تراجع سعر النفط خلال الأيام الماضية إلى نحو 115 دولار بعد صعود صاروخي متواصل إلى حدود 147 دولار للبرميل، وذلك نتيجة انخفاض الطلب وإعادة الهيكلة التي تعرفها السوق العالمية، إلى أن العديد من التحليلات أبقت على على توقعات متشائمة تشير إلى أن هذا الانخفاض مؤقت، ووأن السعر مرشح ليصل إلى 200 دولار. وجاء في تقرير لمركز الأبحاث البريطاني أنّ العالم سيشهد انخفاضاً خطيراً في عرض النفط خلال الفترة الممتدّة بين السنوات الخمس والعشر المقبلة، إلّا إذا حدث انهيار في الطلب... وأضاف أنه نظراً للارتفاعات الأخيرة في الأسعار، يبدو وصول سعر البرميل إلى 200 دولار منطقياً. هذه النظرة التشاؤميّة، تخالف التحوّل الذي طرأ على توقّعات المحلّلين، الذين يرون حالياً أن سعر البرميل سيتراوح بين 80 دولاراً و110 دولارات، بحلول نهاية العام الجاري. بعدما ذهب بعضهم في السابق إلى تأكيد توقّعات اCHATAM HOUSE، وتحدّث عن 200 دولار سعراً مستقبلياً للذهب الأسود. ولكن التطوّرات التي دفعت صوب التحوّل في التحليل قد تكون آنيةً لأسباب عديدة. ويؤدّي التباطؤ الاقتصادي العالمي تلقائياً إلى انخفاض الطلب على الطاقة، وعلى الوقود تحديداً، وأوضحت البيانات الأميركيّة الأسبوع الماضي أنّ مخزونات النفط في الولايات المتّحدة، التي انخفضت كثيراً خلال الأشهر ال12 الماضية، عادت إلى التوازن، ما وفّر راحة للاعبين في الأسواق الماليّة. ويرى أنّ الانخفاض الحالي في أسعار العقود النفطيّة، ليس مرحلة في مسار تصاعدي سيعيد الأسعار إلى مستويات ما فوق القياسيّة، بل يعبّر عن التوازن الجديد الناتج من تراجع النموّ في الاقتصاديّات المتقدّمة. ويعتمدون في ذلك على أرقام منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تفيد بأنّ بلدان المنظّمة (الصناعيّة جميعها) نمت بنسبة تتجاوز بخجل نسبة ال3 في المئة خلال عام 2006، إلّا أنّها الآن، تقف على حافّة الركود... ولكن! ويدفع ازدياد وتيرة التوتّر بين واشنطن وطهران بشأن البرنامج النووي الإيراني، المراقبين نحو إعادة النظر بالثوابت التي رست على أساسها السوق. فإيران التي تُعَدّ ثاني منتج في منظّمة الدول المصدّرة للنفط، تهدّد بإغلاق مضيق هرمز، حيث يمرّ أكثر من 40 في المئة من النفط المصدّر عالمياً، إذا تعرّضت لعدوان أميركي، أو تعرّضت مصالحها للخطر. وعلى صعيد آخر، فإنّ التراجع في أداء اقتصادات الدول الصناعيّة، ليس حدثاً مستقلاً سيدفع وحده أسعار النفط نحو الاستقرار عند مستويات منخفضة. فالبلدان النامية، وعلى رأسها الصين والهند، تشهد ثورة في الطلب على الطاقة، تماشياً مع فورة النموّ التي تعيشها. وهذه الثورة التي تعبّر عنها نسب نموّ لا تقلّ عن 8 في المئة، ستستمرّ في المستقبل. إذاً فاالتوقّعات الحاليّةب المتعلّقة بسعر برميل النفط، تتجاذبها ما تفترضه التحليلات بشأن المعطيات السياسيّة ومدى منطقيّة السعر الذي أقفلت على أساسه بورصة اWALL STREETب، يوم الجمعة الماضي: هل المسألة تتعلّق بفقاعة انتهت مفاعيلها (لكن ليس بطريقة دراماتيكيّة!)، أم أنّ الحكم هو لآليّات العرض والطلب؟ ممكن إلى حدّ ما تحديد طبيعة الأسباب التي دفعت نحو هذا التراجع الأخير في أسعار النفط، ولكن بين من يرى الواقع ااستراحةب وبين من يراه انهاية لمسارب، يبدو أنّه لم يعد للتوقّعات الوقع اللازم. بموازاة ذلك، أعلنت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) أنها قررت الاستثمار في إنتاج النفط من أجل توفير حاجات الأسواق العالمية. وقالت إنّ الإنتاج، من دون حسبان الإنتاج العراقي، سيزداد من 31.7 مليون برميل يومياً في عام 2005 إلى 36.9 مليون برميل يومياً بحلول عام 2010 وأضافت أنّ هذه التطوّرات خطوة من أجل مواجهة ارتفاع أسعار البترول في الأسواق العالمية، بما أنّ العرض والطلب لا يزالان مضبوطين، مشيرةً إلى أنّ العوائق في قطاع التكرير لا تزال تؤدي دوراً في تحديد مسألة النفاذ إلى الموارد الحيوية وسط تزايد الطلب.