وإلى إثارة الجدل، بل كان يتمنى أن يشاهده كل المصريين والعرب، وكان ينوي إنجازه في شكل مسلسل. شاهدت هذا الفيلم مع الوفد المغربي أثناء تواجدنا في القاهرة في إطار أسبوع السينما المغربية، وقد استقطبنا فعلا هذا الفيلم بملصقاته المكثفة و بالضجة التي أثيرت حوله، وقمنا بمشاهدته، وهو فيلم مثير فعلا بملصقه وبموضوعه الذي يتناول قضايا حساسة مثل الفتنة الطائفية، وعلاقة الشيعي بالسني، والعلاقات بين المسيحي والمسلم، يتطرق أيضا إلى التشدد الديني وحملات التبشير والتنصير و المد الشيعي والصوفية والسلفيين وأمن الدولة والدعاة والأجهزة السيادية وعلاقتها بالأزهر والكنيسة، وإلى دور الإعلام و القنوات الفضائية في كل هذه القضايا. الفيلم يجمع بين الجد و الهزل الخفيف ، وهو مثير بموضوعه وجيد على مستوى التصوير و الموسيقى التصويرية، و لكنه يشكو من طغيان الكلام على الأحداث ومن غياب اللمسات الفنية السينمائية ومن السطحية في المعالجة، أي أن أصحاب الفيلم أرادوا أن يتناولوا عدة قضايا خلال ساعة ونصف فقط، فتمت معالجتها بسطحية ملموسة و كان من الأفضل أن يكون هذا العمل مسلسلا كي تعطى لكل قضاياه ما تستحقه من معالجة كافية و عميقة. أحداثه تتوالى في غياب ترابط قوي كأن القصة غير موجودة، وقضاياه مهمة ومثيرة ولكنها تستعرض بكيفية مفككة كأنها مجموعة من الأفكار المنفصلة عن بعضها. السيناريو يشكو من الهشاشة على مستوى بناء بعض الشخصيات مما يخلق أحيانا بعض الغموض على مستوى الأحداث وتصرفات الشخصيات وتطوراتها. تجدر الإشارة في الختام إلى اقتناع البعض من الذين يعرفون كاتب الرواية إبراهيم عيسى بأنه أراد أن يعبر عن مواقفه من هذه القضايا، وبأن حوار الفيلم الذي كتبه هو لسان حاله وليس لسان حال البطل حاتم الشناوي، أي أنه خلق هذه الشخصية دون أن يحررها من فكره الخاص به. الفيلم المصري المثير للجدل "مولانا" بمهرجان تطوان السينمائي.. بقلم // عمر بلخمار