يقر جزء كبير من المحللين الدوليين بأن معركة مدينة حلب التي إنطلقت فصولها الرئيسية خلال شهر نوفمبر 2016 أشبه ب"معركة تحديد مصير"، حيث أن من شأن نتائجها ان تحسم مسار الحرب المتعددة الأطراف المتواصلة منذ زهاء ست سنوات على أرض الشام والتي اوقعت أكثر من 300 ألف قتيل. يوم الأحد 27 نوفمبر 2016 جاء في تقرير لوكالة فرانس برس: استعادت قوات الجيش العربي السوري وحلفاؤها الأحد السيطرة على حيين جديدين في شرق حلب، غداة تمكنها من السيطرة على اكبر الأحياء الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة، وفق ما اكد المرصد السوري لحقوق الانسان. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن ان "قوات الجيش وحلفاؤه تمكنوا من السيطرة على حيي بعيدين وجبل بدرو المجاورين لحي مساكن هنانو" غداة طردها الفصائل المسلحة منه ليلة السبت. وصرح مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية بسام ابو عبدالله لفرانس برس ان "العمل العسكري في مساكن هنانو اعتمد على قوات خاصة وكان متقنا اذ بدأ من المنطقة الأقل كثافة سكانية وعلى اكثر من محور، بحيث لم يكن لدى الجماعات المسلحة القدرة على التصدي وساهم بانهيار خطوطها الدفاعية". وحلب التي كانت ثاني اكبر المدن السورية قبل الحرب التي بدأت عام 2011 مقسمة بين غرب خاضع لسيطرة الحكومة يسكنه أكثر من مليون شخص وشرق يسيطر عليه مسلحو التنظيمات المسلحة ويقول مسؤولو الأممالمتحدة إن 250 ألف شخص على الأقل محاصرون في شرق حلب. وتخوض قوات الجيش السوري وفق المرصد معارك عنيفة في حي الصاخور الاستراتيجي الذي من شأن السيطرة عليه تقسيم الأحياء الشرقية الى جزئين وتشتيت الفصائل المسلحة. تحولات ميدانية تأتي سيطرة قوات دمشق على هذه الأحياء الثلاثة خلال 24 ساعة، في إطار هجوم بدأته منتصف شهر نوفمبر لاستعادة الأحياء الشرقية وتضييق الخناق على مقاتلي الفصائل المسلحة المعادية. واوضح عبد الرحمن ان التقدم السريع يأتي "نتيجة خطة عسكرية اتبعها الجيش السوري في هجومه وتقضي بفتح جبهات عدة في وقت واحد، بهدف اضعاف مقاتلي الفصائل وتشتيت قواهم". وتزامنا مع تقدم قوات دمشق النظامية، تمكن المقاتلون الأكراد المساندون للجيش يوم الأحد وفق المرصد من "السيطرة على جزء من حي بستان الباشا، كان تحت سيطرة الفصائل المسلحة، وحي الهلك التحتاني" وهما منطقتان مجاورتان لحي الشيخ مقصود. وبحسب عبد الرحمن، "استغل المقاتلون المؤيدون للحكومة المعارك التي تخوضها الفصائل للتقدم من الشيخ مقصود والسيطرة على هاتين المنطقتين". وفر اكثر من ثلاثة الاف مدني خلال أقل من 24 ساعة من الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة في مدينة حلب باتجاه مناطق تحت سيطرة قوات الجيش، وفق ما اعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان الاحد. وذكر مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس ان "عدد الفارين من الاحياء الشرقية منذ ليلة السبت الأحد تجاوز الثلاثة الاف مدني وقد تولى الجيش السوري ومحافظة حلب تأمينهم. وكانت الفصائل المسلحة التي تضم مقاتلين من أكثر من 80 دولة حسب تقارير الأممالمتحدة تمنع المدنيين من الخروج من مناطق سيطرتها وذلك لإستخدامهم كدروع بشرية. وفي العاصمة السورية دمشق صرح مصدر عسكري في غرفة العمليات المشتركة.. كما وعدنا أهلنا في حلب ما هو الا وقت قصير حتى يعود الجميع إلى حضن الوطن حيث العزة والكرامة بعيدا عن ارهاب التكفيريين الذين يتخذون منكم رهائن لتنفيذ اجندات خارجية صهيونية، وإن الفرصة ما زالت سانحة أمام المسلحين للوصول الى تسوية تضمن سلامة من يريد الخروج من حلب وبذلك تحفظ الدماء ويتجنب أهالي حلب المزيد من العذاب. وأضاف المصدر العسكري، فيما يعتقد ملاحظون أن رد على دعاية أطلقتها الفصائل المسلحة عن قرب تدخل عسكري أمريكي تركي ضد الجيش السوري، "واهم ومخطئ من يفكر ولو للحظة أن الجيش والحلفاء سيتراجعون عن هدفهم بتحرير كامل مدينة حلب، او يتركوا اكثر من مئتي ألف مواطن سوري رهائن بيد حفنة من المسلحين الإرهابيين و هذا قرار نهائي ولا عودة عنه". تقدم الجيش السوري على جبهة شرق حلب تكرر على جبهات أخرى في باقي أرجاء البلاد، وكالة أنباء رويترز أفادت في خبر لها يوم الأحد 27 نوفمبر، إن مقاتلي المعارضة سلموا أسلحتهم الثقيلة في بلدة جنوب غربي دمشق في إطار اتفاق عقدوه مع الحكومة لفتح ممر آمن لمن يريد المغادرة. ومن خلال سلسلة لما يطلق عليها اتفاقات "تسوية" وهجمات عسكرية واصلت الحكومة السورية المدعومة بقوة جوية روسية ومقاتلي حزب الله تصفية الفصائل المسلحة في المناطق الخاضعة لسيطرتها في ضواحي العاصمة. ووفقا لتقديرات الأممالمتحدة يوجد 12 ألف شخص محاصرين في بلدة خان الشيح التي تضم مخيما للاجئين الفلسطينيين في ضواحي دمشق منذ أعوام. وشهد شهر أكتوبر اشتباكات عنيفة وضربات جوية هناك انتهت بإتفاق إخلاء، وتم تشكيل لجنة مكونة من 200 شخص مختارين من قبل الأهالي تتولى أمر حماية البلدة تحت إمرة النظام. وخان الشيح هي البلدة الوحيدة غير الخاضعة لسيطرة الحكومة على طريق إمداد رئيسي من دمشق إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في محافظة القنيطرة الجنوبية حيث توجد خطوط وقف إطلاق النار مع الكيان الصهيوني. وقالت قناة "الإخبارية" التابعة للحكومة السورية إن سبع قرى أخرى غربي دمشق أقرت اتفاقات تسوية وإخلاء في الأربعة وعشرين ساعة الماضية. ولم يتسن لوكالة رويترز الاتصال على الفور بوزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية علي حيدر الذي تشرف وزارته على الاتفاقات للتعليق. ويشير مراقبون أن المصالحات باتت سلاحا فتاكا لا يقل أهمية عن باقي الأسلحة، كل من سئم الحياة في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة المعارضة لدمشق، ويرغب بتسوية وضعه ما عليه إلا الخضوع للقانون والتعاون مع الدولة، وهذا الأمر هو ما يشكل هاجسا بالنسبة لقادة الجماعات المسلحة. يشار إلى أن المركز الروسي لتنسيق المصالحة في سوريا والموجود في قاعدة حميميم بريف اللاذقية كان قد أعلن يوم 23 نوفمبر عن ارتفاع عدد الفصائل المسلحة، التي وقعت اتفاقات المصالحة، إلى 86 خلال الساعات ال24 السابقة وإرتفاع العدد الإجمالي للقرى والبلدات والمدن المنضمة إلى المصالحة إلى 972. مخاطر الحرب الإعلامية في موسكو تناولت صحيفة "فزغلياد" الروسية يوم 25 نوفمبر العملية العسكرية التي تنفذها القوات الحكومية السورية في شرق حلب، وحذرت من مخاطر الحرب الإعلامية. وأشارت الصحيفة أنه ومنذ يوم الثلاثاء 22 نوفمبر، جدد الطيران الحربي الروسي طلعاته الجوية، ويشارك في المعارك التي تدور في المناطق المحيطة بحلب، دون أن يهاجم المدينة نفسها. وقد شن غاراته الجوية على مواقع المسلحين الواقعة إلى الشمال-الغربي من المدينة. وهذه الضربات كانت تهدف بالدرجة الاولى إلى الحيلولة دون وصول دعم إلى الجماعات المسلحة من تركيا، لذا ركز الطيران الحربي الروسي ضرباته على أهداف المسلحين التي تقع في محيط طريق "حلب-غازي عنتاب" التركية. وقد دمرت الغارات الجوية، تقريبا البنية التحتية للمسلحين في وادي عندان وعلى طول الطريق. وفي الوقت نفسه، في صباح يوم الأربعاء 23 نوفمبر وجهت القوات الجو فضائية الروسية والقوات الجوية السورية ضرباتهما إلى دير الزور. ولكن هذا لا يعني أن التحديات انتهت: فالحرب الإعلامية التي تشن بالتوازي، يمكن أن تصبح فائقة الخطورة. ومن المهم الإشارة إلى أن حالة من الذعر بدأت تدب في أوساط المسلحين في شرق حلب. حيث تعمل وسائل الإعلام الغربية على مقاومتها. لقد أصبح مؤكدا أن "الجهاديين" لا يملكون القدرة العسكرية على ايقاف تقدم القوات الحكومية السورية وحلفائها في عمق شرق حلب، ولكن السؤال الذي يطرح الآن: كم من الوقت سوف يستغرق هذا الهجوم؟ وما هو نوع الضغط الخارجي الذي قد يمارس على دمشق؟. المسلسلات "الإنسانية" المزورة أصبحت تثير أصداء سلبية واستياء يفوق مشاعر التعاطف والتضامن. في حين أن العالم الناطق بالإنكليزية لا يرى أي مصادر للمعلومات، سوى الدعاية المكثفة التي تمارسها على سبيل المثال "سي إن إن" التي فقدت الحياء. والحرب الإعلامية الآن لا تقل خطرا عن مجموعة من أصحاب اللحى الذين يتسلحون بالبنادق الأتوماتيكية، وتفسير خاطئ للقرآن، بل لعله أكثر خطرا، لأن هذه المجموعة من الرجال الملتحين يمكن القضاء عليها، في حين أن شبكة "سي إن إن" ومثيلاتها هي خالدة" حسب الصحيفة الروسية. تشاؤم في واشنطن تفيد مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين، أن تقارير أجهزة المخابرات والجيوش التي قدمت خلال شهر نوفمبر 2016 للحكومات في واشنطن ولندن وباريس وتل أبيب إتفقت بشكل لافت، على أن وضع الفصائل المسلحة التي تقاتل الجيش السوري يزداد سوءا يوما بعد آخر وأن تذبذب التحركات التركية يعيق فرص دعم الفصائل المسلحة ويعزز فرص حكومة دمشق لحسم الحرب خلال سنة 2017. الرئيس الأمريكي أوباما الذي سيخرج من البيت الأبيض يوم 20 يناير 2017 ليسلم مفاتيحه لخلفه ترامب أصبح يقر أكثر من أي وقت سابق بتضاؤل فرص نجاح مخططاته في بلاد الشام. يوم 20 نوفمبر صرح أوباما في مؤتمر صحفي في مدينة ليما عاصمة بيرو في ختام قمة منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ "أيبك"، إن الفوضى في سوريا قد تستمر "لبعض الوقت" وإن الدعم الروسي للرئيس بشار الأسد أدى إلى دعم قدرة الرئيس السوري في إضعاف المعارضين المسلحين. وأقر أنه "غير متفائل بما سيحدث على المدى القصير في سوريا". وأضاف أوباما "منذ أن اتخذت روسياوإيران القرار بدعم الأسد وبالحملة الجوية الوحشية، وبشكل خاص إسكات حلب بالرغم من الإصابات بين المدنيين، والأطفال الذين يقتلون أو يجرحون، فقد أصبح في منتهى الصعوبة أن تجد طريقة حتى للمعارضة المدربة الملتزمة بالاعتدال أن تجد مكانا لها على الأرض لوقت طويل". وأضاف أوباما إنه أخبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه يشعر بالإنزعاج الشديد جراء إراقة الدماء في سوريا وأن هناك حاجة لوقف لإطلاق النار. وأكد أوباما إن واشنطن، لو تدخلت عسكريا في سوريا، لارتكبت خطأ استراتيجيا كبيرا، نظرا لاستمرار جهودها لاستعادة ما وصفه بالاستقرار إلى أفغانستان والعراق. الغرب يدعم الإرهاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال إن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، الذي سيخلف الرئيس أوباما، أكد على حرصه على تحسين العلاقات بين البلدين التي ساءت كثيرا خلال أزمتي أوكرانيا وسوريا. وكان الرئيس الروسي قد إتهم أمريكا والغرب بدعم الإرهاب وتغذية العنف عبر توظيف مطالب الحرية في تدمير الدول وفرض الوصاية عليها. وأشار بوتين إلى ان الولاياتالمتحدة ودول الغرب مسئولون عن تغذية الإرهاب والعمل على خلق ظروف تفضي إلى العبث بأمن الشعوب واستقرارها. واعتبر بوتين أن المنطقة العربية تشهد تصرفات في منتهى القسوة ولا نعرف من يتلاعب بمن. وحذر من أن تسليح الإرهابيين من خلال منظور ضيق قد يؤدي إلى اندلاع النار وتفشي العنف بمناطق أخرى. وحذر من التلاعب بكلمات وشعارات الحرية، قائلا إن الخلاف أمر ينبغي احترامه بدل فرض نموذج واحد. ودعا إلى استلهام العبر من الماضي وتاريخ الاتحاد السوفييتي في تصدير التجارب والنظريات الايديولوجية. وأكد بوتين "يكفي النظر الى ما يحدث في الشرق الأوسط" وتساءل "هل تعون ما فعلتم؟" وعزا الفوضى في المنطقة الى التدخل الأجنبي "الذي دمر أنماط الحياة" والسياسات المفرطة في الثقة والإفلات من العقاب. واتهم الغرب بتوظيف شعارات الحرية في تدمير دول بالشرق الأوسط، في إشارة إلى الدول العربية. وانتقد بشدة ما سماها تناقضات وعدم فاعلية الأممالمتحدة، وحرص بعض القوى على فرض قراراتها وخياراتها على الشعوب، مما أحدث كوارث وقلاقل في الشرق الأوسط تحت يافطات الحرية والتغيير. وأضاف الرئيس الروسي أنه يتفهم توق شعوب المنطقة الى التغيير، ولكن ما حدث هو انتهاك للحريات ولحق الناس في ملامح الحياة. وأضاف: إن المشكلة اليوم هي أن هناك مركزا واحدا يصر على الهيمنة ويعتقد أصحابه أنهم على الصواب ويهمشون المنظمة الدولية، في إشارة الى الولاياتالمتحدة وحلفائها. كما أكد استعداد بلاده للتعاون مع مختلف القوى لدحر الإرهاب ولكن بشرط تفادي الأنانية واستبعاد شريعة الأقوى التي "تلغي استقلال الدول وتفرض الوصاية عليها". سياسة ترامب في سوريا تتضارب التقديرات بشأن السياسة الأمريكية بالنسبة لساحة الحرب على أرض الشام في ظل الرئيس الأمريكي الجديد ترامب حيث أنه لا يمكن الإعتماد على مواقفه خلال الحملة الإنتخابية كمرجعية، البعض يتوقع تراجعا عن دعم التنظيمات المسلحة التي تسعى لإسقاط حكومة دمشق، وآخرون يتوقعون أن تتدخل واشنطن بشكل أكبر للعمل على تنفيذ مخططات المحافظين الجدد في كل الشرق الأوسط بما في ذلك سوريا. يوم 21 نوفمبر 2016 قال الدبلوماسي الأمريكي السابق، دينس روس، إن دونالد ترامب سيدعو لوقف نار في سوريا وهو ما سيمهد لعودة سلطة الرئيس السوري بشار الأسد بشكل كامل. وأوضح دنيس روس، في ندوة نظمها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أنه "عندما يتم تنصيب ترامب، في يناير، فقد يكون في موقع جيد للدعوة إلى وقف إطلاق النار في سوريا وإقامة روابط دبلوماسية، أي تمهيد الطريق بشكل أساسي أمام عودة الأسد إلى السلطة الكاملة في سوريا". وبحسب الدبلوماسي الأمريكي السابق، فإن التوجه إلى روسيا سيكون "جيدا من الناحية النظرية" إذا كانت العلاقة متبادلة، مضيفا: "سيحتاج ترامب إلى توخّي الحذر في تعامله مع الموضوع السوري". وقال "المجتمع الدولي لا يملك أدنى فكرة حول ما يمكن توقعه من دونالد ترامب"، معتبرا أن "الضبابية الدبلوماسية تجربة مهينة في أحسن الأحوال". وطالب روس الرئيس الأمريكي المنتخب ب"طمأنة" حلفاء الولاياتالمتحدة قبل أن يستلم الرئاسة، لافتا إلى أن حلف شمال الأطلسي "الناتو" مهم جدا في المسألة. وتابع روس قائلا: "نظرا إلى أن أحد أهداف ترامب القليلة الواضحة يتمثل بتدمير داعش، فمن الضروري للغاية إشراك السعودية ودول مماثلة في تحقيق هذا الهدف، حيث لا يمكن تجريد إيديولوجية التنظيم من مصداقيتها من دون هذه الدول". من جانبه صرح هنري كيسنغر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق وأبرز وأكثر صانع سياسة خارجية أمريكية خلال العقود الماضية وربما على الإطلاق، إن فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، قد يسمح بتأسيس توافق بين السياسية الأمريكية الخارجية وحالتها الداخلية، مشيرا إلى أن الرئيس الجديد ليس مؤيدا للرئيس الروسي فلادمير بوتني، واصفا أن ما قاله أثناء دعايته الانتخابية كانت "دعاية محددة". يدعي كيسنغر أن التاريخ لا يعمل بشكل متتابع، وأن الأحداث التاريخية تقتص من سياقاتها بدون إدراك. فكرته قهرية، ولا بد منها: رفضه الجوهري، عندما يرتبط الأمر بالجدالات الأكبر حول مسيرته المهنية، هي أن الدعم الأمريكي بعد الحرب للحلفاء المضادين للشيوعية، لا يمكن فهمه أو منطقته بدون كل من السياق التاريخي، وتعاطف أساسي لسردية داعمة للغرب. مقابل إحتمال تخلي واشنطن عن دعم الجماعات المسلحة في سوريا تبدي بعض الأطراف الإقليمية موقفا مغايرا. يوم السبت 26 نوفمبر وفي مقابلة مع وكالة رويترز، قال وزير الخارجية القطري إن بلاده ستواصل تسليح المعارضة السورية حتى إذا أنهى الرئيس دونالد ترامب الدعم الأمريكي. لكن الوزير محمد بن عبد الرحمن آل ثاني قال في المقابلة إن قطر لن تذهب "بمفردها" وتقدم للمعارضة صواريخ تحمل على الكتف للدفاع عن نفسها ضد الطائرات الحربية السورية والروسية. وأضاف الوزير إنه رغم احتياج المعارضة لدعم عسكري إلا أن أي خطوة لتزويدها بأسلحة مضادة للطائرات تحمل على الكتف ستحتاج موافقة جماعية من الأطراف الداعمة للمعارضة. مشروع القضم النسبي جاء في تقرير نشر في العاصمة اللبنانيةبيروت التي تنعكس على مراياها الكثير من معطيات الصراع الدولي على أرض الشام: تمرّ الساحة السورية، حاليا، بمرحلة انتظار تبلور توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة، مع تطلع روسيا وتبعا لها الدولة السورية وحلفائها، إمكان تحقيق ما يشبه "تلزيم" الساحة أمريكيا إلى روسيا، في حد أقصى، أو تفاهم ما، تحت السقوف المرتفعة للإدارة الحالية. هو أمل ورهان على فعل مستقبلي غير محسوم، لكنه من ناحية موسكو، تحديدا، يستأهل الانتظار. مقابل ذلك، تعيش الجماعات المسلحة على اختلافها، حالة خليطة من القلق وفقدان القدرة على التغيير الميداني، ومنع الأسوأ الذي يلوح في الأفق، مهما اتجهت مقاربات اللاعبين الرئيسيين في الساحة السورية. مع ذلك، تراهن هذه الجماعات، من منطلق الآمال والتمني، على تبلور واقع مختلف عما هو مقدر لها، نتيجة تضارب المصالح بين الكبار، علّه على هامش هذا التضارب يحمل تغييراً من شأنه أن يحدّ من خسائرها ويؤجل ربما اجتثاثها. الأمر ذاته بما خص الحلفاء المباشرين للولايات المتحدة، وتحديدا الكرد، الذين باتوا يتموضعون دفاعيا وينكفئون عن الفعل الهجومي وقضم أراضٍ، بعد شبه تخل أمريكي عنهم، في أعقاب التدخل العسكري التركي المباشر. من ناحية تركيا، تمضي أنقرة في مشروع القضم النسبي في سوريا، على أمل الترسيخ اللاحق للقضم. هي تشبه سيلا من ماء لا يقف إلا أمام سدود وموانع جغرافية، وإلا فإنه ينجرف حيث يمكنه. الضربة الجوية السورية ضد الجيش التركي بالقرب من مدينة الباب، وما سبقها من قول وفعل سوريين، جاءت لتضع سدا أمام المياه التركية في سوريا وتمنع انجرافها. لكن، هل وصلت الرسالة؟ وهل تكون كافية لفرملة الاندفاعة التركية؟. تبدو أنقرة أنها تنظر إلى ما لديها، من قدرة وإرادة فعل متساويتين، وهي غير ذلك. ولى الزمن الذي كانت فيه القدرة العسكرية هي الدافعة فقط للفعل، دون ربطها بالظروف وبإمكان تحقيق النتيجة والثمن والمخاطرة بإمكانات الفشل ربطا بقدرة وإرادة الطرف الآخر على الفعل والإرادة المعاكسة. توجه عارم وجارف إلى حد المجازفة الميدانية، للتوسع الإقليمي. توسّع لا تجد أنقرة حرجاً في الإعلان والكشف عنه، دون خوف من تبعاته، إذ إنها تجد في ضعف الساحات المتاخمة لها، في سوريا والعراق، دعوة للتوسع والقضم الإقليمي. بحسب مفهومها هي، هي محاولة لاسترجاع ما سلب من تركيا، أكثر من كونه قضما من أراضي آخرين. هل فهمت أنقرة رسالة الغارة الجوية؟ بعد أحادية القرار في تركيا، عمدت أنقرة إلى تفعيل استراتيجية تحقيق المصالح عبر التدخل العسكري المباشر في سوريا. العنوان العريض، مواجهة الكرد ومشروعهم الانفصالي، إضافة إلى تقاطع المصلحة وإن باختلاف المضمون مع الدولة السورية وحلفائها، وتحديدا روسيا، مكن تركيا من فرض نفسها ميدانيا في سوريا، الأمر الذي أحبط المسعى الكردي، وفي ذلك مصلحة مشتركة لم تخل من البدء بمخاطرة من ناحية دمشق وحلفائها. إلّا أن مواجهة "الخطر" الكردي، من ناحية تركيا، لم يكن سوى جزء من استراتيجيتها، فاستغلت "السماح" المعطى لها ميدانيا بحدود المطلوب لمواجهة هذا "الخطر"، باتجاه تحقيق ما أمكن من "استرجاع حقها" في سوريا، بمعنى القضم والتوسع الإقليمي، الذي حدوده تتسع لما يمكنها أن تصل إليه. إلا أن ما كان ممكناً قبل التدخل الروسي، بات حاليا دونه مخاطرة وإمكان رد يوجب التأمل والتأني، ومن شأنه أن يفضي إلى ما لا تريده أنقرة، وتحديدا مواجهة عسكرية مباشرة. لكن في الوقت نفسه، راهنت ويبدو أنها لا تزال تراهن، على أن الآخرين، أي الدولة السورية وحلفاءها، وتحديدا الروسي، لا يريدون أيضا المواجهة معها، رغم رسائل القول والفعل المرسلة من قبلهم إلى أنقرة بضرورة الحد من تطلعاتها ومحاولة فرض حقائق ميدانية عبر قضم مزيد من الأراضي السورية. إلا أن إرادة التوسع لدى أنقرة، والشعور بفائض القوة، وتوقع زائد عن حده أن لا أحد يريد مواجهتها أو التسبب بمواجهتها، دفعها إلى التمادي. فكان لزاما على الدولة السورية، وربما أيضا بالتبعية أو أيضا كمصلحة بالتوازي، لزاما على روسيا، أن تفهم أنقرة خطورة خطواتها ودفعها إلى الامتناع عن تنفيذ مشاريعها التوسعية. كانت رسالة الغارة الجوية، بالقرب من مدينة الباب، التي من شأنها أن ترسم بالدم التركي، حدود وقواعد الاشتباك ومنع تجاوز الحدود "المسموح" بها ابتداء مع الدخول التركي إلى سوريا، بما لا يتجاوز شبه المتفق عليه. في العودة إلى السؤال: هل وصلت الرسالة؟ يبدو أنّ أنقرة أمام ثلاثة سيناريوات، ممكنة نظريا، وقد تقدم في ظل إصرارها على استراتيجية فرض الحقائق الميدانية، أن تسلك أحدها: التسمر في المكان، والاكتفاء بالحقائق الميدانية التي حققتها أنقرة إلى الآن، بمعنى منع الكرد من مبتغاهم، والاكتفاء بفرض نفسها ميدانيا في الساحة السورية، بما حققته، كطرف لا يمكن تجاوزه في مرحلة. عدم سماع رسالة الغارة الجوية، رغم أنها صاخبة، ومواصلة العمل لتحقيق ما حذرت منه الرسالة، الأمر الذي يستتبع، على الأرجح، تدحرجا نحو مواجهة مع الجيش السوري قد تدفع بدورها إلى مواجهة مع روسيا، من شأنها أن تكون حاضرة ابتداء لدى أصحاب القرار في أنقرة…فموسكو، التي كادت أن تصطدم مباشرة بالولاياتالمتحدة بعد التهديد الأمريكي باستهداف الجيش السوري، لن تقف مكتوفة الأيدي ما دون التهديد الأمريكي. ثالثا، وهو الأرجح في حال تحقق ظروفه، أن تنحرف الشهية التركية شرقا، نحو الكرد، وأن تحل منبج مكان الباب… الأمر الذي ينذر بمزيد من المواجهات المباشرة مع الكرد، لن تقتصر على غرب نهر الفرات، بل من شأنها أن تنسحب أيضا إلى شرقه. وكيفما اتفق، في السيناريوات الثلاثة، يمكن القول إن تركيا إردوغان حققت الحد الأدنى المطلوب للبقاء عنصراً فاعلا ومؤثرا في الساحة السورية، في حال توجه الأمور نحو تسوية يحكى عنها مع تولي الإدارة الأميركية الجديدة مهماتها. لكن ما يخشى على أنقرة، إن كان هناك ضرورة للخشية عليها، أن تسلك سيناريوات متطرفة وتراهن على القوة الزائدة لديها كما تراها هي، من دون التفات إلى قدرة الآخرين وإرادتهم. جرثومة الطائفية عملت إسرائيل ومعها القوى الإستعمارية القديمة في المنطقة العربية ومعها الولاياتالمتحدة خليفة الإستعمار الفرنسي والبريطاني، على إحياء جرثومة الصراع الطائفي في العديد من الأقطار العربية وخاصة العراق وسوريا بعد أن اندثر خلال فترة طويلة من التاريخ وخاصة أثناء حرب التحرر الوطني لإزاحة الإستعمار وتعزز الفكر القومي. قبل الغزو الأمريكي للعراق وإحتلاله في سنة 2003 لم يكن هناك صراع طائفي في العراق، ويعترف حتى المحللون الغربيون أن 40 في المئة من أعضاء مجلس قيادة الثورة في بغداد كانوا من المسلمين الشيعة وهم أكبر المساندين لحرب الثمان سنوات ضد إيران التي أرادت سلب خيارات شعبهم، ولكن بعد إلاحتلال الأمريكي والتدخل الإيراني نجح الطرفان في صنع حرب طائفية لإضعاف المقاومة العراقية للإحتلال المزدوج الأمريكي الإيراني. نفس أسلوب التفرقة الطائفية جرى تجربته في سوريا رغم أن 90 في المئة من الجيش السوري الذي يحارب منذ ما يناهز الست سنوات دفاعا عن حكومة بشار الأسد في دمشق، مكون أساسا من المسلمين السنة. في نطاق مواجهة إستخدام جرثومة الصراع الطائفي من الواجب تحليل كل تطور في الصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط الكبير. يوم 26 نوفمبر 2016 ناشد مفتي جيش الفتح عبد الله المحيسني تركيا بالتدخل العسكري المباشر ضد الجيش السوري لقلب المعادلة العسكرية في شمال سوريا، وقال المحيسني في إطلالاته الأسبوعية في برنامج الشام في اسبوع الذي يبث مساء الجمعة، ماذا تنتظر تركيا حتى تتدخل عسكريا لنصرة أهل السنة في الشام خاصة بعد مقتل جنودها في غارة جوية للطيران السوري على مشارف مدينة الباب. وأضاف المحيسني أن الشعب التركي يؤيد هذا التدخل العسكري، وعلى تركيا أن تدخل بكل قواتها لإنقاذ أهل السنة. وانتقد المحيسني قادة الفصائل بسبب الخلافات التي وصفها بأنها اخرت النصر وتسببت بفشل محاولات فك الحصار عن حلب مطالبا قادة الفصائل بأن يتقوا الله. واعدا بشن المزيد من الهجمات خلال الأيام المقبلة لفك الحصار عن حلب مشيرا أن جيش الفتح لديه عدة خيارات لشن مثل هذه الهجمات، واعترف المحيسني أن ملحمة حلب الكبرى وهي ثاني هجوم تشنه الفصائل بهدف فك الطوق العسكري عن حلب قد فشلت، كما انتقد المحيسني الجيوش العربية التي تدفع الأموال للمهرجانات العسكرية والاحتفالات وطالبها بارسال هذه الأموال لمقاتلي الفصائل في سوريا حتى يفك الحصار عن حلب. ملقيا مسؤولية الفشل العسكري على خذلان العرب لأهل السنة في سوريا. واكد المحيسني أن المقاتلين في أحياء حلب الشرقية لن يخرجوا منها تحت أي ظرف. 400 مليار دولار لاعادة الإعمار يقول بعض المحللين أن سلوك القوى المالية المتعددة الجنسيات على الصعيد الدولي يشكل مؤشرا أساسيا لمسار الأحداث، وفي الصراعات ذات الصبغة الدولية تتخفى هذه القوى المالية وراء شركات محلية أو إقليمية لتحقيق كسب مادي حتى في مناطق صراع كانت هي طرفا مؤثرا ومشاركا فيها. جاء في تقرير صدر في بيروت يوم 27 نوفمبر 2016 أنه مع اقتراب سقوط مدينة حلب بأيدي الجيش النظامي السوري وتحقيقه انتصارات ومع احتمال اقتراب الحل السياسي في سوريا، فإن 400 مليار دولار هو المبلغ الذي يجب ان يخصص لاعمار سوريا على مدى 10 سنوات. وهنالك 1200 شركة لبنانية من بين أو عبر مئات الشركات الدولية بدأت تستعد للمشاركة بإعمار سوريا وهي تشتري أراضي في البقاع لبناء مستودعات ومخازن ومعامل حديد وكل التجهيزات كي تشارك في عملية الإعمار. وستدفع دمشق المبالغ بالتقسيط على 20 سنة، الا انها ستكون مكفولة من الدول الكبرى ومن البنك الدولي، بمعنى ان الذين سيشاركون بإعادة اعمار سوريا، ستكون أموالهم مضمونة. ومن جهة لبنان، هنالك 1200 شركة تستعد للدخول الى سوريا لاعادة الاعمار، علما ان الأردن ليس له دور هام، والعلاقة بين سوريا وتركيا سيئة، وهكذا فإن تركيا ستكون مرفوضة للمشاركة باعمار سوريا. نائب وزير الدفاع اللبناني سمير مقبل يستعد لشراء 1000 شاحنة نقل يضعها في البقاع، تمهيدا لنقل البضائع من مرفأ بيروت الى سوريا. وهنالك شركة المباني وشركات أخرى تريد المشاركة في إعادة اعمار سوريا، واذا كان الحل وطني ضمن وحدة وطنية وهكذا سيكون، فان بعض دول الخليج ستضع أموالا طائلة لاعادة اعمار سوريا. كما ان آل فتوش يستعدون لتصدير الحديد والاسمنت الى سوريا، كذلك شركة واكيم وشركة متى يستعدان للتوصية على شراء اكبر الرافعات من المانيا، يحصلوا عليها بعد سنة ونصف. كما ان شركة سوليدير ترغب بإعادة اعمار دمشق على طريقة اعمار بيروت بعد الحرب الأهلية في القرن الماضي. وتنوي شركة سوليدير صرف 100 مليار دولار في العاصمة دمشق ومحيطها والقرى المحيطة بها، مع البنية التحتية وتجميل نهر بردى لتصبح دمشق من اجمل مدن العالم العربي. وهذا سيكون ضمن مناقصة بين شركات دولية، لكن اكبر شركة لاعمار العواصم هي شركة سوليدير، والممثل الفعلي لشركة سوليدير هو السيد بهاء الحريري. ولذلك من السهل تعاطي سوليدير مع سوريا لان الرئيس سعد الحريري لن يكون ممثلا في المفاوضات مع سوريا في هذا الشأن. بقلم // عمر نجيب للتواصل مع الكاتب: