تصاعد حمى المنافسة لكسب أصوات الجالية الإسلامية في الانتخابات الرئاسية الفرنسية… العلم: باريس – بقلم // أحمد الميداوي ليس من الصدف في شيء أن تواجهك وأنت تتجول في شوارع باريس وأحيائها وحتى في بعض ضواحيها، تواجهك من حين لآخر، لوحات إلكترونية منصوبة على طرف الرصيف تعلمك ب"توقيت الصلاة" وبأن "الهجرة مصدر نماء وثروة" وبأن "لا تمييز بين الناس"، وغيرها من الإعلانات التي قد تبدو مثيرة للدهشة لولا الحملة الانتخابية الخفية لكسب الانتخابات الرئاسية القادمة في دورتين (أبريل و ماي 2017) بين اليمين والوسط واليسار، والتي تتمحور كالعادة حول الجالية الإسلامية التي يفوق عددها ستة ملايين نسمة.. فعلى بعد شهرين من الرئاسيات الفرنسية، أصبح شعار "مسجد مقابل صوتي الانتخابي" أحد المطالب الرئيسية لمسلمي فرنسا، وهو الأمر الذي دفع بالأحزاب السياسية على اختلاف قناعاتها بتبني هذا المطلب كأحد أولوياتها لضمان أصوات الناخبين، خاصة في المناطق التي تتواجد فيها كثافة فرنسية من أصوات مهاجرة، وأهمها باريس والضواحي (ليل دو فرانس) التي تحضن أزيد من مليوني ناخب مسلم. وقد تصاعدت حمى المنافسة لكسب أصوات المسلمين بين يميني يردد التصريحات الواعدة ببناء نحو مئة مسجد بكامل التراب الفرنسي قبل متم 2018، ويساري يعد بتوسعة المساجد لتسع لآلاف المصلين، ووسطي يعد بتجهيز المساجد وتزيدها بأئمة في قمة الكفاءة والاعتدال، حتى إن المسلمين تمنوا لو أن أيام فرنسا كانت كلها انتخابات.. كيف لا وجميع المرشحين باستثناء مرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبن، يرددون بشيء من الحسرة الانتخابية :"هل يليق بفرنسا أن يمارس الناس فيها عبادتهم فوق الرصيف؟". وعلى خلفية تحسين ظروف العبادة في فرنسا وبناء المساجد التي لا يتجاوز عددها نحو 1600 مسجد ومصلى، فيما يبلغ عدد الكنائس 39 ألف كنيسة فضلا عن 300 كنيس مخصص لليهود (500 ألف نسمة)، فإنه مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، تتعاظم مخاوف اليسار من أن يمنى بهزيمة سياسية وانتخابية كبيرة، كما تدل على ذلك آخر استطلاعات الرأي التي تؤكد تسارع انهيار شعبيته وحالة الطلاق بينه وبين الرأي العام الفرنسي. ويعول اليسار كثيرا على الجالية المغاربية على اعتبار أن 75% من المهاجرين أقرب إلى الأحزاب اليسارية، حتى وإن كان هذا التوجه لا يستند إلى وضع اجتماعي أو إلى منظومة قيم فردية يتبناها الحزب المذكور، وإنما يمكن تفسيره بالتطلع لفكرة المساواة الاجتماعية المطروحة في برامجه، حيث يبقى اليسار في تصورهم أكثر قربا منهم ومن الفئات الفقيرة بشكل عام. ويمكن القول إن مشاكل البطالة والعمل غير المستقر والغلاء وانخفاض مستوى المعيشة التي تهم جميع الفرنسيين، تطال بشكل أكبر الجالية المغاربية. وفي ظل فشل المشاريع المتعلقة بالهجرة، ومنها سياسة ما يعرف بالإدماج التي طرحتها وتطرحها مختلف الأحزاب السياسية، فان الفرنسيين من أصول مغاربية يعلنون في غالبيتهم أن لا ثقة لديهم في السياسيين من اليمين واليسار. ولمزيد من الضوء على هاجس الهجرة الذي يسكن التنظيمات السياسية بمختلف أطيافها، لا بد من الوقوف على بعض الخطابات والمواقف السياسية التي تتسابق الأحزاب في الترويج لها أثناء حملاتها الانتخابية بشأن موضوع الهجرة، وأهمها حزب اليمين التقليدي (الجمهوريون) الذي يبني شعبيته على الهجرة المنتقاة كحل أساسي لضبط الهجرة. والهجرة المنتقاة في مفهومه هي ترحيل مئات الآلاف ممن لا يتوفرون على تكوين عالي أو رأسمال لإقامة مشاريع اقتصادية مربحة لفرنسا. وهو يتبنى أيضا بعض طروحات الجبهة اليمينية المتطرفة فيما يتعلق بالربط بين المهاجرين ومشاكل البطالة وانعدام الأمن والجريمة والمخدرات. أما موقف اليسار مجسدا في الحزب الاشتراكي، فيقوم على ترديد مصطلحات الاندماج والمساواة والتنوع الثقافي والعرقي مع البحث عن آليات لتجسيده، دون أدنى عمل ملموس لفائدة المهاجرين، بل يربط شروط دخولهم وإقامتهم وحقوقهم الاجتماعية والقانونية في فرنسا، بضوابط تكون أحيانا تعجيزية. وتتبنى الحركة الديمقراطية (حزب وسطي) سياسة الوسط. فهي تستهجن القول بأن الهجرة تضر بالهوية الوطنية وترفض التفكير بمنطق الربح والخسارة عند الحديث عن الهجرة، لكنها في الواقع تغازل اليمين وتتركه ينوب عنها في الترويج لما تؤمن بها في الداخل. وتبقى ضمن هذه الخارطة، الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف) التي تبني برامجها الانتخابية على معاداة الهجرة والعمل على الوصول بها إلى الصفر، باعتبارها إفقارا لفرنسا وتهديدا لثقافتها وهويتها.