* يواجه الجزائريون وضعا اقتصاديا واجتماعية دقيقا جدا نتيجة الاختلالات القائمة وغياب رؤية استراتيجية واضحة لدى الحكومة، وخرج مؤخرا المئات في عدد من المحافظات للتعبير عن احتجاجهم على حالة التردي التي وصلوا إليها بيد أنه وكالعادة خرجت السلطات لتحمّل جهات خارجية مسؤولية هذه التحركات. تشكل نظرية المؤامرة إحدى أساليب النظام الجزائري في احتواء التحركات الاحتجاجية، وهو ما بدا واضحا في كل تحرك حيث عادة ما تسارع السلطات إلى القول بوجود جهات خفية خارجية وداخلية تقف خلفه. وكشف الأمن الجزائري مؤخرا، عن تفكيك شبكة تجسس دولية، في مدينة غرداية (600 كلم جنوبي العاصمة)، تعمل لصالح إسرائيل، وهي شبكة متكونة من عشرة أشخاص، ينتمون إلى جنسيات عربية وأفريقية مختلفة، على غرار ليبيا ومالي وأثيوبيا وغانا ونيجيريا وكينيا، كما عثر بحوزتهم على تجهيزات ووسائل اتصال متطورة وجدّ حساسة، وفق ما تم الإعلان عنه. وأكد بيان مديرية الأمن في الجزائر، بأن أعضاء الشبكة الموقوفين، قد أحيلوا على القضاء في مدينة غرداية، بعد استكمال مجريات التحقيق معهم، بتهمة التجسس لصالح جهة عدوّة، وخلق البلبلة والمساس بالأمن العام، ولم يشر إلى باقي التفاصيل المتعلقة بامتدادات الشبكة الداخلية والخارجية، وأساليب اشتغالها في المدينة، أو كيفية تغلغلها في النسيج الاجتماعي المحلي المحافظ. وكانت مدينة غرداية وضواحيها قد شهدت منذ سنوات، مواجهات عرقية بين أنصار المذهبين الإباضي والمالكي، أفضت إلى سقوط العشرات من الضحايا إضافة إلى خسائر مادية معتبرة في الممتلكات، وظل الوضع هشا وحذرا في المنطقة رغم محاولات الوساطة بين الطرفين، إلى غاية اضطلاع القيادة العسكرية للناحية العسكرية الرابعة بمهمة ضبط الأمن المحلي وإعادة الحياة العادية إلى مسارها. وظل تشبث السلطة بنظرية الأيادي الخارجية والمخططات المشبوهة لضرب استقرار البلاد، محلّ ازدراء المعارضة السياسية والناشطين، بالنظر للاختلالات المسجّلة في التنمية المحلية وتطوير الخدمات الحكومية، ولتقاطع الأحداث مع حالة غليان شعبي وانسداد سياسي في البلاد، حيث ظلت متهمة بتعليق الفشل الحكومي على شماعة الجهات التي تستهدف ضرب استقرار الجزائر، ونقل موجة الربيع العربي إلى ربوعها أسوة بما حدث ويحدث في دول الجوار وسوريا واليمن. وبالموازاة مع ذلك كشف بيان مديرية الأمن، عن حجز عناصرها لكمية من المقذوفات الحارقة (كوكتيل مولوتوف) وكمية من المواد الأولية، على غرار السوائل المشتعلة وقارورات زجاج ورمل، فضلا عن 55 قنبلة جاهزة للاستعمال، وذلك في ضاحية براقي (شرقي العاصمة)، بغرض استعمالها في أحداث الشغب التي أجهضت خلال الأيام الفارطة، كما تم توقيف العشرات من الشبان بالعاصمة وبجاية والبويرة في أعقاب أحداث الشغب التي عاشتها المنطقة مطلع الشهر الجاري. وكانت محافظات في منطقة القبائل كبجاية والبويرة وبومرداس، قد عاشت مطلع الشهر الجاري، حالة إضراب شامل شنه التجار والحرفيون احتجاجا على "قانون المالية 2017" المثير للجدل، تلبية لدعوات أطلقها نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي، وتحولت إلى أحداث شغب وتخريب وقطع للطرقات في مختلف محافظات ومدن الجمهورية. ووجهت الحكومة اتهامات لجهات لم تسمّها بمحاولة ضرب استقرار البلاد، واستنساخ موجة جديدة من الربيع العربي في الجزائر، ما لم يستسغه الشارع المحلي والمعارضة السياسية، كون الحكومة علّقت فشلها في احتواء الغضب الاجتماعي على شماعة الأيادي الخارجية، وهو ما يكون قد دفعها للإيعاز لمصالح الأمن بكشف مضمون التحقيقات المتوصل إليها، بغية تأكيد معالم المخطط الذي يستهدف البلاد، واحتواء موجة الانتقادات رغم حالة الإجماع على رفض أيّ انزلاق أو توظيف الاحتقان الداخلي لأغراض مشبوهة. وظلت الحكومة الجزائرية تتحفظ على كشف هوية الشبكات التي تستهدف المساس بأمن البلاد، وتكتفي تصريحات مسؤوليها بترديد مصطلحات فضفاضة عن مشاريع الاستهداف، ما جعلها في فوهة الانتقادات في ظل غياب الأدلة الملموسة أو التفاصيل المتعلّقة بخطاب المؤامرة الخارجية، ولو أن الجيش لا يتوانى في الكشف عن نشاطه في مكافحة الإرهاب والعناصر الأجنبية المتسللة عبر الحدود.